محادثات السويد: البحثُ عن ’خروج مشرّف’ من اليمن
حمزة الخنسا
أعلن التحالُفُ العسكري الذي تقودُه السعوديّة في اليمن، الخميس 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، وقف الحملة العسكرية في الحديدة، وأصدر تعليمات إلى قواته على الأرض بوقف القتال. أمس الاثنين، 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، قال المتحدث باسم التحالف، العقيد السعوديّ تركي المالكي، إن العمليات العسكرية مستمرة في الحديدة. استمرار العمليات لـ “تحرير الحديدة”، وضعه المالكي في إطار دعم ما تسميه الرياض “الجيش الوطني”، الذي يقول جنوبيون إنه مكوّن من العشرات من شباب الجنوب الذين يعودون جثثاً متفحّمة من الساحل الغربي.
التخبُّطُ السعوديُّ على المستوى العملاني على الأرض، لا ينعكسُ فقط على الأداء الإعلامي الساعي إلى تجميل صورة الهزيمة في الحديدة. الأداء السياسيّ للسعوديّة وفريقها اليمني، ربطاً بالمحادثات الجاري التحضير لها في السويد، هو أيضاً محل تخبّط وارتباك.
معركة السعوديّة والإمارات الأخيرة في الحديدة، والتي وضعت لها واشنطن سقفاً زمنياً ينتهي بنهاية الشهر الجاري، مثّلت آخر المحاولات في إطار تحقيق نصر يُعتد به، تذهب بموجبه الرياض وأبو ظبي إلى المفاوضات بوضع أَكْثَــر أريحية، يمكنهما من فرض شروط أَكْثَــر..؛ لذا، فقد حشد التحالف لهذه المعركة قوة بشرية مكوّنة من 20 ألف مقاتل مجهّز بكامل العتاد الحربي اللازم لظروف المعركة، وبإسناد جوي إماراتي ـ سعوديّ كثيف.
التوقف المفاجئ للعمليات الذي أعلن عنه التحالف، تقرأه مصادر يمنية مواكبة، كدليل على أن معركة “الفرصة الأخيرة” لانتزاع مكاسب استراتيجية في الساحل الغربي، وعزل “أنصار الله” في الداخل اليمني، قد باءت بفشل ذريع. على متن هذا الفشل، ستجد السعوديّة نفسها، ومَن معها، مضطّرة للذهاب إلى السويد.
في المقلب الآخر، وعلى الرغم من أن عملية الحديدة توقفت، من دون أن تتوقف الحرب على كامل الجغرافيا اليمنية، إلا أن حركة “أنصار الله” وجدت نفسها معنية بتقديم مبادرة “حُسن نيّة”، تذهب بها إلى السويد هي الأُخْــرَى. أعلنت الحركة وقف إطلاق الصواريخ الباليستية وتسيير الطائرات من دون طيّار إلى الدول المشاركة في المعركة ضد اليمن. وبذلك، سحبت ذرائع إطالة أمد الحرب من بين يدي السعوديّة، وثبّتت المعادلات العسكرية كما السياسيّة المرتبطة بالمعركة الأخيرة.
سعوديّاً، لم تتمكن الرياض بعد من استيعاب الشكل الذي تمّ فيه الأمر. ترافق وقف معركة الحديدة مع ضغوط هائلة يتعرّض لها ولي عهدها ربطاً بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي. في ظل صعوبة بالغة يعانيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مواصلة فرد غطائه على ولي العهد الذي صار يُستقبل بمظاهرات الاستنكار في الدول العربية والإسلامية.
إلا أن الرياض لا تزال تعوّل على معطى تعتبره بمثابة “ورقة رابحة” قد تخفّف كثيراً من وطأة هزيمتها في اليمن. منذ انطلاق “عاصفة الحزم” ضد اليمن، تقول الرياض إنها تخوض حرباً ضد إيران. وكذلك تفعل الولايات المتحدة لتعليل دعمها المفتوح للسعوديّة في اليمن. “ضرورة هزيمة أنصار الله عسكرياً لحرمان إيران موطئ قدم على البحر الأحمر”، ورقة ابن سلمان القوية التي يأمل أن تضمن له “خروجاً مشرّفاً من اليمن”.
بالتوازي، تحتاج إدارة ترامب للوقت المستقطع الحالي الذي يوفّره وقف العمليات العسكرية في الجديدة، وبدء التحضير لجولة المفاوضات. الأميركيون الذين يجرّون ذيول الفشل من العراق إلى سوريا مروراً بالمعركة الأخيرة المنتصرة للمقاومة في غزة، يعتبرون ما سلف مؤشرات تحتّم عليهم إعادة ترتيب أوراقهم. أخذ نفس عميق أمر ضروري إلى حين أن يتلمّس ابن سلمان طريقه من جديد، بعد عاصفة خاشجقي، وفصول حرب اليمن التي تكلّفه بحسب مؤسسة “بروكينجز”، ما لا يقل عن 50 مليار دولار سنوياً.
المآخذُ التي وضعتها حكومةُ هادي من الرياض، على المبادرة البريطانية الأخيرة، وعلى جولة المبعوث الأممي مارتن غريفيث في صنعاء والحديدة، إنما تعبّر بشكل موارب عن عدم رضا سعوديّ في الأصل، على ما تقول المصادر اليمنية ذاتها. فالمبادرة البريطانية عادت وطرحت نقاطاً كان رئيس المجلس السياسيّ الأعلى في صنعاءَ، الراحل صالح الصماد، قد طرحها قبل نحو عام. تقوم هذه المبادرة أساساً على وقف غارات التحالف على المدن والقرى اليمنية مقابل وقف القصف الصاروخي اليمني على أهداف سعوديّة، ووقف الأعمال العدائية في الحديدة ومن ثم الذهاب إلى التفاوض.
في هذا الصدد، تعود حكومة هادي إلى طرح العديد من التفاصيل التي تهدف من خلالها إلى عرقلة أية جهود. الحديث عن “المرجعيات الثلاث” المتمثّلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة ومخرجات الحوار الوطني الشامل والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216، يأتي في هذا السياق.
في الأصل، تقول مصادر في صنعاء: إن “المستجدات التي سُجّلت في أيام الأزمة وأشهرها الطويلة، دفنت معها الكثير مما كان يعتبره البعض مُسلّمات أَوْ مكتسبات. والمفاوضات المقبلة مفتوحة على كُـلّ الاحتمالات، أما المقياس اللازم لقياس مدى نجاحها أَوْ فشله فسيكون استعداد الطرف الآخر لتقبّل الأمر الواقع الذي يقول إنه يأتي إلى المفاوضات مهزوماً”.