مرحلة جديدة من الصراع على السلطة داخل أسرة بني سعود..!
متابعات:
ليس مستبعدا ان ينفجر مرجل الصراعات المكبوتة على السلطة في مملكة الكتمان وذلك بالزمن المنظور والعهدة على الجاري من مجريات الامور ما دام فرع الاسرة “السلماني” الحاكم يفعل كل شيء للاستحواذ عليها بالمطلق ومن دون مراعاة القانون العرفي السائد ومن دون التقيد بما خطّه السابقون من أطر وقواعد تنظّم شروط اختيار الملك وولي العهد كهيئة البيعة والنظام الاساسي للملكة الذي يُعدّ بمثابة دستورها المعلن والذي اقر منذ عام 1992 في عهد الملك فهد الشقيق السديري الاكبر للملك سلمان.
قد يغطي لبعض الوقت غبار الازمة القطرية الحالية وضجيجها على ما يجري من تطورات متسارعة وصراعات مريرة ومتوالدة، مع تغيير للولاءات ومعها لمواقع وحجوم من كان ذا عزم بالسلطة أو متطلع لها. لكنه لن يغطيها طوال الوقت. بل ربما يكون هذا الغبار والضجيج هما بذاتهما مدعاة للتحسس أكثر، حيث تزداد المخاوف من تداعيات التجاوز والاندفاع “السلماني” المتهور على حساب الاخوة والاشقاء وعلاقات حسن الجوار ويكون بالتالي مناسبة لتصعيد اكبر بين الاجنحة المتصارعة داخل “قبيلة” آل سعود الحاكمة. أبناء عبد العزيز واحفاده الذين فاق عددهم 15 الفاً بحسب الاميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز ال سعود لصحيفة الاندبندنت التي أضافت بأن ألفان منهم فقط يملكون السلطة والثروة اما المتبقين فليس لهم الا انتظار الهبات والعطايا.
هل تفجر قرارات الفجر الموقف؟
بعد وفاة الملك عبد الله مباشرة في 23 كانون الثاني/ يناير 2015 وقبل ان تتم مراسم الدفن باشر الملك سلمان حكمه بجملة من القرارات والأوامر الملكية التي أثبتت مجريات الأمور بأنها كانت مقدمة معدة بعناية متعمدة هي هيكلة المشهد السلطوي برمته بحيث يؤدي الى عودة السيطرة المطلقة للجناح السديري ومن ثم حصره سريعا بالفرع السلماني.
في قرارات الاسبوع الاول من حكمه عين الملك الامير محمد بن نايف ولياً لولي العهد آنذاك الأمير مقرن وازاح رئيس الديوان الملكي خالد التويجري المحسوب على جناح الملك المتوفي والميال لاختيار الامير متعب بن عبد الله ليكون وليا لولي العهد وأعفى ابناء الملك المتوفي مشعل وتركي من إمارة مكة والرياض وأبقى على متعب بن عبد الله وزيراً للحرس الوطني حتى تحين الفرصة المناسبة للانقضاض عليه بعد تقليم اظفار نفوذه بالتدريج لان ازاحته مباشرة قد تثير شغباً بين مناصريه.
ثم بعد مرور 100 يوم من الحكم في 29 نيسان / ابريل 2015، استأنف الملك سلمان بحزمة ثانية كان على رأسها قراره بإعفاء الامير مقرن من ولاية العهد واسنادها للامير محمد بن نايف وتعيين محمد بن سلمان وليا لولي العهد بالاضافة لمنحه منصبي وزير الدفاع ورئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. ثم اعفى الامير سعود الفيصل من منصبه كوزير للخارجية وعيّن عادل الجبير، سفير السعودية لدى واشنطن بدلاً منه مع جملة من التعديلات الوزارية والتعيينات الحكومية لغرض تشتيت التركيز على المغزى الحقيقي لابعاد واقصاء جناحي الفيصل وعبد الله لحساب الفرع السلماني. حتى أتت الحزمة الثالثة في 21 حزيران /يونيو 2017 وهي كسابقاتها مباغتة وترافقت مع جملة من القرارات التي ليس لها علاقة بصلب الموضوع، عدا قرار اعادة كل المكافآت وبدلات العمل لموظفي الدولة التي سبق أن استقطعت بسبب سياسة التقشف. وإمعاناً بالرشوة جرى صرف راتب شهرين لكل العسكريين المشاركين ب”عاصفة الحزم”. فتلك القرارات لا تهضم ببساطة، خاصة وانها تسلم البلاد والعباد لشاب يافع مدلل لا خبرة لديه لا عسكرياً ولا مدنياً وهو وزير دفاع بلاد تخوض حرب استنزاف لأجل غير مسمى وهو ذاته يقبض على مفاتيح خزائن الثروة الوحيدة في الدولة، أي أرامكو.
لا تذاع القررات السلمانية الا فجراً والناس نيام كي يستفيقوا على الأوامر وكأنها حقائق مسلم بها وحتى لا تقوم للمغدورين قائمة ولا يكون أمامهم غير التسليم بالبيعة تفادياً لما هو اسوأ. ومن الواضح أن أهم المشطوبين السابقين واللاحقين، كالأمراء مقرن ومحمد بن نايف وسعود الفيصل، كانوا على عدم دراية بصدور الأوامر والقرارات الملكية لأنها لم تناقش اصلاً لا في هيئة البيعة ولا في غيرها وانما تبلغوا بها عند منتصف الليل.
الملك الصغير والحروب الكبيرة
وأخيراً سيصبح الفتى محمد بن سلمان ملكاً بل انه ينوي تحطيم الرقم القياسي في طول البقاء على العرش ملكاً، فـ”رؤية 2030″ لن تكون آخر مطافه لأنه حينها سيكون في ريعان شبابه، فعمره حينئذ سيكون 45 عاماً اذا لم يكن أقل من ذلك، لأن معلومة كونه من مواليد 1985 مازال مشكوكا بها. وهو قد يندفع باتجاه اقناع والده بالتنحي مبكراً عن العرش ليكون هو ملكاً تحت رعاية وحماية أبيه كما فعل بنجاح الامير حمد مع أبنه الامير تميم.
في حزمة قرارات وأوامر الملك الأب الثالثة ما يعين الملك الابن على أمره. فتعيين اخوه الأمير خالد بن سلمان سفيراً لدى واشنطن سيكون بمثابة صمام الامان لدى الراعي الرسمي الى جانب أحد أهم المقربين منه اعلامياً ودبلوماسياً سلمان الانصاري رئيس اللوبي السعودي في واشنطن والمسوق له في محافلها علاوة على تعيين الامير عبد العزيز بن سلمان وزيراً للدولة لشؤون الطاقة.
يلقب بعض كتاب وصحافيي الغرب الامير محمد بسيد كل شيء لانه يملك كل الصلاحيات وهو الوحيد القادر على أن يستصدر اي قرار أو أمر ملكي يريده. هذا نجد قرار الحرب اتخذ بسهولة وبدون عناء التأمل والتفكر وكذا قرار التصعيد مع قطر وكأن الحروب لعبة يمكن ان تبدأ وتنتهي متى شاء. فلا يضير سيد كل شيء أن يقبل أيادي والده الملك وأقدامه اثناء قدومه إلى مجلسه ولا تقبيل ايادي منافسه ابن عمه محمد بن نايف والذي ازاحه من كافة مناصبه فيما هو يقيله من كل مناصبه.
حرب اليمن وما جرته من ويلات على أهلها وعلى أمن السعودية وعموم الأمن الخليجي والعربي ما زالت بلا طائل والفشل السياسي والعسكري يحوم حول المراهنين على إدامتها. إنها حرب كبيرة بنتائجها الكارثية على المدى القريب والبعيد وما اصرار محمد بن سلمان على الظهور بمظهر المنتصر ومظهر الملك القادر الا محاولة انكارعقيمة لواقع مؤلم. الملك الصغير مستعد لاشعال حروب على كل من حوله (باستثناء اسرائيل).
التآمر أساس الملك
حاول الملك عبد الله سحب البساط من تحت أقدام الجناح السديري من خلال وضع ما أمكنه من مصدات ومطبات أمام ولي عهده سلمان لتقليص فرصه في جعل الحكم سديرياً، فاستحدث منصب ولي ولي العهد وجعل مقرن أصغر الاخوة من أبناء عبد العزيز بالمنصب ثم شدد على تحصين القرار الملكي وعدم تغييره عند مغادرته العرش (بسبب الوفاة طبعاً)، أي عند جلوس ولي عهده عليه وذلك لأن مقرن ليس من السديريين وهو مقرب منه وسيكون خير جسر لعبور إبنه متعب وزير الحرس الوطني الى ولاية العهد خاصة وأن رئيس الديوان المالكي خالد التويجري مع هذا التوجه، الى جانب كون الأمير مشعل رئيس هيئة البيعة صمام أمان لعملها وهو ليس سديرياً وميال لترتيبات الملك عبد الله تلك. ثم حاول الملك من خلال تعديل الفقرة ج من المادة الخامسة من الباب الثاني للنظام الاساسي الذي يشكّل دستوراً معلناً للمملكة. فبدلاً من أن يختار الملك ولي عهده ويعفيه بأمر ملكي، تتم الدعوة لمبايعة الملك واختيار ولي العهد وفقا لنظام هيئة البيعة الذي انشئها ابو متعب منذ عام 2006، ووضع قواعد تفرض التشاور وعدم تفرد الملك باختيار ولي العهد أو اعفاءه.
وهيئة البيعة تتكون من ابناء الملك عبد العزيز المباشرين أو من ينوب عنهم من أبناء أو أحفاد. ومن المعروف أن عدد أعضاء هيئة البيعة منذ انطلاقتها 34 عضواً. الملك سلمان عمل منذ اليوم الأول على تفكيك ما أرساه الملك عبد الله وذهب بعيداً ليس في تكريس حكم السديريين وانما حكم ابناءه هو. ولقد كان محظوظا ايضا بوفاة الأمير مشعل رئيس هيئة البيعة في 3 أيار/ مايو 2017، ولم يجرِ اختيار رئيس لها حتى الآن ما يعنى ان الملك سلمان قد انفرد برئاستها أيضا بحكم الامر الواقع.
83عاماً حكم فيها سبعة ملوك أحدهم اغتيل بيد إبن أخيه وآخر أجبر على الاعتزال والخمسة الآخرين كانوا متفاوتين في استبدادهم وقمعهم وتجبرهم حتى للمعارضين من ابناء عمومتهم تفاصيل عديدة توضح حدود التشاور والبيعات الجماعية مع الحضور الدائم لدسائس القصور ومؤامرات الامراء وتحالفاتهم القبلية المتعاكسة منذ قيام المملكة وحتى الآن.
قراءة : جمال محمد تقي – باحث من العراق مختصّ بشؤون الخليج العربي