فتية الكهف التايلندي وضمير العالم تجاه محرقة أطفال اليمن (مفارقة عجيبة)
متابعات:
في مفارقة عجيبة هب العالم كله وجند جميع وسائل اعلامه وامكاناته لمساعدة السلطات التايلندية في انقاذ 12 طفلا ومدربهم من كهف موحل انزالقوا فيه اثناء عودتهم الى المنزل عندما كانوا في رحلة استكشافيه في احدى الغابات بالبلاد.
الجميع من وسائل اعلام ومنظمات ودول ومؤسسات ورجال تسابقوا لعمل انساني رائع من خلال انقاذ هؤلاء الاطفال وبالفعل استطاعوا ان يعيدوهم احياء الى منازلهم سالمين غانمين حتى الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا قام بتحفيز هؤلاء الاطفال قبل انقاذهم لكي يبقوا على قيد الحياة وقدم لهم دعوة مجانية لحضور المباراة النهائية لكاس العالم الذي يقام في روسيا.
القنوات الاعلامية ايضا اهتمت بهذا الحدث وخصصت له مكانة اعلامية على راس كل ساعة واصبح خبر عملية انقاذ الاطفال الخبر الابرز لجميع وكالات الاعلام والقنوات العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي على مختلف اللغات في العالم، وبالفعل استطاعوا انقاذ حياة هولاء الاطفال. هذا العمل بالتاكيد انه كان ولايزال عملا انسانيا كبيرا جدا وجهدا يشكر القائمون والمهتمون عليه. لكن هناك ايضا مأساة كبرى بحق الاطفال يشهدها العالم. لماذا لا يتجه الجهد الانساني والاعلامي اليه.
اليمن التي تعيش حربا ومأساة انسانية هي الاكبر في العالم حسب تقارير الامم المتحدة يموت فيها يوميا عشرات الاطفال بسبب العدوان السعودي الاماراتي فحسب الاحصائيات التي نشرت في يوم 10/08/2018 عن المركز اليمني للاحصائيات فان 3308 أطفال قتلوا بسبب الغارات السعودية خلال 1200 يوم من الحرب المفروضة على هذا البلد كما ان 3222 طفلا ايضا جرحوا خلال هذا المدة، هذه الاحصائيات لا تشمل من قتلتهم الامراض وسوء التغذية والحالات الاخرى التي تبلغ الالاف وهذا كله ناتج عن مضاعفات العدوان والحصار المفروض على البلاد وتقول بعض التقارير الدولية ان كل دقيقة يقتل طفل في اليمن للاسباب التي ذكرت سابقا ومن لم تقتله القذائف والصواريخ السعودية فانه يموت بسبب انعدام الغذاء والدواء، لانعدامه بسبب الحرب والحصار وقلة الامكانات.
بل ان هناك ايضا اطفالا فقدوا نظرهم من خلال الاستباحة السعودية لعدد من المناطق واعتبارها بعض المناطق مناطق حرب مثل محافظة صعدة وحجه حيث ادى ذلك الى فرار الاف الاسر الى الجبال والاختفاء في الكهوف ولم يعد حتى الاطفال قادرين على الخروج الى تحت اشعة الشمس بسبب مكوثم اشهر في عتمة الكهوف بعيدين عن ضربات الطائرات والصواريخ السعودية، حتى ان بعضهم فقد بصره ولم يعد قادرا على الرؤية. العدوان السعودي الذي لم يحترم اي قانون انساني او ديني في اليمن ارتكب افظع الجرائم والمجازر بحق الاطفال، وكانت جرائمة اضعافا عن ما ارتكبته الجماعات الارهابية في العراق وسوريا وجميع هذه الجرائم موثقة وتم نشرها من خلال بعض وسائل الاعلام المحلية.
الامم المتحدة هي ايضا اعترفت بالعديد من هذه الانتهاكات والمجازر بحق الاطفال باليمن وكانت قد وضعت السعودية والامارات في قائمة العار المتمثلة في قتلة الاطفال ثلاث مرات لكنها سرعان ما تقوم برفعهم بعد ضغوط سياسية ومالية تمارسها هذه الدول الثرية على الامم المتحدة. ومع كل ما سبق ونظرا لحرب الابادة الحاصلة في اليمن التي تسوق السعودية ومن معها لها دلائل عنصرية وطائفية طيلة هذه المرحلة، فان السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا نجد هذا الحماس الذي حظي به اطفال تايلند موجودا مع اطفال اليمن؟ لماذا لا يحاول العالم سياسيا واعلاميا انقاذ من تبقى من اطفال اليمن؟ خاصة وان عامل القتل والدمار الحاصل هو انساني متمثل في ارهاب دولة ونظام يصر على قتل المدنيين، وبالامكان الضغط عليهم وايقاف حربهم واعادة اليمنيين الى طاولة الحوار، وايضا لماذا لا تتصدر صور ومشاهد وقضايا اطفال اليمن اخبار ونشرات الوكالات العالمية والقنوات المحلية و الدولية؟ وللاجابة على هذه الاسئلة فلابد ان ناخذ بالاعتبار النقاط التالية:
1- النظامان السعودي والاماراتي اللذان يبحثان عن مكانة اقليمة ودولية ومطامع سياسية واقتصادية حتى ولو كان عبر نهر من الدماء اليمنية، انظمة تمتلك المال والثروة لذلك ومن خلال المال قامت باسكات جميع المنظمات والحكومات واشترت سكوتهم بايجاد صفقات تجارية لا تعد ولا تحصى ولعل القارئ العزيز يتذكر زيارات محمد بن سلمان المكوكية الى عواصم دول العالم في بداية الحرب وكذلك مؤخرا وعقده الصفقات تلو الصفقات مع روسيا والمانيا واسبانيا وبريطانيا وامريكا والبرازيل وتركيا وفرنسا وغيرها من الدول. هذه الصفقات وحتى الرشاوي التي تدفع للشخصيات والمؤسسات “اعلامية كانت او انسانية”، هي بمثابة شراء دماء اليمنيين وغض الطرف عن اي جريمة ترتكب حتى لو كان ذبح ما يقارب عن 3500 طفل يمني، الشيء نفسه ايضا عمله محمد بن زايد وعقد مئات الصفقات مع معظم الدول والشركات، وهذا ما يفسر صمت العالم عن هذه الجرائم واستمرار هؤلاء في ذبح اليمنيين دون رحمة او شفقة، باسم الشرعية التي يحق لها في عقيدة بن زايد وبن سلمان ان تذبح شعبها ويهدم ويدمر كل شيء حتى الطرق والمستشفيات باسمها وتحت مظلتها.
2- المجتمع الدولي ايضا المتمثل في الدول الكبرى وجد في حرب اليمن فرصة ذهبية لا تعوض لذلك استمات في الدفاع عن السعودية اعلاميا وسياسيا وعسكريا حيث وجد في تسويق اسلحته وشركاته التجارية وعقد الصفقات مع النظام الاماراتي السعودي فرصة ثمينة في جلب مليارات النفط وانقاذ بلادهم اقتصاديا خاصة خلال الازمات الاقتصادية التي عصفت بهذه الدول. ولابد ان الجميع يعرف ان الامارات والسعودية كانت ولازالت اكثر الدول شراء للاسلحة منذ اكثر من 40 عاما وخلال الاعوام القليلة الماضية امتلات مخازن هذه الدول بالاسلحة لذلك كانت هناك فرصة للدول الكبرى في هذه الحرب من خلال تفريغ هذه المخازن الممتلئة وضخ اسلحة وصفقات جديدة تتمثل في مئات الملايين والمليارات. لذلك رات هذه الدول ان حروب اليمن مفيدة واغمضت اعينها او حتى دعمت قتل اكثر عدد من الناس والاطفال من اجل اظهار الولاء والمساعدة للنظام السعودي والاماراتي. وبدون شك ان هذه الدول مشاركة بصورة مباشرة في قتل الاطفال باليمن لهذا فان استمرارية الحرب مصلحة امريكية غربية ايضا، لذلك مات الضمير العالمي واختار المال السعودي عوضا عن الانسانية التي يتشدق بها منذ اعوام.
3- يشترك ايضا العرب والمسلمون في مشهد الدمار الحاصل في اليمن فالعديد من الشعوب العربية والانظمة العربية ايضا تغض الطرف عن جرائم السعودية في اليمن، حيث تفكر بعض الانظمة العربية في المال السعودي الاماراتي لذلك تعتقد ان اليمن حديقة خلفية للسعودية ويجب اعادتها اليها كما ان الشعوب العربية لديها نظرة طائفية حيث استطاعت السعودية من خلال امبراطوريتها الاعلامية التدليس عليهم من خلال ان من يقتل في اليمن هم “روافض ومجوس” (وكان لهم الحق حتى في قتل هولاء) لذلك فان لها الحق في قتلهم وهذا ما ادى الى سكوت الشعوب العربية وعدم تضامنها مع الشعب اليمني او الضغط على النظام السعودي حتى في اطار التضامن الذي كانوا يبدونه مع اطفال سوريا بل ان من المؤسف انها لم تخرج تظاهرة عربية واحدة للمطالبة بحماية الاطفال واتقاذهم من المحرقة السعودية.
4- الاعلام العربي والعالمي ايضا مسيس حيث لا يهتم بمشاهد القتل والدمار الحاصل في اليمن ولا يقوم بنشر اخبار المجازر والمجاعات التي تعصف باليمن، بل ان اكثر القنوات ان لم تكن كلها تقوم بتحريف الحقائق في الشان اليمني وتغيير المفاهيم وتظهر صورة مغايرة عن تلك الصورة الموجودة في الميدان من حيث الحديث عن المساعدات السعودية والاماراتية لليمن والسكوت عن الجرائم ومشاهد القتل والدمار. الامبراطورية الاعلامية السعودية ايضا جندت جميع امكاناتها من اجل طمس الحقائق وتحليل قتل اليمنيين رجالا ونساءا واطفالا قانونيا ودينيا وشعبويا حتى صار قتل اليمني يعد من الانتصارات العربية والاسلامية (حسب الاعلام السعودي والمتسعود). بعض القنوات ايضا خوفا من طردها وحذفها من الاقمار الصناعية التي تمتلك السعودية اليد الطولى فيها مثل عربسات ونايلسات، تمتنع عن الحديث في المشهد اليمني او اظهار اي شي يزعج السعودية. كما ان الرياض قامت بحذف جميع القنوات اليمنية والعربية والاسلامية التي تتحدث عن جرائمها في اليمن من جميع الاقمار الصناعية، الاعلام الغربي بالاشارة الى قتل المدنيين يضع مقدمة ليصف هولاء بالانقلابيين والعملاء لايران والخونة لكي لا ينزعج المشاهد لصور هولاء المذبوحين ظلما وعدوانا.
5- تجار الحروب اليمنيين ممثلين في هادي والعشرات من المنتفعين معه ايضا مستفيدون من هذه الحرب حيث كانت لهم ولازالت فائدة في اخفاء مشاهد القتل والدمار في اليمن وكذلك استمرار الحرب كونهم اول المستفيدين من ذلك من خلال العيش داخل الرفاهية السعودية اوما يتدفق عليهم من اموال وسلطة بفضل التدخل السعودي، ومن المؤكد ان اي مصالحة سياسية او توقفا للحرب سوف تؤدي الى ان يفقد هولاء الامتيازات التي حصلوا عليها، لذلك وبما ان الحرب في مصلحتهم فانهم يتمنون استمرارها الى ما لانهاية خاصة وان ابناءهم وزوجاتهم واهاليهم خارج اليمن ويعيشون حياتهم المترفة لذلك مشاهد قتل الاف الاطفال قصفا وتجويعا لا تعنيهم بل تعتبر انتصارا خارقا لمن يسموها قوات التحالف العربي.
6- واخيرا غياب الضمير الجمعي لليمنيين، خاصة من يسمون انفسهم نخبة ومثقفين، فقد لا يصدق القارئ ان اكثر النخبة والمثقفين الذين كانوا يتصدرون المشهد الثقافي والسياسي في اليمن ويعيشون الان في قصورهم وفنادقهم وشققهم في مصر والاردن والرياض ومسقط وماليزيا و تركيا و.. لازالوا ينظرون لاستمرار الحرب بعد اربع سنوات منها. الكثير من هولاء لا يكتبون او يتكلمون عن اطفال اليمن وضرورة ايقاف الحرب وايجاد مصالحة وطنية، او على الاقل ان يقوموا بالضغط الانساني والاجتماعي على السعودية لحثها على تجنب استهداف المدنيين وقتل الاطفال، بل ان من عجائب الامور ان اكثر من يقال عنهم مثقفون ونخبة يروجون للطائفية والعنصرية ويحللون قتل اطفال صعدة واغلب اطفال اليمن باعتبارهم “روافض ومجوس مدعومين من ايران”.
ونتيجة للعوامل السابقة فان اطفال اليمن الذين يموتون بالالاف والمئات يوميا شمالا وجنوبا ويعانون من اكبر ازمة انسانية في العالم حسب الامم المتحدة، اضحوا فريسة للنفعية السياسية والمالية للعديد من الاطراف الداخلية والخارجية، واصبح هولاء الاطفال الذين تنتشر صورهم في صفحات العدد القليل من الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي لا بواكي لهم، وضحية لاكبر مؤامرة عالمية عنوانها المال والمصلحة النفعية للدول. حيث لا يمر يوم الا وتحدث جريمة ارهابية بحق الاطفال والنساء بعضهم يرحلون ظلما وعدوانا وبعضهم يصرخون من آلام الجراح وفراق الاقارب.
(د. عبدالرحمن راجح – صحفي وإعلامي يمني)