كل ما يجري من حولك

العملة الجديدة : عودة «الحرب المالية» بين صنعاء وعدن

503

متابعات:

أثارت العملة الجديدة من فئتي «500 ـ 1000» ريال جدلاً في الشارع اليمني، وإعادة الصراع المالي بين صنعاء وعدن. فحكومة عبدربه منصور هادي التي ترى أن تداول تلك الفئات النقدية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله» يعد فرضاً للشرعية المالية، بينما ترى حكومة «الإنقاذ» أن التعامل بتلك العملة يضاعف معدلات التضخم المالي، ويصعد من ارتفاع الدولار مقابل انخفاض القيمة الشرائية للريال اليمني في السوق المحلي، وهو ما يؤدي إلى تدهور ما تبقي من الاستقرار المعيشي للمواطن اليمني.

عملة جديدة

على الرغم من استقبال مدينة عدن 670 مليار ريال من العملة المطبوعة العام الماضي، إلا أن تلك الكميات الضخمة من العملة المطبوعة لم تثر أي خلاف حول التداول بها مع صنعاء، ويعود السبب إلى أن تلك الكميات الكبيرة من الأموال حملت نفس احجام ومواصفات العملة المتداولة ولم يتغير فيها سوى توقيع محافظ البنك المركزي.

تلك الأموال المطبوعة بدون غطاء من قبل حكومة هادي، تم التداول بها بشكل طبيعي في الشمال والجنوب، إلا أن حكومة هادي سعت إلى إحداث تغيير في أحجام العملة وجوانبها الفنية، ليتم وصف تلك الفئات النقدية بالعملة الجديدة نظراً لاختلافها عن العملة المتداولة، وهو ما تسبب بصعوبة تداولها في السوق من قبل المواطن اليمني ليس في صنعاء وانما في عدن ايضاً، ونظراً لأزمة السيولة النقدية تم التداول بها مؤخراً.

وعلى الرغم من دخول ذلك النوع والحجم الصغير من العملة المطبوعة في روسيا إلى مدينة عدن، مطلع العام الجاري، إلا أن حكومة هادي تتجه إلى طباعة تريليون ريال لإحلال العملة الجديدة بالعملة الورقية التالفة في السوق المحلي. وعلى ذات اتجاه حكومة هادي استقبلت عدن منتصف شهر رمضان الماضي أكبر شحنه مالية منذ صدور قرار نقل البنك المركزي في سبتمبر من العام 2016م، حيث وصل 200 مليار ريال من العملة الجديدة من الفئتين «500 ـ 1000» ريال، إلى البنك المركزي في عدن، والتي دخلت التداول خلال الثلث الأخير من شهر رمضان المنصرم مدينة عدن.

مصادر مصرفية في البنك المركزي اليمني في عدن، كشفت عن قدوم شحنة مالية جديدة من العملة الجديدة قدرها 30 مليار ريال، ووفقاً للمصادر فأن تلك الشحنة الجديدة من الأموال المطبوعة محملة في 26 حاوية وهي من الفئات النقدية الصغيرة « 250 ـ 100 ـ 50 » ريال، وسوف تصل بعد عدة أيام للبنك المركزي في عدن.

إجراء احترازي

إلا أن الصراع الناتج عن تقليص تداول تلك الفئات النقدية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة «الإنقاذ» في صنعاء والذي احتدم الأسبوع الماضي وتحول إلى قضية رأي عام، أعاد قضية قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن إلى الواجهة، فالكتلة المالية من تلك الفئات النقدية التي تم تصديرها من عدن إلى صنعاء في أقل من 30 يوم من بدء التداول بها، أثارت الكثير من التساؤلات عن ممر عبور تلك الفئات النقدية التي منع التداول بها من قبل قطاع التجارة الداخلية بوزارة الصناعة والتجارة في حكومة «الإنقاذ»، كإجراء احترازي لوقف التدهور المعيشي والاقتصادي في البلد وعدم سحب العملات الصعبة من العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة «الإنقاذ»، ووجهت الصناعة والتجارة في تعميمها الصادر في التاسع من يونيو القطاع المصرفي والتجاري المنتجين والمستوردين وتجار الجملة والمولات ومحطات الوقود، بعدم التعامل بتلك العملة الجديدة للضرورة العاجلة، ولكن اتضح في ما بعد أن تعميم وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء كان تنفيذاً لتوجيه لجنة المدفوعات الحكومية.

تدفق كبير

التعميم الصادر عن وزارة الصناعة والتجارة تزامن مع إعلان دخول 200 مليار ريال من ميناء عدن إلى البنك المركزي في عدن، ونظراً لعدم لإستمرار حكومة هادي بفرض عقاب جماعي على 800 الف موظف من الموظفين المتواجدين في المحافظات الشمالية، فإن ضخ كميات كبيرة في المحافظات الشمالية من تلك الفئات النقدية وفي وقت قياسي، أثار المخاوف من استخدام تلك الأموال في سحب الدولار من السوق المحلي والمضاربة بالعملات الصعبة كما حدث العام الماضي.

ولذلك شددت بعض الجهات الأمنية دورها الرقابي في السوق المحلي لمعرفة قنوات تدفق تلك الكميات الكبيرة من العملة الجديدة، سيما بعد أن اتضح استخدام تلك العملة في شراء عقارات بمئات الملايين منها.

تلك الإجراءات قوبلت بحملة مضادة بعدما تسببت بمتاعب لدى الكثير من المواطنين الذين اصطدموا بصعوبة التعامل بها في صنعاء، حيث استغلت تلك المتاعب لدفع حكومة صنعاء على التراجع على تلك الإجراءات وإصدار قرارات تنهي الإجراءات المتخذة ضد العملة الجديدة التي ترى صنعاء إنها تندرج في إطار الحرب الاقتصادية، وبعد ان احتدم الجدل حول تداعيات استمرار إجراءات صنعاء، قال مصدر في لجنة المدفوعات في صنعاء لـ«العربي»، إن «الحملة الإعلامية يقف ورائها تجار وصرافين يحاولون إحباط الإجراءات الاحترازية، لتحقيق مكاسب خاصة».

ويتوقع مراقبون اقتصاديون استمرار الصراع المالي بين صنعاء وعدن، ما لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق ينهي أزمة البنك المركزي، ويضمن عودته للعمل بحيادية كبنك لليمن برمتها وليس بنك لهادي وحكومته.

تدهور العملة

من المتعارف علية اقتصادياً أن طباعة النقود عملية فنية معقدة اقتصاديًا لا تقبل العشوائية، فكل وحدة نقدية مطبوعة لا بد أن يقابلها رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي، أو سلع وخدمات حقيقية تم إنتاجها في المجتمع، وتلك العوامل الثلاث لا تتوفر لدي حكومة هادي التي فشلت حتى اليوم في استعادة موارد المنافذ البرية والبحرية والجوية، وايرادات الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية المركزية إلى البنك المركزي في المناطق الخاضعة لسيطرتها كما تدعي. ونظراً لفقدان سيطرتها على المحافظات الجنوبية عمدت حكومة هادي إلى توظيف الاعتراف الدولي بشرعيتها في طباعة المزيد من العملات بتكاليف زهيدة، وهو ما أدى إلى تدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية أكثر من 100% منذ صدور قرار نقل البنك المركزي إلى عدن .

وعلى الرغم من ذلك، تنفي مصادر في حكومة هادي وجود أي أثر سلبي للعملة الجديدة التي طبعت بغطاء العملة التالفة المتداولة في السوق المحلي، إلا أن تداعيات تلك العملة التي انتشرت كالنار في الهشيم في أسواق صنعاء مؤخراً، تسببت بتدهور سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار الذي قفز من 480 ريال إلى 490 ريال، بعدما استقر في حدود 475 ريال منذ مطلع العام الجاري، وهو ما أعده مراقبون نتيجة طبيعية لطباعة قرابة 200 مليار ريال من تلك العملة من قبل حكومة هادي خلال النصف الأول من العام الجاري، في شركة «غورناك» الروسية بدون غطاء نقدي.

(رشيد الحداد – العربي)

You might also like