«غوانتانامو الشرعية» في تعز: ساحة إعدام كبيرة
مع دخول الحرب إلى مدينة تعز، منذ العام 2015، شهدت المدينة أساليب مختلفة للقتل والتصفية، من قبل الفصائل المسلحة في «المقاومة الشعبية»، والقوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، حولت المدينة إلى «ساحة إعدام» كبيرة، وسجون سرية، يسكنها ثلاثي مرعب: التعذيب، والذبح، والقتل. كل فصيل من الفصائل المسلحة، في المدينة، بات يمتلك سجوناً سرية، في المناطق الواقعة تحت سيطرته، يمارس فيها أبشع أنواع الجرائم، والإنتهاكات الصارخة، والمخالفة لكل القواعد والمعايير الدولية المتعلقة بادارة السجون والمعتقلات.
مصدر أمني تحدث إلى «العربي»، أكد أن «مدينة تعز تحولت إلى سجن كبير، يحوي بداخله سجون ومعتقلات أشبه بمعتقلات غوانتانامو، وكل فصيل من الفصائل المسلحة في المدينة، وبحكم سلطة الأمر الواقع، وحضور الدولة الهش والوهمي، نصّب نفسه جهة ضبطية وأمنية في تعز». وأفاد المصدر أن «المعتقلين في السجون السرية التابعة للفصائل، يعيشون أوضاع غير إنسانية، ومعاملة قاسية تصل إلى التعذيب المُفضي إلى الموت، بسبب استخدام أبشع الوسائل والأساليب في التعذيب».
وكشف المصدر، الذي فضل عدم ذكر إسمه، أن «فصيل جماعة أبو العباس السلفية، الموالية للإمارات، بقيادة عادل عبده فارع الذبحاني، لا زالت تمتلك ثلاثة سجون سرية، في المدينة القديمة، أكبرها سجن مجمع هائل في الميدان، في مديرية المظفر، كما أن لكتائب حسم، والمعروفة الآن باللواء الخامس رئاسي، بقيادة عدنان رزيق، سجن سري بمكتبة السعيد، في منطقة الأشبط، وآخر في الضباب، غرب المدينة».
ويتابع، «أما حزب الإصلاح، فيمتلك تسعة سجون سرية، لا تزال تحت سيطرته حتى اليوم، منها ثلاثة سجون سرية في منازل متقاربة بمنطقة عصيفرة، أحدها منزل حمود خالد الصوفي، رئيس جهاز الأمن السياسي السابق، والذي يعتبر سجن سري لإخفاء وتعذيب المخفيين قسراً، بالإضافة إلى سجن مؤسسة الكهرباء، وسجن المجمع القضائي في جبل جرة، والذي يديره القيادي في حزب الإصلاح سالم عبده فرحان، والمعروف، بسالم، وسجن نادي المسبح، في حي المسبح، والذي يديره قائد اللواء 22 ميكا، العميد صادق سرحان، وسجن مدرسة نعمه رسام، والذي يديره قائد محور تعز، اللواء الركن، خالد فاضل، وسجن مكتب التربية والذي يعتبر سجن إحتياطي للحزب».
وأشار إلى أن «ما تم تسليمه للأجهزة الأمنية من قبل حزب الإصلاح، سجنين فقط، وهما سجن مدرسة النهضة، وسجن مدرسة باكثير»، مؤكداً أن «سجون تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة، والتي كان مقرها، في الجمهوري، ومدرسة أروى بالمجلية، وسوق الصميل، تم نقلها وبطريقة سرية، أثناء مداهمة الحملة الأمنية للمناطق المتواجدة فيها تلك العناصر شرق المدينة».
لفت المصدر إلى أنه «لم يعد هناك سوى سجن واحد يتبع عناصر تنظيم القاعدة في محكمة الإستئناف بحي الجمهوري».
تعذيب حتى الموت
السجون والمعتقلات ومراكز التعذيب سردية أخرى مرعبة من سرديات الحرب، التي ألحقت الكثير من الأذى بالمواطنين وفتكت بهم. «م.س.ع»، حارس سابق، في سجن مؤسسة الكهرباء، سرد في حديث إلى «العربي»، تفاصيل مرعبة لممارسات وأساليب التعذيب داخل السجن، قائلاً: «يتعرض الكثير من السجناء للضرب المبرح وبعصا كهربائية أو أخرى ممتلئة بالمسامير، ومن دون سبب، ويتم تعليق بعض السجناء بالحبال لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات، وهناك الكثير من حالات التعرض لخلع اليد من الكتف جراء التعذيب»، ويتابع، أن «من يتولى مهمة التعذيب والتحقيق أشخاص لا نعرفهم ولا يعرفهم أحد داخل السجن، يأتون ملثمين، وينصرفوا ملثمين».
وبنبرة حزن، يضيف «في إحدى المرات كان هناك سجين، في منتصف العمر، وكان يعاني من أمراض عدة، منها التهاب في القولون وقرحة في المعدة، طلب من المحقق أن يعطيه العلاج فرفض ذلك، بل إنه أمر أحد الأفراد الذين يعذبون السجناء أن يضربه بعصا مليئة بالمسامير، وقعت ضربة وبطريقة الخطأ كما قال على رأس السجين، سقط على إثرها ميتاً، فأمر المحقق إثنين من الحراس أن يضعوا جثته في شوالة، ويحملوها فوق متر ويرموا بها في السائلة».
إنتهاكات صارخة
وعلى الرغم من الحديث عن استعادة الدولة وتطبيع الحياة، فإن المدينة لا تزال حتى اليوم، مكبلة بالموت، خلف قضبان سجون سرية، وأخرى رسمية، كالسجن المركزي، وسجن الشرطة العسكرية، وسجون أقسام شرطة الأمن، والتي أصبحت أروقة للموت، يمارس فيها أبشع الوسائل والأساليب في التعذيب.
رئيس منظمة «رصد»، الناشط الحقوقي أكرم الشوافي، أوضح في بلاغ نشره على صفحته في موقع التواصل الإجتماعي «فيس بوك»، أن «سجن الشرطة العسكرية تحول من مقر ضبط يتبع الدولة إلى سجن للتعذيب والتنكيل واستخدام أبشع وسائل التعذيب بحق المضبوطين».
وأكد الشوافي أن «مجرمين يحققوا مع مضبوطين، تصفية حسابات بعيدة كل البعد عن الدولة وأنظمتها وقوانينها، وسجناء مفترض أنهم موقوفين على ذمة قضايا جنائية تراهم يتجولون بكل أريحية وبأسلحتهم ومرافقيهم ويشرفون على غرف التحقيقات ويوجهون بتعذيب فلان ونقل فلان لزنازنة إنفرادية وضبط عذا والتصرف مع ذاك».
وكشف الناشط الحقوقي أن «المعتقل في سجن الشرطة العسكرية، محمد إسماعيل غالب الضبيبي، منذ الـ 27 رمضان الفائت، تعرض لوسائل تعذيب بشعة، بينها الضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية، ووخز أطراف أصابعه بالإبر».
وأفاد الشوافي، بأن «الضبيبي تم إعتقاله من أمام بوابة المستشفى الجمهوري، والذي يعتبر أحد أفراد حراسته، من قبل لجنة تحقيق مكلفة بالتحقيق معه وآخرين، وتم إيداعهم في سجن الشرطة العسكرية»، مشيراً إلى أن «الضبيبي يعاني من مضاعفات شديدة بسبب ذلك التعذيب، ولا يستطيع الحركة إلا بمساعدة الأخرين له».
إخفاءت قسرية
وفي السياق، كشفت مصادر مقربة من أسرة محافظ تعز في حكومة الأطفال، التابعة لحكومة هادي، معين الدهبلي، معلومات حصرية في حديث إلى «العربي»، تفيد بأن «تم إحتجاز معين وأخيه عبد الرحمن، في سجن الشرطة العسكرية في الـ 25 من رمضان الفائت، على خلفية الإشتباه بهما في قضية إغتيال الجندي في اللواء 170 دفاع جوي، حبيب الطاهري».
وأكدت المصادر، «تعرض معين للتعذيب وممارسات وانتهاكات جسيمة داخل السجن، وتم أخذ تلفونه المحمول ونشر صور ومحادثاث خاصة وعائلية».
وأضافت المصادر أن «الحدث معين الدهبلي، ذو الـ 17 عاماً، ورغم برأته وعدم تورطة بجريمة إغتيال الطاهري، لا من قريب ولا من بعيد، فإن قيادة الشرطة العسكرية رفضت الإفراج عنه، تحت مبرر حمايته من أسرة الطاهري، والتي اتهمته بالمشاركة في التخطيط لعملية الإغتيال، وقامت بنقله مؤخراً إلى سجن البحث الجنائي».
وأفادت المصادر، بأن «عبد الرحمن وبعد تعرضه للتعذيب في سجن الشرطة العسكرية، تم إخفائه منذ يوم الجمعة 22 من يونيو الفائت، وحتى اليوم، وعند السؤال عنه يجيبوننا لا نعرف أين هو!». وحملت المصادر، «قائد الشرطة مسؤولية عبد الرحمن، وأخيه معين»، مطالبة «المحافظ والسلطة المحلية والأجهزة الأمنية، الكشف عن مصير نجلها عبد الرحمن، وإطلاق سراح معين من سجن البحث الجنائي».
وبحسب آخر إحصائية، لمدير مكتب حقوق الإنسان، في المحافظة، علي سرحان الشرعبي، فإن «المخفيين قسراً، الذين لا يعلم مصيرهم أحد حتى اليوم، بلغوا 2700 شخص».
وحول هذه الإنتهاكات والممارسات المرعبة التي يتعرض لها المعتقلين في سجون القوات التابعة لـ«الشرعية» في تعز، وأسبابها، يؤكد الناشط الحقوقي، مختار الشميري، في حديث إلى «العربي»، أنه «ومنذ بداية الحرب في تعز، اعتقل وأُخفي عدد من المواطنين بذريعة موالاتهم لجماعة الحوثي وصالح ثم امتدت موجة الاعتقالات إلى كل من يعارض سطوة الفصائل والأحزاب المهيمنة في المدينة».
وأضاف الشميري، أن «عملية الإعتقال والإخفاء، بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين حزب الإصلاح وجماعة أبو العباس أخيراً، تطورت لتشمل اعتقال مدنيين أبرياء لا تهمة لهم سوى أنهم يقطنون في منطقة الخصم، حيث اعتقل بعض المواطنين بتهمة الإنتماء إما للجماعة السلفية أو لحزب الإصلاح في المربعات التي يسيطر عليها الطرفان».
ويؤكد الشميري، أن «المعتقلين في سجون الفصائل والأجهزة الأمنية بتعز، يعيشون وضع إنساني مأساوي، حيث يقبع معظمهم منذ أكثر من عام في سجون إنفرادية ويتعرضون يومياً لشتى أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي ومختلف الإهانات، والانتهاكات وسوء المعاملة»، مشيراً إلى أن «السلطات المحلية في المدينة وكعادتها تتجاهل مأساة المعتقلين في سجون الفصائل المسلحة حتى اليوم ولم تحرك ساكناً، رغم معرفتها الكاملة بالتفاصيل ومواقع تلك السجون السرية للفصائل».
*العربي