كل ما يجري من حولك

كيف وصلت أسلحة أمريكية إلى أيدي أعداء واشنطن في اليمن؟

كيف وصلت أسلحة أمريكية إلى أيدي أعداء واشنطن في اليمن؟

595

متابعات:

نقلت “سي إن إن” أن السعودية وشركاءها في التحالف نقلوا أسلحة أمريكية الصنع إلى مقاتلين مرتبطين بالقاعدة وميليشيات سلفية متشددة وفصائل أخرى خاضت الحرب في اليمن، وذلك في انتهاك للاتفاقيات مع الولايات المتحدة. كما شقت الأسلحة أيضا طريقها إلى أيدي الحوثيون الذين يقاتلون التحالف من أجل السيطرة على البلاد، الذين كشفوا عن بعض التكنولوجيا العسكرية الأمريكية الحساسة لطهران، التي من المحتمل أن تعرض حياة القوات الأمريكية في مناطق الصراع الأخرى للخطر.
في الواقع، استخدمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الشريك الرئيسي في الحرب، الأسلحة المصنعة في الولايات المتحدة كشكل من أشكال العملة لشراء ولاءات المليشيات أو القبائل، وتعزيز العناصر المسلحة المختارة، والتأثير على المشهد السياسي المعقد وذلك وفقاً للقادة المحليين المعاينين للوقائع على الأرض والمحللين الذين تحدثوا إلى سي أن أن.
وفقا لوزارة الدفاع الأمريكية، من خلال تسليم هذه المعدات العسكرية إلى أطراف ثالثة، فإن التحالف الذي تقوده السعودية يخرق شروط مبيعات الأسلحة مع الولايات المتحدة. وبعد أن عرضت سي أن أن نتائجها، أكد مسؤول دفاع أمريكي أنه هناك تحقيق مستمر في القضية. تثير هذه الحقائق أسئلة جديدة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد فقدت السيطرة على حليف رئيسي يرأس أحد أكثر الحروب المروعة في العقد الماضي، وما إذا كانت السعودية مسؤولة بما يكفي للسماح لها بمواصلة شراء الأسلحة المتطورة والقتال العسكري.
تأتي هذه التطورات أيضاً في الوقت الذي ينظر فيه الكونغرس، الغاضب من الرياض بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي، فيما إذا كان سيضطر إلى إنهاء دعم إدارة ترامب للتحالف السعودي الذي يعتمد على الأسلحة الأمريكية في شن حربها. في سنة 2015، أطلقت الرياض ائتلافا لطرد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران من عاصمة البلاد وإعادة حكومة الرئيس عبدو منصور هادي المعترف بها دوليا. في الحقيقة، لقد قسمت الحرب البلاد إلى قسمين، ومعها لم تظهر الأسلحة فحسب، بل ظهرت أيضا الصواريخ المضادة للدبابات، والمركبات المدرعة، والليزر الذي يحدد المدفعيات. فضلا عن ذلك، تتدفق كل هذه الأسلحة إلى دولة معقدة وغير منظمة.
منذ ذلك الحين، نقلت بعض “المعدات العسكرية الجميلة” الأمريكية، كما وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات مرة، أو تم بيعها أو سرقتها أو تركها في اليمن التي تشهد حالة من الفوضى، حيث التحالفات الضبابية والسياسات الممزقة تبعث القليل من الأمل لأي نظام مساءلة أو تتبع.
بعض الجماعات الإرهابية من تدفق الأسلحة الأمريكية، خاصة مع عدم مواجهتهم لحاجز دخول الأسلحة المتقدمة التي خفضت بموجب قوانين العرض والطلب. لقد أتيحت الفرصة لزعماء الميليشيات للحصول على العتاد العسكري مقابل محاربة ميليشيات الحوثي. كما ازدهر تجار الأسلحة، حيث أصبحوا يعرضون على الشاري شراء أو بيع أي نوع من الأسلحة، من بندقية مصنعة في الولايات المتحدة إلى الدبابات. علاوة على ذلك، استولى وكلاء إيران على الأسلحة الأمريكية التي يمكنهم استغلالها لتحديد نقاط الضعف أو الهندسة العكسية للإنتاج المحلي.
“هل لديك بنادق أمريكية هنا؟”
في الشوارع الضيقة والمتهالكة في حي تعز التاريخي، تقع محلات الأسلحة بين محلات الملابس النسائية. وفي الحقيقة، تعد أسواق الأسلحة غير قانونية في اليمن، لكن هذا لم يمنعها من العمل بشكل علني في هذه المدينة الجبلية الكبيرة في جنوب غرب البلاد. وبجانب أحد المحلات التي علق على حيطها عبايات وفساتين ملونة للبيع، نجد محلا لبيع المسدسات والقنابل اليدوية، والبنادق الهجومية الأمريكية المتوفرة وفقا لترتيب خاص. وفي أحد أسواق الأسلحة، عرضت الحلويات بين الذخيرة.
سأل أحد طاقم سي أن أن “هل لديك بنادق أمريكية هنا؟” ليجيبه أحد تجار الأسلحة الذي صورته الكاميرات في سرية “إن البنادق الأمريكية باهظة الثمن وسيتم تعقبك بعد ذلك”. في سوق آخر من أسواق المدينة، كان صبي صغير في السن يتعامل مع الأسلحة كخبير. وكان الرجال يمزحون ويمضغون نبتة القات، وهو مخدر شائع الاستخدام، وكانت الأجواء عادية. في المقابل، لا تلبي هذه المحلات أوامر الأفراد فقط، بل يمكنها أن تزود المليشيات أيضا. وتلبي هذه السوق السوداء غير المخفية إلى حد ما، في جزء منها، الطلب على الأسلحة الأمريكية ذات التقنية العالية وتضمن إدامة دائرة العنف في اليمن.  
بعد أن كانت تعز القلب الفكري للبلاد، أصبحت الآن صندوقاً مثيراً للحرب اندلعت في خضم حرب أخرى منذ العام الماضي، عندما وجّهت الميليشيات المختلفة التي يدعمها التحالف الذي تقوده السعودية بنادقها في وجه بعضها البعض. وسط فوضى الحرب الأوسع، شق تنظيم القاعدة طريقه إلى الخطوط الأمامية في تعز سنة 2015، وشكل تحالفات مفيدة مع الميليشيات الموالية للسعودية التي قاتلت إلى جانبها. يملك أحد عناصر الميليشيات المرتبطة بالقاعدة، اللواء أبو العباس، الآن عربات مدرعة أمريكية الصنع من طراز أوشكوش، التي تفاخر بها في استعراض للقوة سنة 2015 عبر المدينة.
صنف أبو العباس إرهابياً من قبل الولايات المتحدة سنة 2017، لكن المجموعة لا تزال تتمتع بدعم التحالف السعودي ودمجت في اللواء 35 من الجيش اليمني الذي تدعمه قوات التحالف. وفي هذا الصدد، أخبرت الشركة قناة سي أن أن بأن “شركة أوشكوش تتبع بشكل صارم جميع القوانين واللوائح الأمريكية المتعلقة بمراقبة التصدير”.
في الحقيقة، هناك أنواع مميتة من الأسلحة التي وصلت إلى المدينة. ففي أكتوبر/ تشرين الأول من سنة 2015، تباهت القوات العسكرية الموالية للحكومة في وسائل الإعلام المدعومة من قبل السعودية والإمارات بإطاحة السعوديين لصواريخ تاو المضادة للدبابات أمريكية الصنع على نفس الخط الأمامي الذي كان ينشط به تنظيم القاعدة في ذلك الوقت. وأكد المسؤولون المحليون أن عملية الإسقاط الجوي قد حدثت بالفعل، لكن، حظرت محاولات شبكة سي إن إن لإجراء مقابلات أخرى، وتم ترهيب الفريق من قبل الحكومة المحلية. وقال أحد الناشطين المحليين مازحا إنه “ربما تم بيع الأسلحة”.
مقبرة المعدات العسكرية الأمريكية
على اعتبارها مقبرة للعتاد العسكري الأمريكي الصنع بالقرب من ميناء الحديدة الذي يمثل بؤرة توتر، من الواضح أن “ألوية العمالقة”، الذي يعد ميليشيا ذو توجه سلفي على الأغلب، أو سنية متطرفة، يعد فصيلا محظوظا. يوجد هناك ما يقرب عن ست مركبات مدرعة مضادة للكمائن والألغام، تصطف جنبا إلى جنب، ويظهر على معظمها ملصقات تحمل شارة ألوية العمالقة. ومن المثير للدهشة أن إحداها تحمل ملصق تصدير يظهر أنه تم إرسالها من بومونت، تكساس إلى أبو ظبي، في الإمارات العربية المتحدة، قبل أن ينتهي بها المطاف في أيدي هذه الميليشيا.
في الواقع، صنعت المركبات المدرعة الصالحة لكل الطرق، حتى تقاوم نيران الأسلحة الباليستية، وتفجيرات الألغام، والعبوات الناسفة. وقد ورد في موقع نافيستار على الإنترنت، أنها “تعد المركبة التي قد يرغب في امتلاكها أي طاقم عندما يكون على أرض المعركة”. والجدير بالذكر أن الشركة رفضت التعليق على هذا التقرير.
تلتزم الجهات التي تحصل على الأسلحة الأمريكية قانونيا بمتطلبات الاستخدام النهائي التي تحظر نقل أي معدات لأطراف ثالثة دون إذن مسبق من حكومة الولايات المتحدة. ولكن في مثل هذه الحالة لم يقع الحصول على تفويض. من جهته، لم يستجب التحالف بقيادة السعودية للطلبات المتعددة للتعليق على هذه المسألة في حين نفى مسؤول كبير في الإمارات العربية المتحدة هذه الاتهامات، قائلا: “بشكل قاطع، نحن لم ننتهك اتفاقيات ترخيص المستخدم النهائي بأي شكل من الأشكال”. وقال المسؤول لموقع سي أن أن، إن “لواء العمالقة” جزء من القوات اليمنية، مضيفًا أن المجموعة كانت تحت الإشراف المباشر لدولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي فإن المعدات كانت تحت “الحيازة الجماعية” للتحالف.
عندما سُئلت وزارة الدفاع الأمريكية تحديداً عن “ألوية العمالقة”، قالت إنها لم تعط السعودية أو الإمارات الإذن بتسليم الأسلحة الأمريكية إلى فصائل أخرى على الأرض. وفي هذا الصدد، أفاد المتحدث باسم البنتاغون، جوني مايكل لشبكة سي إن أن، بأن “الولايات المتحدة لم تأذن للمملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة بإعادة تحويل أي معدات لصالح الجماعات داخل اليمن”. كما أضاف مايكل، أن “الإدارة الأمريكية لا تستطيع التعليق على أي تحقيقات جارية بشأن مزاعم انتهاكات الاستخدام النهائي لمعدات وخدمات الدفاع التي سلمناها لحلفائنا وشركائنا”.
إيران “تُقيم التقنية العسكرية الأمريكية عن كثب”
نظرًا لأن غالبية الوفيات في صفوف القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق كانت نتيجة عبوات ناسفة، كان من المهم للغاية ألا يطلع العدو على نقاط الضعف التي تعاني منها المركبات المدرعة المضادة للكمائن والألغام. ولكن على ما يبدو قد فات الأوان على ذلك. ففي أيلول / سبتمبر 2017، بثت قناة تلفزيونية يديرها الحوثيون صوراً لمحمد علي الحوثي، زعيم المتمردين بحكم الأمر الواقع، وهو يجلس بفخر خلف مقود مركبة مدرعة مضادة للكمائن والألغام من صنع الولايات المتحدة، تم الاستيلاء عليها في العاصمة صنعاء، في الوقت الذي كان فيه حشد يردد في الخلفية: “الموت لأمريكا”.
حصلت السي إن أن على صورة تظهر الأرقام التسلسلية لمركبة مدرعة مضادة للكمائن والألغام ثانية وقعت في قبضة مسؤول حوثي كبير آخر السنة الماضية في الحديدة. كانت المركبة جزءا من مبيعات بقيمة 2.5 مليار دولار موجهة لصالح الإمارات العربية المتحدة سنة 2014. وتؤكد وثيقة البيع، التي اطلعت عليها سي إن إن، أنه “تم التأكد من أن الدولة المتلقية لهذه المركبة يمكنها توفير نفس درجة الحماية لهذه التكنولوجيا الحساسة” تماما مثل الولايات المتحدة.
وقع فحص مركبات مدرعة مضادة للكمائن والألغام مثل هذه، تم الاستيلاء عليها في ساحة المعركة، من قبل المخابرات الإيرانية، وذلك وفقا لأحد العناصر ضمن وحدة سرية حوثية مدعومة من قبل إيران، والمعروفة باسم قوة الأمن الوقائي. وتشرف الوحدة على نقل التكنولوجيا العسكرية من وإلى طهران. وكشف المقاتل في هذه الوحدة، الذي تحدث إلى شبكة سي إن إن دون الكشف عن هويته خشية على سلامته، أن المستشارين الإيرانيين وحزب الله قد وضعوا أيديهم بالفعل على مثل هذه المركبات المدرعة وغيرها من المعدات العسكرية الأمريكية. وقال المصدر ذاته في مقابلة صوتية من صنعاء، إن “المخابرات الايرانية تعمل على تقييم التكنولوجيا العسكرية الامريكية عن كثب. ليس هناك سلاح أمريكي واحد لم يحاولوا معرفة تفاصيله، مما صنع، وكيف يعمل”.
في الوقت الراهن، يتم إنتاج العبوات الناسفة بكميات كبيرة في اليمن من قبل قوات الحوثي على نطاق لم يحققه سابقا إلا تنظيم الدولة، وذلك وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة أبحاث التسليح. وتعقب المجموعة الأسلحة وسلاسل التوريد الخاصة بها في مناطق النزاع، وقد وجدت عبوات ناسفة تحتوي على مكونات إيرانية الصنع في اليمن. وفي هذا الشأن، أكد حيرام الأسد، عضو المجلس السياسي للحوثي، لسي إن إن، أن مركبات مدرعة مضادة للكمائن والألغام ما تزال في أيدي الحوثيين، لكنه نفى وجود قوة الأمن الوقائي. والجدير بالذكر أن إيران لم تستجب لطلب سي إن إن للتعليق.
التكلفة البشرية للصراع
يغذي سيل الأسلحة الأمريكية الصراع اليمني الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، من بينهم أطفال في حافلات مدرسية وعائلات كانت بصدد الفرار من العنف. كما جعلت الحرب ملايين المواطنين الآخرين على حافة المجاعة. فعلى سبيل المثال، تعاني رحاب البالغة من العمر سنتين من سوء التغذية الحاد لدرجة أن صدرها أصبح بشكل حفرة وسط جسمها الصغير.
هناك ما يقدر بنحو 200 حالة سوء تغذية مثل وضعية رحاب في مديرية التحيتا، وهي منطقة تتموقع في الخط الأمامي للمعارك، محاطة بالمدفعيات وقذائف الهاون على ساحل البحر الأحمر بالقرب من الحديدة. قبل بضعة أشهر، تم إغلاق العيادة المحلية بسبب الخلافات السياسية حول التمويل. لكن الدكتورة فاطمة إبراهيم لم تستسلم، حيث تزور جميع المنازل كل أسبوع، وبمجرد دخولها الشارع، يتدفق الآباء القلقون لعرض أطفالهم عليها. وصاح أحد الآباء عندما شاهد الطبيبة قادمة “انظري، انظري”، مشيرا لابنته التي تبلغ من العمر 14 شهرا رولا، التي تبدو كما لو أنها هيكل عظمي. فحصتها إبراهيم بلطف، ولكن سرعان ما حان الوقت لتنتقل لمعاينة طفل آخر.
عموما، يعد الانضمام لفصيل عسكري بالنسبة للشباب من الوسائل القليلة المتاحة لإيجاد فرصة عمل في بلد فقير ذي بنية تحتية مدمرة واقتصاد لا يكاد يعمل. وفي الوقت نفسه، تمكنت العديد من الشخصيات السياسية القوية والجهات الفاعلة المسلحة الرئيسية في المنطقة من تحقيق قدر كبير من الكسب المادي بفضل الصراع. ونتيجة لذلك، تفتقر هذه الأطراف إلى الحافز للموافقة على عملية سلام من شأنها أن تهدد مكاسبها المالية.
تعتبر الولايات المتحدة أكبر مزود للأسلحة لصالح كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في حين يعتبر دعمها لهذه الدول عاملا حاسما في إطار حرب التحالف المستمرة بقيادة السعودية في اليمن. في الأثناء، يحاول المشرعون الأمريكيون تمرير قرار ينهي دعم إدارة ترامب للتحالف. لكن هناك مؤشرات قليلة على أن البيت الأبيض على استعداد للاستماع لرأي المشرعين، على الرغم من الأدلة تحيل إلى أن ممارسات أحد الحلفاء الرئيسين للولايات المتحدة قد تجعل الأمريكيين أقل أمناً.  
في أعقاب عملية اغتيال جمال خاشقجي السنة الماضية، شدد ترامب على أنه سيكون من الحماقة أن تلغي الولايات المتحدة صفقات الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مع السعوديين. وفي هذا الصدد، صرح ترامب، قائلا: “لا أريد أن أفقد كل هذا الاستثمار الذي سيحقق دخلا لبلادنا”.

 

(نون بوست)

You might also like