في العام الرابع من الحصار : بؤس العالم في اليمن؟
متابعات:
لم تعد الحياة ممكنة في بلد أقفلت المنافذ عليه وصارت الكرة الأرضية بجهاتها الأربع أضيق من خرم إبرة. ملايين الأرواح في اليمن عرضة لخطر الموت جوعاً بسبب القيود التي يفرضها «التحالف» على دخول السلع الأساسية والوقود والإمدادات الطبية إلى البلاد.
لا تكترث السعودية ولا الإمارات لتقارير المنظمات الدولية وتحذيرات الأمم المتحدة من وصول أكثر من 8 ملايين شخص في اليمن إلى حافة المجاعة، وإصابة ربع مليون طفل بسوء التغذية، لتواصلا الهجوم المميت على مدينة الحديدة وميناءها، والذي تقول منظمة العفو الدولية إنه «إنتهاك للقانون الدولي لتسببه في تفاقم الحالة الإنسانية، المتردية أصلاً في اليمن».
كل يمني حوثي
إنقطعت الكهرباء عن معظم محافظات اليمن مع توقف محطة مأرب الغازية في الشهور الأولى من الحرب، وتوقف إنتاج وتصدير النفط، وقصف طيران «التحالف» لعشرات المحطات الكهربائية.
عم الظلام، فلجاء السكان إلى شراء ألواح الطاقة الشمسية، واستغنوا عن الثلاجات والغسالات، وكل ما تعجز البطاريات عن تشغيلها في منازلهم. لم يترك لهم «التحالف» حتى هذه الألواح بطاقتها الضئيلة، ففي مايو الماضي، إرتفعت أسعار بطاريات التخزين بشكل جنوني، وأرجع التجار سبب ذلك إلى منع «التحالف» لهم من إستيرادها، وإفراغ قوات الأمن السعودي عدد من شحنات البطاريات المستوردة في منفذ الوديعة.
تخلى المواطنون عن سياراتهم العاملة بالبنزين، بسبب إنعدامه وارتفاع سعره إن وجد. تهاوت أسعار السيارات وحل الكساد في معارض بيعها وشرائها. إرتفعت أجور النقل والمواصلات وتضاعفت أسعار السلع والخدمات فوق كاهل المواطن.
لم يتبقى للسكان من وسيلة للتواصل سوى السيارات والحافلات التي تعمل بالغاز، لكن هذه المادة السريعة الإشتعال تسببت في موت وإصابة العشرات بسبب غياب إجراءات السلامة، ولجوء الكثير من سائقي الأجرة إلى التزود بالغاز من الإسطوانات المنزلية التي يحملونها لمواجهة إنعدام الغاز في محطات بيعه.
في مطلع العام الحالي، منع «التحالف» إستيراد السيارات من نوع «تويوتا»، التي يطلق عليها في الداخل اليمني «شاص»، بذريعة إستخدام مقاتلي «أنصار الله» لهذا النوع من السيارات في التنقل بين جبهات القتال. ومنذ بداية يوليو الحالي، منعت السعودية المغتربين اليمنيين، وكذا المرحلين، من الخروج بسياراتهم ذات الدفع الرباعي إلى اليمن.
وأعقب ذلك مباركة السفارة اليمنية (حكومة هادي) في الرياض، الإجراءات السعودية، حيث قالت «سيتم السماح لليمنيين الراغبين بمغادرة المملكة إلى اليمن، بسياراتهم الخاصة ذات الدفع الرباعي، بإستثناء شاصات وهيلوكسات، وذلك إعتباراً من يوم الإثنين في الـ 9 من يوليو 2018، شريطة أن تكون السيارات المغادرة مسجلة بأسماء الأشخاص الذين يقودونها»، فما الجديد الذي حمله إعلان السفارة؟ إذا كان قرار المنع السعودي إستهدف «الشاصات والهيلوكسات»، التي ينحصر الدفع الرباعي في اليمن عليها.
هذا الإجراء التعسفي، اعتبر الكاتب والباحث نبيل البكيري أن «لا تفسير له سوى أن السعودية تتعامل مع كل يمني كحوثي محتمل، وهو ما يزيد من الهوة التي صنعتها السياسات السعودية حول نفسها وتجاه اليمنيين».
عزلة تامة
تتكثف مظاهر البؤس وتبعات الحصار في المناطق الخاضعة لـ«أنصار الله»، حيث يخيم السكون وتنطفى المنازل في أولى ساعات الليل، خصوصاً في الأرياف، لنفاذ مخزون البطاريات من الطاقة الشمسية. ليالي مظلمة يضاعف وحشتها التحليق المتواصل لطائرات «التحالف»، التي يستهويها القصف والعربدة فوق رؤوس المدنيين ليلاً.
في صعدة وحجة وعمران، ينتشل الأهالي ضحايا القصف من بين ركام المنازل بالمصابيح. ففي ليل الإثنين في الـ 25 من مايو الماضي، قصف الطيران منزل المواطن صالح الغيلي في منطقة الجعملة في مديرية سحار في صعدة، كانت إحصائية الضحايا 3 قتلى و5 جرحى، ومع طلوع الشمس، عثر الأهالي على 4 قتلى آخرين في مزرعة المنزل، عمال بالأجر اليومي من مديرية المدان في عمران، طالتهم شظية من القصف الجوي، وهم يعبئون السلال بالطماطم تحت شجرة رمان. لم يعثر الأهالي عليهم ليلاً، فظلوا ينزفون حتى الموت.
أحكم «التحالف» إغلاق معظم النوافذ على السكان في شمال الشمال. قصف الطيران أبراج الإتصالات في المرتفعات، فصارت الكثير من المناطق خارج التغطية. في وقت يمنع «التحالف» على حكومة صنعاء وشركات الإتصالات إستيراد أجهزة «مايكرويف» ومحطات إرسال لاسلكية لمعالجة الأضرار التي ألحقها القصف الجوي.
وحدها الإذاعات المحلية المصدر الرئيسي للأخبار، وسماع صوت العالم الخارجي من موجات بث تستقر دقائق وتختفي لساعات.
عقاب جماعي
مضى أكثر من عامين على إغلاق «التحالف» مطار صنعاء، بذريعة تضييق الخناق على الحوثيين. قرار لا يزال محل انتقاد جهات حقوقية محلية ودولية، تجمع على أن المتضرر الأساسي منه لم يكن سوى المدنيين اليمنيين، بعد أن تعذر إيصال المساعدات الطبية وغيرها إليهم لإنقاذهم من ويلات القتال والأمراض الفتاكة.
المدير التنفيذي لمنظمة «مواطنة» لحقوق الإنسان، عبدالرشيد الفقيه، قال في حديث إلى «العربي»، إن «إغلاق المطار لم يكن ذا ميزة عسكرية، فقد كان يستفيد منه المدنيون لتلبية احتياجاتهم في العلاج والدراسة وغير ذلك، ولم يستفد منه الحوثيون بشيء».
وأضاف الفقيه أن «جميع المنظمات الإنسانية التي زارت اليمن، تتفق على أن إغلاق المطار كارثي وغير مبرر، خاصة وأن الطائرات كانت جميعها تخضع للتفتيش في مطار بيشة السعودي، وما إغلاق مطار صنعاء إلا عقاب جماعي لليمنيين».
نحو المجاعة
إنهار الاقتصاد اليمني وتهاوت قيمة العملة وتفاقمت معدلات الفقر، حيث توقفت النفقات التنموية والاجتماعية، بما فيها مرتبات موظفي الدولة، ونفقات التشغيل، وفوق ذلك، تعطلت الصادرات وانهارت الموازنة وارتفع التضخم.
لجأ الكثير من السكان إلى الزراعة، لكن سعر برميل الديزل سعة 200 ليتر بـ 75 ألف ريال.
مدير مكتب الزراعة في محافظة صعدة، عبدالله الوادعي، قال لـ«العربي» إن «أكثر من 2000 مزرعة في صعدة توقف ملاكها عن زراعتها بسبب أزمة الديزل وارتفاع سعره، وعدم قدرتهم على شراء منظومة طاقة شمسية، حيث متوسط كلفتها اليوم 10 مليون ريال»، موضحاً أن «السعودية تمنع دخول الأسمدة الزراعية إلى اليمن، كما تمنع إستيراد أنابيب إستخراج المياه الجوفية، ودمر طيرانها خلال السنوات الثلاث الماضية 15 حفار مياه في محافظة صعدة».
أزمة غذاء وإرتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، حيث أشارت منظمة «أوكسفام»، إلى أن «سعر كيس من الأرز في الحديدة، ارتفع بنسبة 350 بالمائة، في حين زادت أثمنة القمح بنسبة 50 بالمائة، وزيت الطهي بنسبة 40 بالمائة»، محذرة من إنحدار الوضع بشكل مطرد نحو المجاعة.
كما يرى اقتصاديون ورجال أعمال، أن من شأن موجة الغلاء الجديدة التي سببها إغلاق المنافذ، مضاعفة أرباح أمراء الحرب ودفع المجاعة التي تشهدها البلاد إلى حدودها القصوى، مؤكدين لـ«العربي»، «عبثية إغلاق المنافذ التي تخضع أصلاً لرقابة التحالف منذ نشوب الحرب».
(فايز الأشول – العربي)