خاشقجي: الإصلاحيون بالسعودية أمام خيارات رهيبة
متابعات:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للصحافي السعودي جمال خاشقجي، يقول فيه إن الإصلاحيين السعوديين يواجهون اليوم خيارات رهيبة.
ويقول خاشقجي: “من المفزع رؤية نساء أعمارهن في الـ60 و 70 عاما ونماذج الإصلاح وقد وصمن بالخيانة على الصفحات الأولى للصحف السعودية”.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أنه “تم في الأسبوع الماضي اعتقال الرجال والنساء الذين يطالبون بالحريات الاجتماعية، بما فيها قيادة المرأة للسيارات، وهي المطالب ذاتها التي يدعو إليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”.
ويلفت خاشقجي إلى أن “حملة القمع صدمت حتى أشد المدافعين المتحمسين للحكومة، وهي تعكس المعضلة التي تواجه السعوديين كلهم، حيث طلب منا التخلي عن أي أمل بالحريات السياسية، والتزام الصمت بشأن الاعتقالات، ومنع السفر الذي لا يؤثر على النقاد فقط، بل إنه يطال أيضا عائلاتهم”.
ويقول الكاتب: “يتوقع منا الإشادة بشدة بالإصلاحات الاجتماعية، وبأن نكيل المديح والثناء لولي العهد، وأن نتجنب في الوقت ذاته الرواد والرائدات السعوديين، الذين تجرأوا وطرحوا هذه القضايا منذ عدة عقود”.
ويرى خاشقجي أن “اعتقالات الأسبوع الماضي هي محاولة للسيطرة على الخطاب، وكانت الرسالة واضحة للجميع: فأي نشاط مهما كان نوعه يجب أن يتم من خلال الحكومة، ولن يسمح بأي صوت مستقل أو رأي معارض، وعلى الجميع الالتزام بالخط الرسمي”.
ويتساءل الكاتب قائلا: “ألا يوجد طريق آخر لنسلكه؟ وهل يجب علينا الاختيار بين دور السينما أو حقوقنا كوننا مواطنين في التعبير عن آرائنا، سواء دعما لتحركات الحكومة أو ضدها؟ وهل نبادل مواقفنا المادحة لقرارات قائدنا ورؤيته عن مستقبلنا بحقنا في الحياة والتحرك بحرية لنا ولزوجاتنا وأزواجنا وأولادنا أيضا؟”.
ويقول خاشقجي: “قيل لي إن علي الشعور بالامتنان بأن الإصلاحات الاجتماعية، التي دعوت لها منذ وقت طويل، قد حصلت، وبأن أصمت عن الموضوعات الأخرى التي تتراوح من مستنقع اليمن، وخطة الإصلاحات الاقتصادية التي تطبق بعجل، وحصار قطر، والنقاشات بشأن التحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران، واعتقالات العام الماضي للعشرات من المثقفين والدعاة السعوديين”.
ويضيف الكاتب: “هذا هو الخيار الذي أفيق عليه كل صباح منذ حزيران/ يونيو، عندما غادرت السعودية آخر مرة، وبعدما حاولت الحكومة تكميمي لمدة ستة أشهر”.
ويستدرك خاشقجي قائلا: “أتساءل إن كانت لجين الهذلول، وهي واحدة من أبرز الناشطات السعوديات التي اعتقلت في الأسبوع الماضي، قد عانت مثلي أمام هذه المعضلة، أو أن إبراهيم المديميغ وجد نفسه أمام هذه الانفعالات المتصارعة، والتهمة التي وجهتها سلطات الأمن لهم أنهم (يتطاولون على الثوابت الوطنية والدينية، وبأن أفراد هذه المجموعة أقاموا علاقات مريبة مع قوى خارجية، ودعموا نشاطاتها، وجندوا أشخاصا يعملون في مراكز الحكومة الحساسة)”.
ويجد الكاتب أن “الهذلول وإن أطاعت بالأمر الحكومي الالتزام بالصمت حيال دعمها الطويل لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وسمحت لولي العهد بأخذ الثناء وحده على قرار رفع الحظر، إلا أنها وزميلاتها عوقبن لأنهن تحدثن للصحافة الأجنبية التي تقوم بتغطية رفع الحظر عن قيادة المرأة في الشهر المقبل وقضايا اجتماعية أخرى في السعودية”.
ويقول خاشقجي: “لا شيء غير عادي حول إقامة اتصالات مع الإعلام أو مع سفارة أجنبية، وكانت هذه الأمور تحدث دائما عندما عشت في السعودية بصفتي صحافيا، وتحدث أكثر في ضوء الطريقة التي قامت فيها الحكومة بالترويج للإصلاحات، ومع ذلك، وعلى خلاف السنتين أو الثلاث الماضية، فإن أي اتصال مع الأجانب لا يتوافق مع النص الموافق عليه يعد خيانة، نعم خيانة، وهذه هي الكلمة التي استخدمت بشكل علني لتشويه المعتقلات”.
ويضيف الكاتب: “لم أشاهد ردا تعسفيا على شيء مسالم كهذا مثل الحديث مع الصحافيين والمسؤولين الأجانب، وهو لا يتوافق مع الانطباعات الجيدة عن الانفتاح والإصلاحات التي قام ولي العهد بتأكيدها خلال زيارته إلى أوروبا والولايات المتحدة، ويقوض هذا الأمر مقابلاته مع الصحافيين وتصريحاته الخاصة لمديري تحرير الصحف الكبرى، بما فيها صحيفة (واشنطن بوست)، حيث قضى ساعتين وهو يتحدث للمحررين عن سياساته الإصلاحية”.
ويذهب خاشقجي إلى أن “التطرف الديني الذي شوه صورة السعودية لعقود طويلة استبدل على ما يبدو بتعصب أكثر خبثا، وهو عبادة شخصية القائد والولاء الأعمى له”.
ويختم الكاتب مقاله بالقول: “هذا التحالف مع الشيطان لن أقوم به، وأشك أن لجين وزميلاتها يشعرن بالشيء ذاته، وأتوقع أن أستيقظ كل صباح وأتساءل عن الخيار الذي اخترته، وهو التحدث بصراحة حول ما يحدث في السعودية، وهي أمور أصبحت معتادا عليها، ورغم ما تثيره من فزع في داخلي، لكنها تذكرني بأنني افتقد بلدي وبيتي، والآن وبعد هذه الاعتقالات والإهانة العامة للأفراد فقد تلاشت شكوكي كلها، ويجب ألا تحدث الإصلاحات الاجتماعية المهمة للسعودية على حساب الفضاء العام الذي يسمح لنا فيه بالنقاش والحوار، ويجب ألا يقبل أبدا بأن يكون الاضطهاد والتخويف صديقين مرافقين لأي إصلاح”.
عربي21