حتى لا يعيدَ الجنرال الهولندي نفسه
عبدالله هاشم السياني
هناك حادثةٌ معاصِرةٌ حدثت في البوسنة والهرسك لا زال البوسنيون إلى اليوم يعيشون ذِكراها، وقد وضعوا لها مشاهدَ تذكاريةً حتى لا تُمحى من الذاكرة الوطنية وتتناساها الأجيالُ فيما بعدُ ويزورونها كُــلَّ عام، في مشهد شعبي مؤثر.
ولعلَّ الجميعَ يذكُرُ حادثةَ الجنرال الهولندي وقُــوَّاته الهولندية التي جاءت إلى البوسنة كقُــوَّاتٍ تابعةٍ للأمم المتحدة، مهمَّتُها حمايةُ المدنيين من البوسنة وفصلُهم عن القُــوَّات الصربية، وحينها طلب الجنرالُ الهولندي من البوسنيين المسلمين تسليمَ أسلحتهم التي حصلوا عليها لحماية أنفسهم من مجازر الصرب بعد أن دفعوا في قيمتها دمَ قلوبهم (كما يقولُ أهل مصر) وباعوا كُــلّ ما يملكون ويدّخرون في سبيل الحصول عليها؛ لكي يحموا أنفسَهم وأولادَهم من القتل ونساءَهم من الاغتصاب، لكن الجنرال الهولندي والقُــوَّاتِ التابعةَ للأمَم المتحدة حاولت بكل الوسائل وتقدمت بكل الضمانات إلى البوسنة في سبيل إقناعهم بتسليم أسلحتهم كخطوةٍ لا بد منها من أجل إحلال السلام وإنقاذهم من التصفيات العِرقية والمذابح الجماعية التي يقومُ بها الصربُ.
وللأسف أهالي البوسنة وافقوا على مقترح الجنرال الهولندي وسلّموا كُــلَّ أسلحتهم، وفي ليلةٍ سوداءَ اقتحم الصربُ القرى البوسنية (الذين لم يعد لديهم بندقيةٌ واحدةٌ يدافعون بها عن أنفسهم)، وقاموا بقتل الآلاف من الرجال والأطفال واغتصبوا الآلافَ من النساء، في مذبحةٍ تُعَدُّ من أعظم المذابح البشرية وجرائم العصر، وقد استنجدَ البوسنيون بالجنرال الهولندي وبقُــوَّات الأمم المتحدة التي كانت معسكراتُهم قريبةً جداً من قرى البوسنة وكان قُرْبُها أحدَ الأسباب والضمانات التي اعتمد أهالي هذه القرى عليها عندما سلّموا أسلحتَهم، ولكن الجنرالَ وقُــوَّاتِ الأمم المتحدة لم تسمعْ نداءَ نساء البوسنة التي يتم اغتصابُهن ولا نداءَ رجالها الذين يستغيثون بها وهم يُذبحون ولا صرخات أطفالهم وتركوهم للصرب ليسجِّلَ التأريخُ أَكْبَــرَ الجرائم ضد الإنْسَانية في هذا العصر.