الخروجُ من متاهات الصراع.. فلسطين هي البوصلة
زياد منى*
إزاءَ إصرار بعض الكُتَّاب وأصحاب المواقع في الإنترنت العرب على نحو عام، والفلسطينيين على نحو خاص، على منح قضية الصحافي جمال خاشقجي المغدور موقعَ صدارة يتقدم حتى على القضايا المصيرية في فلسطين واليمن وليبيا وغيرها، فإننا لا بد من التعبير عن ازدياد قناعاتنا بأن الهدف ليس الدفاع عن قضية وشخص قتلته أيادي نظام آل سعود، وإنما خدمة لمعسكر «الإخونجية» (قطر وتركيا). معسكر مرتبط مع الدولة العميقة في واشنطن، ومنها «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي أي أي) وأدواتها التضليلية مثل صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» وقناة «سي أن أن» وغيرها.
بعضُ أبواق معسكر «الإخونجية» والتابعون لهم، بفضل الغازو ـــ دولار، يودّون لو أن متابعيهم اقتنعوا بأن هدف الحملة على محمد بن سلمان ومحمد بن زايد تحديداً هو فضحهم، وخدمة لقضية العدالة. في الوقت الذي نقول فيه إن مطاردة المجرمِين وإحضارهم أمام القانون مطلب بديهي، وهذا ينطبق أيضاً على جريمة الصحافي «السعودي» المغدور، فإن التغطية التضليلية المعطاة لها تجاوزت المعايير الصحافية المهنية كافة.
لا نقلل فظاعة الجريمة، لكننا نقول: لا بد من أن نشكِّكَ في أهدافِ التمسُّك بهذه القضية على حساب قضايانا الكبرى. بل إننا على قناعة بأن أحد أهداف هذه الأولوية التغطية على تطبيع محميات الخليج الفارسي في مسقط والمنامة والدوحة والرياض ونظام «الإخونجية» في الخرطوم ونظام أمير المؤمنين (!) في المغرب وشقيقه التونسي (النهضوي جداً) مع العدو الصهيوني وغيرهم.
على المتاجرين بقضية خاشقجي من الصنف الذي أشرنا إليهم، الإفصاح على نحو كامل عن ارتباطهم الفكري و«الغازي» بمعسكر «الإخونجية» ما داموا يرفعون شعارات الحقيقة والأمانة، وما إلى ذلك من مصطلحات اللغو المعهودة. لمن يتخفى وراء قضية المغدور خاشقجي نضع بين أيديهم النص التالي عن قضية الباحث والصحافي الإيطالي جوليو ريجيني الذي اختفت آثاره في قسم للشرطة في الإسكندرية في مصر، في الثالث من شباط/ فبراير 2016. ثمة تقرير منشور عن الجريمة المروعة يقول الآتي: «في 3 شباط 2016، عُثر على جثة جوليو ريجيني على مشارف القاهرة في مصرف بجانب طريق القاهرة ـــــ الإسكندرية السريع (المعروف بالطريق الصحراوي)، وكانت جثته مشوهة وقد ظهرت على جسده آثار تعذيب شديد مروع: كدمات وسحجات في جميع أنحاء الجسم نتجت من ضرب مبرح ووحشي، ورضوض ممتدة نتجت من ركلات ولكمات واعتداءات باستخدام عصا، وقد اقتلعت أظفار يديه وأقدامه، كما وجد في جسده أكثر من عشرين كسراً في العظام بينها سبعة في أضلاع الصدر، وكانت كُـلّ أصابعه مكسورة وكذلك لوحا كتفيه، وظهر على الجثة أيضاً طعنات متعددة في أنحاء الجسد وحتى في أخمص القدمين، كما ظهر على الجسم كله العديد من القطوع والجروح نتجت من آلة حادة يشتبه في أن تكون موس حلاقة، كما كانت آذانه وأنفه مشوهين، وظهرت آثار حرق بالسجائر شملت الجسم كله، وعلامات صعق كهربائي على أعضائه التناسلية، وحدوث نزيف في الدماغ وكسر أَوْ التواء في فقرات العنق تسبب أخيراً في الموت. تشتبه الحكومة الإيطالية في ضلوع الأجهزة الأمنية في حكومة عبد الفتاح السيسي وتورطها في مقتل ريجيني؛ بسببِ أنشطته البحثية وميوله السياسية اليسارية… وقد أجرى مسؤولون إيطاليون ومصريون تحقيقات تشريحية منفصلة في أسباب وفاة ريجيني مع طبيب شرعي رسمي مصري يقول إنه تقرر في يوم 1 آذار 2016 استجواب وتعذيب ريجيني لمدة تصل إلى سبعة أيام وعلى فترات من 10 ـــ 14 ساعة قبل أن يقتل في نهاية المطاف».
حكومات دول الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»، وإيطاليا من الأعضاء فيهما، لم تكترث بالجريمة ولم تتضامن مع روما التي سحبت سفيرها من القاهرة لفترة نحو سنة ونصف السنة، خدمة للعدو الصهيوني، ذلك أن نظام العسكر في مصر يعد من أهم حلفائه في المنطقة. ألم يكن يجدر بالمطبلين والمزمرين لقضية خاشقجي تبني هذه القضية أيضاً إن كانوا صادقي النية كما يدعون! ثم أليس من الأجدى وضع قضية الصحافي المغدور ضمن الإطار الأوسع للسياسات المتصهينة لابن زايد وابن سلمان وغيرهما من زعامات الأعراب «الأشد كفراً ونفاقاً»! أليس من الأجدر فضح أهداف «إخونجية» الدوحة ووهابيها وحلفائها الأعراب والعرب وغير العرب وأدوارهم التخريبية في العالم عامة، وديار العرب على نحو التخصيص.
هذا التعامي المقصود لا ينطلي على أحد، وهذا يأخذنا إلى قضية مهمة أخرى تتعلق بتنظيمات «الإخوان المسلمون» ومؤسسها حسن البناء.
وهنا نود التذكير بمجموعة من الحقائق المتعلقة بعلاقة تنظيم «الإخونجية» مع العدو الصهيوني. فعلى سبيل المثال، تركيا العلمانية الأتاتوركية لم تعترف بحكومة العدو الصهيوني، والاعتراف بها تم على يد حكومة «الإخونجية» برئاسة عدنان مندريس وجلال بيار. «حزب النهضة» (نهضة على الطريقة الإنكليزية) يرفض وحلفاؤه دسترة منع التطبيع مع العدو الصهيوني ومارس سراً وعلانية أقذر الأدوار في تمويل تدريب الإرهابيين القتلة وإرسالهم إلى سوريا والعراق وليبيا، تماماً مثل حزب «العدالة والتنمية»، وهو شقيقه «الإخونجي» في ديار «أمير المؤمنين» في المغرب الأقصى، السباق للتطبيع مع تل أبيب منذ ستينيات القرن الماضي.
وها هو نظامُ الدكتاتور المتخلف «الإخونجي» في الخرطوم يستعد للتطبيع مع العدو الصهيوني، بعدما أنهك السودان فكرياً واقتصادياً وعسكرياً، وبعدما دمر بلادها وقادها إلى التقسيم والتشرذم وقضى على الفكر الحيوي الأصيل للشعب السوداني. ولا ننسى دور قطر «الإخونجية» السباقة في التطبيع مع العدو الصهيوني واستقبال وفوده العسكرية المتخصصة في قتل الفلسطينيين رجالاً ونساءً وأطفالاً، بكل وقاحة وصفاقة وبلا خجل. وتفتح أبوابها أمام مفتي الفتنة و«الناتو» وتل أبيب، لينشروا قذارتهم وشرعنة إبادات جماعية لفئات من العرب والمسلمين وغير المسلمين.
هذا قسمٌ يسيرٌ من تأريخ هذه الحركات المغرقة في تخلّفها ورجعيتها وعمالتها. وحتى لا نضيع في متاهات الصراعات الكثيرة المحيطة بنا، علينا، إنْ كنا صادقين في خدمة قضايانا كافة التمسّك بأن فلسطين هي بوصلتنا.
* نقلاً عن جريدة الأخبار