الصماد النموذج السياسي الراقي
سعاد الشامي
انتماء الإنسان إلى جماعة بشرية يحوي في طياته اعترافاً بوجود سلطة عليا أو هيئة حاكمة لتلك الجماعة تنظّمُ كُــــلَّ شؤون أمرها؛ لذلك فالسلطةُ السياسيةُ هي ظاهرة اجتماعية لا يمكن تصوُّرُها خارج المجتمع الإنساني، ووجودها هو ركن أساسي من أركان الدولة، إذ لا يصلح إطلاق مسمى الدولة على شعب وإقليم بلا سلطة عليا ذات اختصاص عام تتضمن كافة مجالات الحياة داخل الدولة بحيث تضمن حق الحياة الكريمة للشعب وحق الاستقلال والسيادة للأرض.
كنا قد سمعنا عن مكرِ الذئاب ولكن لم نكن نعي أن أشد فتكاً منها هو مكرُ الرؤساء والملوك، الذين يحملون في يمينهم سمَّ الدبابير وفي يُسراهم أسراب الحمام وشعوبهم غارقة في بحر التبلد الموغل في عمق الغباء السياسي؛ لذلك ظللنا في اليمن ثلاثة عقود ونحن نحدقُ بعيون الأعمى إلى ذلك الشخص المعتلي عرشَ الحكم، عاجزين عن التمييز بين ما نسمع منه من أقوال وما نراه منه من أوهام!
لم نتساءل حينها: لماذا لم نحرث أرضنا وإنما حرثنا حقولَ الحزن والبؤس ولم نحصد سوى النكبة تلو النكبة؟ ولماذا لم تستخرج ثروات أرضنا الطيبة لننعم بخيراتها؟ بل تم سحبنا من مركز القوة إلى نقطة الضعف وأخرجنا من نعيم السيادة إلى جحيم الوصاية بعد أن سلّم رئيسُ الشؤم بلادَ الخير إلى دول الشر وعلى طبق من ذهب!
يقال: إن للسلطة نشوةً تعبث بالرؤوس وتغيّر جواهر النفوس، ولكن كان للرئيس الشهيد صالح الصماد سلام الله عليه شرفُ نسف هذه المقولة عندما ضرب أروعَ صور الأنظمة السياسية المتميزة على مر العصور وفي وقت عصيب تتعرضُ فيه الدولةُ اليمنية لأشرس عدوان ينتهكُ سيادةَ أرضها وينال من كرامة شعبها.
تميز الشهيد الصماد بروح إيْمَـانية وصفات قيادية وسمات إنسانية ومؤهلات سياسية جعلته يتألق في مهمته الرئاسية على أرقى مستوى وأكمل وجه، فهو لم يسعَ إلى بناء مصالحه الذاتية ولم تتمركز جهوده حول حماية كرسي الحكم كما فعل السابقون من قبله، وإنما سعى وصب جهوده كلها في فعل كُــــلّ ما من شأنه حماية الدولة والنهوض بها إلى أسمى مقامات التمكين والاستقلال والتقدم.
ولأنه المفكرُ الفذ والمحنك السياسي أدرك بأن ضماناتِ قيام الدولة القوية والمستقلة والمستقرة لن يكون إلا بتقديم قيم وثوابت خالدة تدور وتتمركز حول المصلحة الوطنية الشاملة والاستقلال الوطني بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ففي فكر الصماد سلام الله عليه تجلت قيمُ البناء والحماية التي تضمن للدولة سيادتها الوطنية وكرامتها البشرية فلا الحماية وحدَها ستضمن البقاء ولا البناء وحدَه سيضمن الرخاء فكلاهما مكملٌ للآخر، تدخل عبرهما اليمن إلى حياة جديدة كُــــلّ ما قبلها من آفات الذل والهوان والتبعية والوصاية متلاشية وزائلة وما بعدها من مقومات العزة والقوة والكرامة دائمة خالدة لا تزول.
فسلامُ الله على الصماد ما سعت أيادي الأحرار إلى حماية أوطانهم وامتدت أيادي المخلصين إلى البناء..