هل هي حشرية اليمني أم اتساع الأفق لديه؟ هل أن اليمني أكثر حباً لتحمل المسؤولية من غيره أم أن انشغاله بقضايا العالم لا تتعدى كونه ذا فضول؟

ليس غريباً أن نجد يمنياً يعيش في بطن الصحراء، أو وسط جزيرة، أو في قمّة أعلى جبل أو يرعى الأغنام في سهل مترامي الأطراف، لكنه يعرف ويهتم ويتابع كل ما يدور في محيطه، بل إنه يحاول أن يترك أثراً بقدر ما يستطيع، حول ما يرى أنه الأنسب في الموضوع والقضية المطروحة والمثارة عربيا وعالمياً؛ بعكس مواطني البلدان الأخرى الذين لا يعرفون عن اليمن شيئاً، لو لا أن الحرب المستمرة عرَّفتهم ببعض التفاصيل، والحديث هنا يستثني المهتمين والمتخصصين بالشأن العام، الذين يعرفون الكثير عن اليمن، لكنهم لا يتحدثون عنه من دون مناسبة.

اليمني أيّاً كان انتمائه أو توجهه، تجده مهتماً بكل القضايا العربية، بل والإقليمية والدولية أيضاً، ولا مبالغة في وصفه بـ«الكائن الأكثر شعوراً وتفاعلاً مع الإنسانية جمعاء».

على مر التاريخ، لم ينطوِ اليمني على نفسه. كان مناصراً، مسانداً، وأحياناً معادياً، وفي الأغلب مهتماً بما يدور حوله، حتى في حال عدم تأثير ما يجري عليه، المهم بالنسبة إليه أن يكون له رأياً بما يحدث في محيطه.

ليس شرطاً أن يكون اليمني متعلماً حتى يهتم بقضايا غيره، حتى الأميين، وإن كان تفاعلهم بنسبة أقل من غيرهم؛ إلا أنهم متابعون جيدون، يتأثرون ويحاولون التأثير بآرائهم حول المستجدات التي يعيشونها أو يسمعون عنها؛ لكن للأسف، لا يولي اليمني نفسه اهتماماً أكثر من اهتماماته بغيره، وعلى الأرجح قد يكون تفاعله مع نفسه ومع غيره بدرجة متساوية، إن لم يكن أقل أحياناً؛ بعكس الغير من الشعوب ومواطني الدول الأخرى، التي تولي اهتماماً كبيراً لهمومها ومشاكلها، ومن ثم تفكر بالآخرين.

مثلاً… في وسط زحمة الأحداث الحاصلة باليمن، نجد أن كثيرين انشغلوا بقضية الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، أكثر من انشغالهم بقضية اعتقال حركة «أنصار الله» للصحافي علي الشرعبي في صنعاء، وأكثر أيضاً من انشغالهم بمقتل الصحافي زكي السقلدي في الضالع، وهو الذي اغتيل بالتزامن مع خروج قضية خاشقجي إلى العلن.

ظهرت صورة توكل كرمان، في الإعلام العربي والدولي، وهي تبكي على ما آل إليه مصير الإعلامي السعودي، لكنها في المقابل، لم تنبس ببنت شفه على ما تعرض له الصحافيين آنفَي الذكر. وقبل ذلك أعطت كرمان وغيرها من قادة الرأي، وخاصة «الإخوان» اهتماماً مبالغاً فيه لموضوع انهيار العملة التركية أمام الدولار، في حين لم يبلغ موضوع احتضار العملة اليمنية مستوىً عالٍ من الاهتمام لديهم.

قضايا كثيرة وعديدة أثبت اليمنيون، للأسف، تفاعلهم معها، بدرجة أكثر حدّة من تفاعلهم مع قضاياهم، سواءً أكانوا منتمين إلى جماعات وأحزاب لها ارتباطات خارجية، أو لم يكونوا مرتبطين.

اليمنيون يهتمون دوماً ولهم رأي في كل شيء يحدث في هذا الكون، لكن، ويا للمفارقة، لا أحد في الكون نفسه يهتم بهم. فبعد حرب دخلت عامها الرابع، لا يبدو أن أحداً انشغل باليمن، ومعظم من تناول هذه الحرب، تناولها من زاوية السعودية، كونها المتورطة الأساس بالحرب، محدداً موقفه بحسب رأيه من المملكة و«التحالف» الذي تقوده.

هكذا هي حرب اليمن، إطارها في اليمن، ضحاياها يمنيون، لكن المساحة الأكبر في خبرها تشغلها السعودية.

*العربي| عمار الأشول