الشعوب المخدوعة وحكامها العملاء
عفاف محمد
الجميلُ في مناهجنا الدراسية أنها غرست فينا حب الانتماءِ للوطن. وكذلك عرفتنا أهميّة اتحاد العرب تحت راية واحدة وكلمة واحدة، وأن في ذلك سر القوة والتماسك أمام أطماع الغرب التي تباغتنا في كُــلّ عصر وأوان.
وكنا نعي أنه رغم الأسيجة المفروضة والمسافات البعيدة بين الشعوب العربية إلا أننا نسيج واحد وكيان واحد يصعب تمزيقه..
وكم كانت قضية فلسطين قريبة من قلوبنا وكنا نتابع أدق تفاصيلها. وكنا أيضاً نعتبرها قضية مركزية وحلماً يراود كُــلّ حر شريف وطموح متنامي لتحريرها من أيادي الصهيونية.
من الملاحظ أن تلك القومية وحب الانتماء والاعتزاز بالهُوية ذابت في طيات التطور التكنولوجي والتغريب الفكري الذي جاءنا بطرق ملتوية وغير مباشرة، وهذا ما يسمى اليوم بـ “الحرب الناعمة”. وذلك جعلنا تدريجياً ننسى حلم تحرير فلسطين وننذهل بالحضارة الغربية والفلسفة اليونانية والاغريقية وغيرها وننسى ونتجاهل عراقة تأريخنا ومجد حضارتنا العربية ونفقد الاعتزاز والاعتداد بهويتنا ونلهث وراء تقليد الغرب..
اتذكر تلك الافكار التي غرست فينا عن شهامة أهل الأردن وعن طيبة أهل السودان وشجاعة أهل مصر وثوريتهم.
وأما اليوم فنصدم بمواقفهم، واذكر ذات يوم مررت بموقف شخصي فسرته بالغرابة وطبع في ذاكرتي منذ الصغر واليوم عرفت تفسيره… كنا ذات يوم في زيارة للأردن الشقيق وحدث أن زرنا العقبة وفي فندق فخم. تفاجأت به مليئاً “بالإسرائيليين” وكانوا يعاملونهم باحترام وتودد. ومع أننا كنا نحمل جوازَ سفر دبلوماسياً فلم نحظَ بمثل ذاك الاهتمام. انذهلت ولسان حالي يقول لماذا لا يطردونهم ولماذا يتوددون لهم! “فإسرائيل” كيان غاصب ويسلب حقوق إخواننا الفلسطينيين!!
واليوم فقط بعد العدوان عرفت سبب تلك الحيرة التي أسرتها في نفسي.. وعرفت أن التملق للمدللة الصهيونية لم يكن حديث العهد بل أن أولئك الحكام تربطهم بهم علاقات من تحت الطاولة واليوم أزيح الستار عنها.
فالحكام الذين خذلونا اليوم.. وجعلوا من شعوبهم تنقاد لأهوائهم إما تحت ضغوط وإما خداع وزيف وعناوين مبطنة جعلتهم يصدقون أننا متمردون ونستحق تلك الوحشية التي سكبوها على أرض الحكمة والإيمان.
فموقف الأسير السوداني يبين شقين.. فالبشر مفطورون على حب المال ولكن الأنفس الضعيفة تنقاد للإغراءات المادية وتنساق لما ينصلها من مبادئها لأجل الحصول على المال بأية طريقة كانت. وهذا ما حدث مع الجنود المرتزِقة السودانيين.
وأما الشق الآخر وهو ما تحدث عنه الجندي السوداني بأنهم مخدوعون..
فتلك الإملاءات من قيادتهم أوهمتهم أنهم ذاهبون للدفاع عن اليمن وأهله وحماية الكعبة..!
والشعب السوداني كما عهدناه معروف بالطيبة لكنه للأسف انقاد لتلك الترسانة الإعلامية الدجالة ولتلك القيادة العميلة التي لا تهتم حتى بأبناء جلدتها وتقترف بحقهم كُــلّ ما هو مشين.. فهل ستكون حريصة على غير بني جلدتها..؟!
يتضح جلياً أن كثيراً من الشعوب مخدوعة في حرب التحالف ضد أهل الحكمة والإيمان ومنها الشعب المصري وغيره من الشعوب الحرة..
ولربما بعدما تكشف الوجه القبيح لمملكة بني سعود وممارساتها التعسفية ضد كُــلّ من حولها بغية إسكات صوت الحق؛ جعل الكثير من الشعوب تطيل النظر أكثر في مظلوميتنا وتستقصي الحقائق وتلابيبها..
فالشعوب الحرة اليوم بدأت تضج من حكامها وعمالتهم المفضوحة وقتلهم الأبرياء تحت عناوين زائفة.. ومع مرور الوقت ستجدون أن الله يمهل الطغاة ولن يهملهم من عقابه وهذا هو الحال الجاري.. ولله عاقبة الأمور.