لماذا نحتفل بالذكرى السنوية للشهيد؟!!
الشيخ محمد محمد عايض
يتساءل سائلٌ لماذا نحتفل بالذكرى السنوية للشهيد؟! وهل نحن بذلك نوصلُ رسالةَ وغايةَ الشهادة في سبيل الله، وفي سبيل الأوطان أم لا؟! فإذا كانت الأمم سواءً في الشرق أَوْ الغرب تحتفل وتُكرم شهدائها وتقيم لها المواكب الاستعراضية، وتتنافس فيما بينها على عمل النُّصب التذكارية بتضحياتك أولئك الشهداء، وتعزف لهم الأناشيد الوطنية والمقطوعات الموسيقية… إلخ، فلماذا لا نحتفل نحن بالشهيد وهو يقاتل من أجل الدين والوطن والعرض ونحتفل بتضحياته؟!! وإذا كان هناك لم يفهم أَوْ يتفهم رسالة الشهيد والغاية الكُبرى التي ضحى بروحه من أجل إيصال ومن أجل إعلاء كلمة الحَـقّ المُبين.. هنا سنسرد له بعضاً مما حبا الله الشهيد به من صفاتٍ وامتيازات وعلوٍّ في الدنيا وفوزٍ في الآخرة.
فالشهيد، رفيق الأنبياء في الجنة، وصاحب الروح الطَّاهرة التي ضحت بنفسها لأجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، والشهادة شرفٌ لا يناله إلا من تـمكَّن الإيْمَانُ في قلبه، وجعل حب الله تعالى هو الحب الأول والأخير بالنسبة له، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى للشهيد كرامات عدة، أولها أنه الله يغفر ذنوبه جميعاً بأول دفقةٍ من دمه، كما يُرى منزلته العظيمة التي أعدها الله سبحانه وتعالى له في الجنة، ويشفع لسبعين من أقرابه، فيا له من شرفٍ ليس بعده شرف، خصَّ الله به الشهيد دون الجميع؛ لأَنَّ التجارة مع الله سبحانه وتعالى هي دائماً تجارة رابحة وبل تجارةً لن تبور أبدا.
الشهيدُ لا يـموتُ أبداً، بل هو حيٌّ يُرزق عند ربه، يتنعم في نعيم الجنة المقيم، ويفرح بـما أعدَّ الله تعالى له، حيث يقول جلَّ وعلا في محكم كتابه: “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، فمن يخرج مُضحياً بنفسه وماله وحياته يستحق هذه المكانة بأمرٍ من الله تعالى، فلولا تضحية الشهيد لضاعت الأوطان، ولسُلبت الثروات، واستبيحت المحارم، وانتهكت الأعراض، فالشهيد هو الدرع الحصين الذي نصّب نفسَه لصون العِرض والقضاء على الظلم وإخماد نار الفتن وهو ملاذ الخائفين ورئة الوطن ورأس ماله، فالأوطان بلا شهداء مضحين بحياتهم تسقط ولا تصمد أبداً.
والشهيدُ هو النورُ الذي تستضيءُ به الأمّة، وهو المنارةُ التي يهتدي بها الشعب والوطن، وهو الدرع الحامي الذي لم يبخل بروحه ودمه للدفاع عن وطنه وكلمة الحقّ؛ فالشهيد هو أكرم الناس وأعلاهم قدرًا، وقدره محفوظٌ في جنّة الفردوس التي أعدّها الله للأنبياء والشهداء، فجعل أجر الشهادة عظيمًا.. ويفرح الشهيد بذلك الفضل الكبير الذي يـمنحه الله إيّاه، ويتمنى لو أنّ جميعَ أحبّته وأصدقائه من بعده أن يلحقوا به شهداء؛ لأَنَّ أغلى ما يملكه الإنسان هو الروح، والشهيد قدّم روحه رخيصةً في سبيل إعلاء كلمة الحَـقّ، كما أنّ الشهيد الذي خسر روحه أحيا بالمقابل أرواحًا كثيرة كانت ستذهب ظلمًا لولا أنّه افتداها بنفسه، وهذا يدلّ على نقاء سريرة الشهيد وسموّ غايته وهدفه، وصفاء نيّته، فالشهيد دماؤه زكيّة طاهرة، تسمو روحه إلى العلياء وهو ضاحك مستبشر بما أتاه الله تعالى؛ لأَنَّه نال مكانة عالية في الجنّة، وفي هذا يقول الرسول – عليه الصلاة والسلام –: (ما مِن عبدٍ يـموتُ لَهُ عندَ اللَّهِ خيرٌ يحبُّ أن يرجِعَ إلى الدُّنيا، وأنَّ لَهُ الدُّنيا وما فيها، إلاَّ الشَّهيدُ، لما يَرى من فضلِ الشَّهادةِ، فإنَّهُ يُحبُّ أن يرجعَ إلى الدُّنيا، فيُقتلَ مرَّةً أُخْــرَى)، وهذا يدلّ على عظم أجر الشهيد، والمكانة العالية التي أنزله الله بها.
إن مرتبة الشهيد عند الله كبيرة، فقد أعد الله للشهيد في سبيله جنة ومرتبة مع الأنبياء والصديقين؛ لأَنَّه بذل أنفسه في سبيل الله، والشهيد نجمةٌ في الليل ترشد من تاه عن الطريق، وتبقى الكلمات تحاول أن تصفه ولكن هيهات، لن توفيه حقه، لن توفيه جزءاً من حقه.
وفي الأخير علينا أن نستذكر كُلّ شهيد في هذا الوطن كذكرى أيّام ولاداتهم واستشهادهم، وأن لا ننسى بأن الذين قتلوهم لم يكن هدفهم سوى أن يـمحوا آثارهم من هذه الدنيا، وبسكوتنا وخضوعنا نحن سنحقّق أهدافهم، وإذا قمنا بذلك فإننا نحن نظلم شهدائنا مرةً أُخْــرَى؛ فهم ظلموا وقتلوا ونحن نأتي لنظلمهم ثانيةً فنغطّي آثارهم، وندفن أفكارهم كما دُفنت أجسادهم ظلماً وعدواناً.. أهذا جزاءُ الشهيد بالله عليكم؟!!! ولكننا –إن شاء الله– نأمُلُ بأن شعبنا اليمني سيبقى دائماً وفياً لهؤلاء الأبطال، وأن يبقى على العهد، وفي نفس الطريق سائر.
فإذا كان الشهيد هو رمز الإيثار، فنحن يجب أن نكون رموز الوفاء، وقدوة النضال، وشمعة التنوير والتثقيف بدور أولئك الأبطال الذين ذادوا عن وطننا اليمني والذي يتعرض لأسوء عدوانٍ، وأقذر حصارٍ، وأهمج هجمةً تفتك بالأخضر واليابس، طال شرارها إلى الشجر والحجر، إلى المصنع والمنزل، إلى المدرسة والمستشفى، إلى بيوت الله، إلى المقابر والمعالم والمواقع الأثرية والتأريخية.. إلى كُلّ شيءٍ في حياتنا.. حاربونا في اقتصادنا، في لقمة عيشنا، حاربونا في المواقف الدولية، وخانوا وكالوا لنا التهم، وحاولوا إلصاق الصفات القبيحة التي في نهجهم، في ديدنهم، وفي حياتهم.. ولكن لن نخضع ولن نستكين.. ونحن على درب الشهداء سائرون، وعلى نهجهم مواصلون.. وهنا تأتي الإجابة على التساؤلات السابقة..