«الجارديان» تكشف كوارث التغلغل الإماراتي في اليمن
متابعات:
«اليمن على شفير الهاوية: كيف تستفيد الإمارات من فوضى الحرب الأهلية» باليمن.. هكذا عنونت صحيفة «الجارديان» البريطانية تقريرها الميداني حول تأثير التدخل العسكري الإماراتي على هذا البلد الفقير، كاشفة عن أوجه الاستفادة التي عادت على أبوظبي من وراء تلك الحرب.
عن أهداف أبوظبي في اليمن، تقول الصحيفة: إن شيخ قبيلة «منة البيضاء» -الواقعة على طرفي الانقسام السنّي الزيدي- ذهب قبل عامين إلى الإمارات يطلب المساعدة ضد الحوثيين، فأخبره ضابط إماراتي أن جماعة الحوثي لم تعد أولوية، وأن الدعم سيأتي لو وافق على محاربة تنظيم داعش، أو تنظيم القاعدة، أو حزب الإصلاح.
تؤكد الصحيفة أن المسؤولين الإماراتيين هم الطرف الوحيد في التحالف الذي لديه استراتيجية واضحة، «وهم يستخدمون الجيوش الخاصة التي أنشؤوها وسلّحوها ودرّبوها لسحق الجهاديين (الإرهابيين) والأحزاب الإسلامية، مثل «الإصلاح».. وعلى طول الساحل الجنوبي؛ حيث تتحالف الإمارات مع الحراك الجنوبي المعادي للحوثيين ولحكومة هادي، أقام الإماراتيون معكسرات وقواعد عسكرية، وأقاموا دولة موازية بقواتها الأمنية وغير تابعة للحكومة اليمنية».
ويشير تقرير الصحيفة إلى ما وثّقته منظمتا «أمنستي» و»هيومن رايتس ووتش» لسلسلة من السجون السرية التي تديرها جماعات وكيلة، سُجن فيها أعضاء من حزب الإصلاح والحوثيين وعُذّبوا، وحتى الناشطون الناقدون للتحالف السعودي – الإماراتي سُجنوا وعُذبوا أو اختفوا؛ منوهة إلى أنه عادة ما يشير وزراء يمنيون إلى الوجود الإماراتي بـ «القوة المحتلة».
ونقلت الصحيفة عن قائد عسكري في عدن -لم تذكر اسمه- قوله: «نأمل أن يتدخل السعوديون ليوقفوا حماقات الإماراتيين، لكنهم خسروا»، مضيفاً أن «الحرب لا تسير بحسب ما يريدونه، وهم لا يهتمون بالجنوب، ولهذا سلّموا الملف للإماراتيين».
وتقول الصحيفة إن إنشاء الإماراتيين جيوشاً خاصة في الجنوب، ودعمهم الحراك الجنوبي، وسيطرتهم على المعابر المائية في بحر العرب؛ هي عوامل تكشف عن الطريقة التي عبّرت فيها هذه الدولة الصغيرة في الخليج عن قوتها.
«مدينة مدمّرة»
وفي عدن التي سيطر عليها السلفيون، بدعم من أبوظبي، أصبح واقع المدينة -حسب الصحيفة- مختلفاً؛ «فالمدينة مدمرة، دون كهرباء ولا مياه أو صرف صحي، وحلّ محل الحوثيين عشرات غيرهم، كلّ يطلب حصته من المدينة الفقيرة المحطمة، واستطاع الأقوياء -مثل أيمن عسكر- تأمين السيطرة على المصانع والموانئ والمؤسسات التي تولد المال، وفرضوا إتاواتهم على الناس، ورضي بعض القادة بنهب المؤسسات والممتلكات العامة، خاصة إن كان أصحابها من الشمال».
وتكشف الصحيفة أنه مع مرور الوقت من الوجود الإماراتي في عدن، شكّلت أبوظبي عدداً من الجيوش المستقلة عن بعضها، كلّ لديه قواته الأمنية وسجونه وقواعده، دون قيادة مركزية، وخارج سيطرة الحكومة اليمنية، وتخضع هذه الجيوش لجنرال إماراتي يعيّن ويعزل حسب رغبته؛ مشيراً إلى أنه على خلاف قوات الحكومة المتضخمة العدد والضعيفة، فإن أفراد القوات حصلوا على رواتب منتظمة وسلاح وزي عسكري مرتب، ويسجنون ويعذّبون ويقتلون دون خوف.
وتقول «الجارديان» إنه رغم أن هدف هذه القوات كان قتال تنظيم القاعدة، فإن دورها توسّع لملاحقة كل معارض للإمارات؛ حيث نقلت عن محامية مهتمة بحقوق الإنسان قولها إن «محاربة تنظيم القاعدة كانت مبرراً لاعتقال أي شخص لا يتفق معهم، وتعذيبه وتعليقه من السقف، أو انتهاكه جنسياً. والمحزن أن الجنوبيين يعذّبون الجنوبيين بمباركة إماراتية، فيما تراقب الحكومة عاجزة».
واطلعت الصحيفة البريطانية على 5 آلاف حالة، وتقول المحامية: «لا قوة لدينا، ونطالب بزيارة السجون، ولا نحصل على جواب.. حتى لو كانوا عناصر لتنظيم القاعدة فلا يمكن تعذيبهم بهذه الطريقة، وهم يخلقون قنبلة موقوتة بهذه المجموعة من المعذّبين، ويسجنون الأبرياء مع الجهاديين، والأطفال مع الكبار في سجون مزدحمة».
وتضيف المحامية أن «الحياة في عدن أصبحت رعباً، وكانت أفضل أثناء الحرب، فلا أحد يعرف سبب احتجازه، فقد سُجن طالب جامعي كان يحب قراءة كتب التاريخ ومناقشتها مع زملائه في المقهى، وبعد جلسات تحقيق وتعذيب قال له المحقق إن من الأفضل عدم مناقشة الكتب في الأماكن العامة».
وتكشف الصحيفة عن أنه عادة ما يتم اعتقال الأشخاص للضغط على العائلات، مثل عبدالله الذي طُلب للتحقيق ليجد نفسه في قاعدة تابعة للحزام الأمني، يديرها أبو اليمامة، وبدأ المحققون بضربه للاعتراف بأن شقيقه جهادي، لكنه أنكر، قائلاً إنه حتى لا يصلي، وما لم يكن يعرفه أن شقيقه معتقل لديهم، وكانت جلسات تعذيبه مصورة؛ حيث وقّع الأخ على اعتراف مكتوب حين شاهد تعذيب شقيقه، بما في ذلك صب بلاستيك محروق عليه!
وعندما سألت الصحيفة أحد شيوخ السلفية في عدن المدعومين من الإمارات الشيخ السلفي، عن هذه المظاهر، أكد أنها مصيبة في التعامل مع تنظيم القاعدة، لكنها مشكلة عندما تتعلق بأقارب من يُعتقد أنه من تنظيم القاعدة، والتقى مع أبي اليمامة، الذي يرتبط اسمه بأسوأ حالات التعذيب، ودرّبه الإماراتيون، ونفى مزاعم التعذيب؛ لكنه قال: «ماذا تريد مني أن أفعل مع من يتجولون في الشوارع بأحزمة ناسفة.. هل تريدني أن أقدم لهم الورود وأدعوهم لزيارتي؟».
وتنقل الصحيفة عن قائد سلفي، توقّف عن القتال مع الإماراتيين، قوله: «لماذا علينا أن نرسل أفضل أبنائنا إلى الجبهة ليموتوا، وقصف المدنيين العالقين بيننا والحوثيين؛ فقط لأنهم يريدون السيطرة على الشاطئ».
وتقول الصحيفة إنه في جلسة مع ثلاثة من قادة الحركة الجنوبية الذين قاتلوا في السابق مع الإماراتيين، وحصلوا على المال والسلاح، لكنهم أصبحوا هدفاً للحزام الأمني، فإن القادة هؤلاء يتوقعون الحرب مع الإماراتيين في أي وقت؛ مشيرة إلى أن هؤلاء انضموا لحكومة هادي، وقال أحدهم عن سبب تحوّلهم عن دعم الإماراتيين، إنهم كانوا يحلمون بأن يكون الجنوب دولة مؤسسات، وحصلوا بدلاً من ذلك على دولة فوضى يسير فيها المسلحون الملثّمون في الشوارع، يعتقلون ويقتلون حسب رغبتهم، «ليس هذا هو الجنوب الذي كنت أحلم به، فإما أن يسيطر الإماراتيون على الجنوب ويعلنون عنه مستعمرة، أو يحترمون الشعب والرئيس».
وختمت «الجارديان» تقريرها قائلة: «عامان ليسا وقتاً طويلاً لبناء الدول، لكنهما فترة قصيرة لتحول الأصدقاء إلى أعداء».