خفايا ودلالات نقل مجمع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى النقب
متابعات| الوقت:
منذ حوالي الأسبوع صادق كلٌّ من وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ورئيس أركانه الجنرال غادي أيزنكوت بشكل نهائي على نقل مجمع قواعد الاستخبارات العسكرية إلى منطقة النقب بين مدينة بئر السبع والقرى العربية اللقية وأم بطين.
الحديث عن هذا المشروع يعدّ قديماً نوعاً ما، إذ يعود طرحه إلى رئيس الوزراء الأول “ديفيد بن جوريون” الذي كان يتحدث دائماَ عن وجوب استعمار صحراء النقب وتحويلها إلى مدن حية تضم مناطق سكنية وعسكرية واستخباراتية متطورة، وبعد اقتراح بن غوريون بهذا الخصوص، جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الـ11 آرئيل شارون “2001-2006” ليكمل مسيرة أستاذه بن غوريون ويبدأ بالتخطيط لتنفيذ هذا المشروع الذي بدأ العمل عليه قبل حوالي 11 عاماً، ضمن خطة تقتضي نقل قواعد الجيش إلى هناك ونقل جميع جنود وضباط ركن الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي والذين يقدر عددهم بأكثر من 15 ألف جندي وضابط بمن في ذلك جنود الخدمة الدائمة، حيث سيباشرون عملية النقل مع مطلع العقد المقبل، بحسب موقع واللا العبري.
المجمّع يضمّ أيضاً “مجمع التنصت” و”الاستخبارات العسكرية 8200″ وبناء 8 قواعد تدريب عسكرية قرب الحدود المصرية، وستمتد القاعدة العسكرية على أكثر من 5 آلاف دونم، وتشمل مبان بمساحة أكثر من 600 ألف متر مربع، بتكلفة تقدر بأكثر من 5.5 مليارات شيقل.
ولكن عملية إنجاز المشروع تصطدم بمجموعة من العراقيل التي أخّرت في السابق البدء فيه واليوم تعتبر عائقاً حقيقياً في وجه إنشائه، والتي تتمثل بعدة أمور:
أولاً: في السابق وقبل حوالي أربعة أعوام حصل صراع بين وزارتي المالية والأمن الإسرائيليتين بخصوص هذا المشروع، وعلى إثر ذلك قرر وزير الأمن، موشي يعالون حينها، إيقاف مشروع انتقال الجيش إلى النقب، والذي يتضمن “مجمع التنصت” و”مجمع الاستخبارات العسكرية” ومدينة قواعد الإرشاد العسكرية، التي تضم 8 قواعد عسكرية لإرشاد ومبيت آلاف الجنود.
طبعاً أسباب الخلاف الذي يعود إلى حوالي خمس سنوات ترتبط بشكل مباشر بـ”عجز الميزانية” وأسباب أخرى لوجستية.
ثانياً: وجود معارضة شرسة في الداخل الإسرائيلي تقف في وجه هذا المشروع على رأسها قائد المنطقة الجنوبية هرتسي هليفي ونائب رئيس الأركان الجنرال أفيف كوخافي، حيث أعرب الاثنان عن “معارضتهم الشديدة” لنقل الوحدات التقنية والتكنولوجية التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من منطقة المركز إلى جنوب فلسطين المحتلة، واعتبر هيلفي أن هذا القرار قد يتسبب في “هروب الأدمغة والعقول من الخدمة في الجيش الإسرائيلي”.
وقال هليفي إن “عشرات الآلاف من جنود وحدات الاستخبارات المختلفة سيضطرون إلى السفر اليومي من وإلى القواعد الجديدة في الجنوب”، مضيفاً إن “سبب ذلك هو أن طبيعة عملهم تعتمد على الدوام الإداري اليومي، الأمر الذي سيجعلهم يواجهون صعوبات كبيرة في المواصلات في ظلّ عدم وجود خط سكة حديد يصل إلى تلك المناطق النائية أو توفر مواصلات خاصة وعمومية”.
وأضاف هليفي إن “قيادة الاستخبارات العسكرية قد أجرت استطلاعات رأي داخلية في وحدات الاستخبارات المختلفة”، لافتاً إلى أن “الاستطلاعات أظهرت بأن أكثر من نصف جنود الاستخبارات أعربوا عن عدم استعدادهم للخدمة أو السكن في الجنوب”.
الأهداف
أولاً: إنشاء شبكة تجسس للتنصت وجمع المعلومات عن دول المنطقة والعالم أجمع، وتتمثل مهمة محطة التجسس في اعتراض المكالمات الهاتفية والرسائل والبيانات الإلكترونية التي يتم إرسالها عبر الأقمار الصناعية وكابلات الاتصالات البحرية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، وستقوم بهذه المهمة وحدة التنصت المركزية “8200”، المزودة بأحدث وسائل التكنولوجيا العالمية.
ثانياً: بعد تدمير الجيش العراقي واستنزاف الجيش السوري على الجبهة الشمالية عبر تأمين جميع الخدمات اللوجستية للمسلحين والإرهابيين هناك ومعالجتهم في المشافي الإسرائيلية مقابل استهداف الجيش السوري بجميع الطرق الممكنة، يتم الآن التحضير لاستهداف الجيش المصري ومن ثم محاولة تدميره.
الأهداف الأخرى تتمثل بالتنصت على الأردن والسعودية، وجمع معلومات أمنية من هناك، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة الذي تعتبره “إسرائيل” أكبر تهديد لها حالياً، وتسعى من خلال نقل القواعد إلى هناك، منع إيصال الأسلحة إلى يد “حماس” عبر النقب.
ثالثاً: الجميع يعلم بأن إسرائيل تتعرض بين الفينة والأخرى لهجمات سايبرية تعجز عن إيقافها، وبما أن الحروب المقبلة ستأخذ هذا الشكل من الصراع، تسعى تل أبيب حالياً لجعل النقب مركزاً لإدارة “حروب السايبر” الإسرائيلية، حيث سيتم بناء قواعد تكنولوجية وعسكرية واستخبارية متطورة ومديريات للنقل والإمداد تربط جميع أنحاء إسرائيل.
وحول هذا الموضوع، قال الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا الفائقة عوزى زوبنير: “سوف تتحول بئر السبع لمركز عملاق للتكنولوجيا العالية، بل ستكون وجهة العالم للشركات التكنولوجية الفائقة”، وسيكون هناك عوائد مالية ضخمة على الكيان الإسرائيلي في حال نجح المشروع، حيث سيسعى قادة كيان الاحتلال لتحويله إلى ما يشبه “وادي السليكون” في أمريكا وجذب كبرى شركات التكنولوجيا في العالم إليه.
الواضح من هذا المشروع أنه لن يكون لوجستياً فحسب، بل يحمل أبعاداً اقتصادية وديموغرافيّة وسياسية وأمنية وعسكرية، ولكن في حال توقف هذا المشروع ستكون النتائج كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي وسيصل معدل الخسارة السنوية على حوالي 1.2 مليار دولار سنوياً.