الفصلُ الأعنف من معركة الحديدة: تحشيد غير مسبوق لا يكسر طوق المدينة
لم يمنع تمكّن الجيش واللجان الشعبية من قطع خطوط إمداد القوات الموالية لـ«التحالف» من تجديد الأخيرة محاولاتها لدخول مدينة الحديدة. استماتة تشير، إلى جانب معطيات أخرى من بينها ضخامة التحشيد وكثافة الهجمات، إلى أن ثمة تسابقاً مع الزمن بهدف انتزاع إنجاز، يبدو أنه مطلوب أميركياً أيضاً، قبيل إعادة إطلاق المفاوضات
تستميت القوات الموالية لـ«التحالف» في تحقيق إنجاز على جبهة الساحل الغربي، من دون أن يتحقّق لها ـــ إلى الآن ـــ ما تسعى إليه بتغطية ودعم أميركيَّين. دعمٌ لا شيء يشي بأن الولايات المتحدة خفّفت منه، على رغم دعواتها الأخيرة المتلاحقة إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات. وبالنظر إلى ضخامة الهجوم المتجدّد على مدينة الحديدة، واتّسامه بطابع التسابق مع الوقت، تظهر العمليات التي لا تزال متواصلة منذ ثمانية أيام وكأنها محاولة مسنودة من واشنطن لتعزيز أوراق «التحالف» قبيل الجلوس إلى طاولة الحوار. وهو هدف جاء إعلان الأمم المتحدة تأخير انطلاق الجولة المقبلة من المشاورات، والتي كانت مرتقبة أواحر الشهر الجاري، ليصبّ في مصلحته.
وأعلنت الميليشيات المدعومة إماراتياً، أمس، مجدداً، بدء «عملية واسعة النطاق» لـ«تحرير ما بقي من مدينة الحديدة… بإسناد من التحالف العربي»، في تحديد يستهدف رفع مستوى التهويل الإعلامي الجاري بخصوص المعركة. وأكدت مصادر عسكرية من «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، تجدّد العمليات بالفعل، لكنها جزمت بأنّ الهجوم الأخير «سرعان ما انكسر بعد تنكيل كبير بالعدو». وعاودت القوات الموالية لـ«التحالف»، خلال الساعات الماضية، محاولاتها للتقدم من شرق المدينة وجنوب شرقها، بهدف الوصول إلى خطوط إمداد الجيش اليمني واللجان الشعبية، وذلك في ظلّ غارات جوية كثيفة (فاقت الـ30) استهدفت شارع الخمسين ومحيط مستشفى 22 مايو ومحيط جامعة الحديدة. إلا أن مصادر ميدانية أفادت بأن أي تغيير لم يطرأ على خريطة السيطرة، موضحة أن المهاجِمين دخلوا مؤقتاً (قبل إرغامهم على الانسحاب) إلى مستشفى 22 مايو، الذي يقع بعده حيّ 7 يوليو (أوّل أحياء المدينة)، حيث التُقطت لهم صور وتسجيلات رُوِّج لها في وسائل إعلامهم تحت عنوان وصول المواجهات إلى داخل الأحياء السكنية، وهو ما نفته المصادر نفسها بالمطلق، مؤكدة أن خط الشام الذي يربط الحديدة بصنعاء لا يزال مفتوحاً، وأن حركة الميناء لم تتوقّف.
الأمم المتحدة: تأجيل المفاوضات على أمل عقدها قبيل نهاية 2018
وتحاول الميليشيات المدعومة إماراتياً، منذ الثاني من الشهر الجاري، دخول مدينة الحديدة، لكن هجماتها قوبلت بمقاومة شرسة من قِبَل الجيش واللجان، ترافقت مع عمليات نوعية لقطع خطوط المهاجِمين من أربعة مسارات واقعة في غرب المحافظة. ورغم تقطّع السبل بالقوات الموالية لـ«التحالف»، إلا أن ضخامة عدد المشاركين في المعركة، الذي يُقدَّر وفق مصادر مطلعة بأكثر من 20 ألف مقاتل بكامل عدّتهم وعتادهم (تقول المصادر إن هذا الحشد هو الأكبر في تاريخ الحرب التي تكاد تدخل عامها الرابع)، يسمح ـــ حتى الآن ـــ باستمرارية الهجمات. ويشير التحشيد غير المسبوق لمعركة الحديدة، مضافاً إليه تكثيف الغارات إلى الحدّ الذي لم يجعل ولو يوماً واحداً يخلو من مواجهات، إلى أن ما يجري اليوم قد يكون بالفعل الفرصة الأخيرة لـ«التحالف» لانتزاع مكاسب استراتيجية على الساحل الغربي، من شأنها إضعاف موقف «أنصار الله» على طاولة التفاوض.
هذه الفرصة المفترضة يبدو أنها سنحت بناءً على ضوء أخضر من الولايات المتحدة، التي لا يقتصر أداؤها في «الوقت بدل الضائع» على تشجيع «غزوة» تأملها سريعة بغرض إسقاط الحديدة، بل تُسهم بنفسها في محاولة تحسين أداء «التحالف» الذي أثبت على مرّ أشهر عجزه عن إسقاط حاضرة الساحل الغربي. ووفقاً لموقع «إنتلجنس أونلاين» الاستخباري الفرنسي، فإن مسؤولين في «البنتاغون» أشرفوا، خلال اجتماعات عقدوها في الرياض مع ضباط سعوديين وإماراتيين، على وضع خطة جديدة لمهاجمة الجديدة، بعدما زوّدوا الحلفاء بالمعلومات الرئيسة اللازمة لذلك. وأفاد الموقع، أيضاً، بأن الولايات المتحدة سلّمت السعودية، خلال الشهر الجاري، طائرتَي استخبارات ومراقبة واستطلاع. وكان زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، قد جزم، في خطابه الأخير، بأنّ التصعيد على جبهة الساحل الغربي «لم يكن إلا بضوء أخضر من الأميركي، بإذن مباشر منه، بإدارة مباشرة، لأن الأميركيين جزء رئيس من العدوان، ويؤدون دوراً أساسياً فيه».
في ضوء ما تقدم، يظهر أن الولايات المتحدة، وإن كانت معظم المؤشرات الميدانية تعزّز جدية دعوتها إلى وقف الحرب، إلا أنها لا تريد لذلك أن يحصل قبل ضمان «إجبار الحوثيين على العودة إلى طاولة المفاوضات»، أي بتعبير آخر انتزاع عناصر قوة من «أنصار الله»، وحمل الأخيرة على الجلوس إلى الطاولة مُجرّدة من الأوراق التي يمكن أن تفاوض بها. ولعلّ إعلان الأمم المتحدة، مساء الخميس، إرجاء الجولة التفاوضية التي كان مفترضاً انطلاقها نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر على أمل عقدها قبيل أفول العام الجاري، يصبّ هو الآخر في مصلحة الدفع الأميركي ـــ السعودي ـــ الإماراتي نحو تحقيق استسلام استعصى على مرّ أكثر من ثلاثة أعوام ونصف عام. وهو استسلام لا يبدو وارداً لدى «أنصار الله»، التي أكد الناطق باسمها، محمد عبد السلام، أمس، أن اليمنيين يقفون وحدهم أمام «تحالف أميركي بريطاني إسرائيلي، ومرتزقة محليين وأجانب، وعناصر من داعش والقاعدة، ومليارات الدولارات، وإسناد جوي وبحري وبري، ودعم لوجستي وتجهيزات لا حصر لها»، ليصنعوا «معجزة حقيقية، ويثبتوا مجدداً أن اليمن مقبرة للغزاة».