الصمود اليمني وفضح تناقضات المعتدين
متابعات:
لعلها من المفارقات النادرة، ما حدث في مجلس الامن من خلاف بين حليفين مشاركين بالعدوان على اليمن ويلبسان ثوب القاضي والداعي الى وقفها، وهما امريكا وبريطانيا.
ومفارقة الخصم والحكم معتادة دوليا في نظام دولي يتخذ شكلا مستترا مهذبا قليلا لقانون الغاب، وان كانت اليمن واحداثها قد ازالت هذا الستار ومحت اثار التهذيب لتظهره بشكله الحقيقي القبيح.
لكن خلاف الحلفاء حول مشروع قرار هما في جانب واحد منه، يفتح الباب لعدة احتمالات ويحمل ايضا كثيرا من الدلالات.
ما رشح من خلال وكالات الانباء هو عدم استساغة امريكية للقرار البريطاني بسبب احتوائه على فقرات متعلقة بالأزمة الانسانية، ناهيك عن عرقلة التصويت على القرار وتأجيله لحين انتهاء التفاوض رغم انه مصاغ منذ اسابيع.
كذلك محاولات امريكا استغلال القرار بشكل سياسي لتصفية حساباتها مع إيران وتوجيه الادانة لها باعتبارها تدعم المقاومة اليمنية، وهو ما واجهته روسيا في المجلس.
قبل محاولة تحليل الخلاف نحيل فقط لما ذكرته رويترز على لسان دبلوماسي في الأمم المتحدة، طلب عدم نشر اسمه، حيث قال: “من غير المعتاد أن نرى مشاريع قرارات متماثلة ولكنها متنافسة، قدمها حلفاء بدلاً من اقتراح تعديلات على المسودات الحالية. لكن هذه أوقات غير عادية”!
ومن كلام هذا الدبلوماسي يمكن ان نبدأ تأمل التحركات والاحداث ونبدأ محاولة استكشاف الدلالات، فهي بالفعل اوقات غير عادية، يمكننا ان نرصد فيها ما يلي:
1/ القرار يدعو لوقف قتال شارك في دعمه وتوفير اسلحته وخططه ومعلوماته الاستخباراتية دولتان من مجلس الامن يمتلكان الفيتو، وهما امريكا وبريطانيا، عبر توفير الاسلحة والدعم السياسي والتقني، ويدعو لإدانة من يجلب السلاح “أيا كان” ومن المعلوم نوعية الاسلحة المشاركة!
2/ تحركات الدولتين يبدو انها تفتقد التنسيق، وهو ما يشي انهما مستفيدتان من الحرب دون وجود خطة او رؤية استراتيجية، فالحرب ورحاها تمد خزائن المجمع الصناعي العسكري الامريكي والبريطاني بما يجعل خطوط الانتاج مستمرة ومساهمة في حل بعض من الازمات الاقتصادية التي تلاحق الدولتين.
3/ بريطانيا تذكر الازمة الانسانية لمواجهة اعتراضات بريطانية حقوقية تحدثت عن عار المشاركة البريطانية داخل مجلس العموم، ولا تريد الحكومة مزيدا من الازمات، فلديها ما يكفيها من ازمات بشأن الخروج المتعثر من الاتحاد الاوربي، والذي اصبحت معه رئيسة الوزراء في مهب العواصف السياسية، بينما على الجانب الامريكي، فان الحديث عن ازمة انسانية وضحايا ابرياء سيكون فاقدا للمصداقية بعد اعلانات ترامب وبومبيو وماتيس ان حلفائهم الخليجيين يحرصون ويتدربون لعدم الحاق الاذى بالمدنيين، ناهيك عن ان جوهر انتقادات الكونجرس تتعلق بافتقاد استراتيجية وناهيك ايضا عن المزايدات الداخلية بين الفرقاء.
في حقيقة الامر، فان الصمود اليمني امام العدوان الشرس المدعوم عسكريا وماليا وسياسيا، ويعمل بأريحية دون ضغوط بفعل الصمت الدولي، قد أحرج كل هذه الاطراف ووضعهم في مأزق كبير، وابرزتناقضاتهم.
فكما أبرز التناقضات بين السعودية والامارات واخرجها على العلن وفي ميادين القتال، أبرز التناقضات بين امريكا وبريطانيا واخرجها للعلن في مجلس الامن.
هذا الصمود الشعبي والبطولي للمقاومة أحدث ايضا فرزا وطنيا مطلوبا، حيث ظهرت معادن النخب والاحزاب، بل والمواطنين عبر ارائهم المسموعة والمكتوبة بمواقع التواصل، وقام بفرز من هم بحق مع الكرامة والسيادة، ومن منهم تلوث بالعمالة، ومن ضعفت عزيمته ووهن وتشوه وعيه واستسلم لدعايات النظام الدولي الاستعماري والمتستر بالقانون والمؤسسات الدولية.
ومع ذلك لم تبخل المقاومة بالمشاركة باي فرصة لوقف العدوان، حتى لو كانت تحت ظل قانون ومنظمات معيبة لا تسمي الاشياء بمسمياتها وتحرف جوهر الصراعات.
الاوضاع على الارض لا تزال متوترة وقابلة للاشتعال بسبب ارتباط الملف اليمني بملفات اخرى اقليمية ودولية، وليس على اليمنيين من تكليف الا دعم المقاومة في الاحتفاظ ببوصلتها وهي بوصلة كل يمني حر، وإذا اقتضت الامور التفاوض والسياسة فلا ضير، وإذا اجبر المقاتلون على الحرب، فهم جاهزون لها، والشئ الوحيد الذي لا توجد له جهوزية لدى الاحرار والمقاومين…هو التفريط.
(إيهاب شوقي – كاتب مصري)