بين صراع «الفصائل» و«لجان التهدئة» : الرعب يسكن مدينة تعز
متابعات:
رصاص يخترق نوافذ المنازل، وقذائف تحصد أرواح المدنيين، هنا «ممنوع العبور»، الشوارع الرسمية والفرعية بدت خالية إلا من الكلاب، وهناك في شوارع المدينة، والبعيدة عن المواجهات، خلت أيضاً من الناس ومن حركة السيارات. قناصة تنتشر في أزقة المدينة. المحلات التجارية تغلق أبوابها. موجات نزوح جماعي.
بهذه العناوين العريضة المزدحمة بالمآسي، يقضي معظم سكان الحالمة تعز حياتهم اليومية، منذ خمسة أيام من اندلاع المواجهات العسكرية المسلحة، بين «الإصلاحيين» و«السلفيين»، والتي راح ضحيتها العشرات من المدنيين، والعناصر المسلحة من الجانبين.
مصدر مسؤول في السلطة المحلية في محافظة تعز، أكد في حديث إلى «العربي»، أن «لجنة التهدئة لم تتمكن وحتى اليوم من وقف الاشتباكات بين القوات التابعة للإصلاح، وكتائب أبو العباس، وسط وشرق مدينة تعز».
وأفاد المصدر، بأن «الدبابات والعربات العسكرية التابعة للإصلاح، والمتمركز في تبة الإخوة، قصفت مواقع جماعة أبو العباس في قلعة القاهرة، فيما ترد الجماعة من قلعة القاهرة والمجلية على مصدر النيران».
وأوضح أن «أطقم لجنة التهدئة انتشرت صباح (الإثنين) في أحياء الجحملية والنقطة الرابعة وقلعة القاهرة وجولة الشيباني ومدرسة أروى وجبل صبر، للحيولة دون تجددها، ولكن دون جدوى»، مشيراً إلى أن «المواجهات أسفرت عن مقتل قرابة 47 قتيلاً، بينهم 9 مدنيين، و69 جريحاً، معظمهم سقطوا في محيط المستشفى الجمهوري وأحياء المجلية والجحملية». ولفت إلى أن «المستشفى الجمهوري أغلق أبوابه جراء تجدد الاشتباكات العنيفة في محيطه، وتعرض المرضى والأطباء داخله للحصار». ووفقاً للمصدر، فإن «أصوات الاشتباكات لا تزال تُسمع في مناطق متفرقة في المدينة، رغم جهود لجنة الوساطة».
تحشيد مستمر
وعلى الرغم من مرور يومين على توجيه عبد ربه منصور هادي بتشكيل لجنة رئاسية، للوقوف على أوضاع المحافظة وتعزيز أمنها واستقرارها، فإن الأطراف المتقاتلة تحشد مزيداً من المسلحين للدفع بهم للقتال الداخلي.
فيما لا يزال المواطنون ينتظرون مصيرهم المؤلم، بين الموت برصاص من يدّعون تحريرهم، أو الجوع والخوف والرعب والحصار في منازلهم، ولسان حالهم، «اللهم أجعل وجودنا في تعز، شفيعا لنا يوم القيامة؟!»، كما يقول المهندس عمر حسن، من سكان حارة الجمهوري، في حديث إلى «العربي»، مؤكداً أن «الشوارع الرئيسية والفرعية في أحياء الجمهوري والجحملية والمجلية مغلقة لليوم الخامس على التوالي، وأي مارٍ في الشارع يتم استهدافه بالقنص».
وأفاد عمر، بأن «ثلاثة مدنيين من جيرانه تم قنصهم، ولا يكاد يوجد بيت في الحارة إلا وفيها عزاء»، مضيفاً أن «الكثير من أبناء الحي، بدأو صباح الإثنين، بالنزوح عبر طريق سري مليئة بالقمامة والمجاري في اتجاه السائلة».
وتابع «معظم مناطق المدينة المحررة، شهدت مواجهات عنيفة، إبتداء بالجحملية والمجلية، ومروراً بأحياء القاهرة وقريش.. وغيرها»، مشيراً إلى أنه «خلال فترة المواجهات في السنوات الماضية مع الحوثيين، لم نشعر بهذا البؤوس الذي أشعر به مع هذا الاقتتال بين الإخوة، ولم نعش الخوف والقنص والحصار الذي عشناه اليوم».
ولفت حسن، إلى أن «المواجهات اليوم بين رفاق السلاح، كشفت الستار عن حقيقة المقاومة، والجيش الوطني، وأثبتت أنهم ليسوا سوى مليشيات تتقاتل على السلطة وتنفذ أجندة خارجية».
أما نجيب الحميري، من سكان حي الدمينة، استهجن مواجهات «الرفاق»، قائلاً: «الجميع لديهم عناصر خارجة عن القانون، والجميع مليشيات يتقاتلون على السلطة في ظل غياب تام للشرعية، بل وغياب متعمد، لتظل تعز تسبح في دوامة الدم والاقتتال، وأكثر ما قد تحظى به من قبل الشرعية، هي لجان تهدئة، ليس لوقف القتال، بل لضمان إستمراره»، مضيفاً أن «ما يحدث اليوم هو قتال بين جماعات دينية مسلحة لا تمت إلى الجيش والشرعية بصلة، الإصلاحيين يستحلون دماء مخالفيهم بحجج واهية، والسلفيين يستحلون أعراض إخوانهم بحجج واهية أيضاً، بل وصلوا إلى إباحة سفك الدم المحرم».
وأشار الحميري إلى أن «هذه المعارك الداخلية، وإن استطاع طرف أن يقضي على الآخر، ستظل شرخاً كبيراً لن تتعافى منه تعز مستقبلاً».
نداء استغاثة
وفي السياق، أطلقت مستشفيات مدينة تعز، نداءات استغاثة لإنقاذ عشرات الجرحى، والتبرع بالدم، جراء حرب الشوارع الدائرة بين القوات الموالية لحزب «الإصلاح»، وكتائب «أبو العباس» السلفية.
وقالت مديرة المستشفى الجمهوري العام في تعز، سميره الرداعي، في حديث صحافي، إن «المستشفى يتعرض لقصف عنيف بمختلف الأسلحة، وأن النيران تحاصره من جميع اﻻتجاهات».
وأكدت أن «المستشفى والمكتظ بعشرات الجرحي والقتلي والنساء واﻻطفال، بالإضافة إلى الكادر الطبي، أصبح تحت الحصار»، مطالبة الجهات المختصة والسلطة المحلية بالمحافظة، بـ«فتح ممر أمن لخروج الطاقم والنساء والأطفال والجرحى والقتلي من المستشفى».
وإلى ذلك، أفادت مصادر طبية لـ«العربي»، بأن «الاشتباكات بين طرفي الصراع، خلال الخمسة الأيام الماضية، أسفرت عن سقوط قرابة 8 قتلى من المدنيين، وإصابة 13 أخرين، بالإضافة إلى سقوط قرابة 100 فرد من الجانبين»، كحصيلة أولية.
مدينة مشلولة
وفي ظل المواجهات المسلحة المتكررة بين الإصلاحيين والسلفيين وسط المدينة، طالب ناشطون وحقوقيون بضرورة عودة الدولة، وتدخل السلطة المحلية، لإستعادة هيبة الدولة، التي أصبحت اليوم «في خبر كان»، على حد قولهم.
الناشطة الحقوقية، أسمهان علي، أوضحت في حديث إلى «العربي»، أن «الوضع الإنساني في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة هادي في تعز متدهور بشكل كبير جداً، ولكنه خلال الأيام الأخيرة وبسبب المعارك الداخلية إزداد الوضع الإنساني سوءاً، وجعلت المواطن غير قادر على أن يخرج من داخل منزله لشراء احتياجاته اليومية من الماء والغذاء والدواء».
وأضافت علي أن «هناك أسر اضطرت للبقاء داخل منازلها بلا أكل عدة أيام»، وأكدت أن «الحركة التجارية والجامعات توقفت بشكل كامل، ومثلها توقفت حركة السير في معظم الشوارع، وأصبحت المدينة مشلولة».
ولفتت إلى أن «معظم الإصابات التي تأتي إلى المستشفيات، هي من المدنيين لا عسكرين، ولا علاقة لهم بالمعركة». وأفادت الناشطة الحقوقية، بأن «حالة الصراخ لدى الأطفال والأمهات والنساء داخل المنازل شيء مرعب جداً».
وأردفت: «الناس وسط المدينة متكتلين في أماكن محصورة وضيقة لأن هناك أماكن لا تزال خطوط تماس وغير أمنة، ولم تعد إليها الحياة بعد، ولذلك فالمدينة مكتظة بالسكان، وأي طلق ناري قد يصيب عدة أفراد».
ورأت علي إلى أن «هيبة الدولة والشرعية أصبحت في خبر كان، والكثير من المستثمرين نزحوا من داخل المدينة، بسبب المعارك الداخلية وعدم الأمان»، متسائلة: «إذا كان رجال الدولة يتصرفون بهذا الشكل فمالذي ستفعله المليشيات والعصابات؟».
وتكمن خطورة المواجهات الجارية، بحسب مراقبين، «في كون الخلافات بين الفصائل المسلحة تتقاطع وتتطابق في كثير من النقاط مع خلافات النخب والتيارات السياسية والدينية، التي ازدادت حدة في الأشهر الأخيرة مع غياب الرؤية الوطنية الجامعة وتخلي حكومة هادي عن مسؤولياتها تجاه الوضع الأمني والعسكري والسياسي في المناطق الخاضعة لسلطتها في تعز».
ويؤكد المراقبون، أن «ما يحدث اليوم من اقتتال داخلي في تعز يضعنا أمام صورة مصغرة لما سيحدث خلال الأيام القادمة، إن تحررت المدينة فعلاً».
الناشط السياسي، هلال الراجحي، فسر في حديث إلى «العربي»، أن «ما يحدث اليوم من اقتتال داخلي بين الفصائل، يشير إلى أنه لا يجمعهم أي مشروع وطني، بل كل فصيل يقاتل من أجل مصالحه الشخصية والحزبية والدينية، وسط غياب كلي للشرعية وهيبتها».
وتابع: «إذا كان هذا الاقتتال والصراع بين مكونات الفصائل التي تخدم رؤى ومصالح الأحزاب السياسية وتنفذ أجندات خارجية، والمدينة لم تتحرر بالكامل بعد، فإنه وفي حال تحررت ستدخل تعز في أتون حروب لا تقل ضراوة عن الاقتتال الدائر اليوم».
(مفيد الغيلاني – العربي)