ابن سلمان يسبح في الربع الخالي
متابعات| الوقت:
خاضت السعودية في عهد محمد بن سلمان عدة مواجهات على عدة جبهات لم تقدم فيها أي إنجاز عسكري يذكر، فهي تقود اليوم “التحالف العربي” لدعم ما تسميه الشرعية في اليمن وتشارك بأكثر من طريقة في الأزمة السورية عبر دعم الإرهابيين والمعارضة المسلحة، وتدعم طرف سياسي في لبنان على حساب اخر، وفي جميع هذه الجبهات أثبت بن سلمان فشله سياسيا وعسكرياً، ونجاحه فقط بارتكاب المجازر وقتل الأبرياء والأطفال. صحيح انه قام بعقد صفقات سلاح بمئات المليارات من الدولارات، الا ان واقع الأمر يقول انه قد بنى جيشاً سعودياً “من ورق”، وقد كان خيبة أمل كبيرة لمزوديه الأجانب بالأسلحة، وفي مقدمتهم أمريكا. وبعد فشله العسكري والسياسي، أخذ بن سلمان يبحث عن انتصارات اقتصادية ربما تعيد رونقاً من الذي خسره في الميادين العسكرية والسياسية.
في اليمن: فشل العدوان العسكري وقبلها مشروع الأقاليم الذي كان انتهاكاً صارخاً لاتفاق السلم والشراكة الموقع بين الأطراف اليمنية، واتهمتها منظمة هيومن رايتس ووتش، بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، وقالت المنظمة غير الحكومية في تقريرها السنوي لعام 2018، إن الانتهاكات التي ارتكبتها السعودية في اليمن يرقى بعضها إلى جرائم حرب، والتي كان اخرها ما فعلته طائرات السعودية في مدينة الحديدة، حيث أشلاء الأطفال والنساء النازحين من قراهم نحو ملاذات آمنة وإذا بهم يجدون أنفسهم تحت نيران الصواريخ التي لا ترحم. وامام هذا المأزق السياسي والعسكري في اليمن، لذلك اخذ ب سلمان يلعب بالورقة الاقتصادية مع اليمن والتي تعد أحد الأوراق القوية بيد المملكة تجاه بلد تسعى لأن تبقيه في فنائها الخلفي.
في فلسطين: في الشأن الفلسطيني، عمل بن سلمان وبالتنسيق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اقناع الفلسطينيين بصفقة القرن، والتي تصب بشكل واضح في مصلحة الإسرائيليين أكثر من أي خطة سابقة، ويرى محللون ان الأمير الشاب يحاول جاهدًا تثبيت كرسيّه في الحكم ومصالحه الشخصيّة على حساب القضايا التي تعيشها المنطقة، وهو يرى ان التقارب الإسرائيلي السعودي سيعجل من وصوله الى كرسي الحكم في السعودية، فايد صفقة القرن، وقال ان الإسرائيليين لديهم الحق في القدس وببناء دولتهم في فلسطين. وبين النهج الذي تجاهر به السعودية مؤخرًا إزاء القضيّة الفلسطينيّة والافتخار بالعلاقات السعوديّة-الإسرائيليّة، قال الفلسطينيون لا لأبو ديب ولا لصفقة القرن ولا للسعودية، وفي محاولة لاسترضاء الفلسطينيين أعلنت السعودية في قمة القدس التي عقدت في مدينة الظهران في السعودية عن تقديم مساعدة مالية بمبلغ 500 مليون دولار وذلك من اجل تمهيد طريق العودة لبن سلمان الى القدس عبر البوابة الاقتصادية.
في العراق: ثبت الدعم السعودي للجماعات المسلّحة تحت شعارات طائفيّة، وقد برّرت الرياض حينها ذلك الأمر بهجومها على المالكي رئيس الوزراء السابق. لم يتغيّر السلوك السعودي مع العراق طوال سنوات العبادي الأولى رغم إظهار الرياض نوعاً من الليونة الإعلامية، ولعل تصرّفات السفير السعودي السابق تامر السبهان خير دليل على ذلك حيث لم يراعِ الحد الأدنى للأعراف الدبلوماسيّة. ثبت تورّطها في دعم المسلحين في العراق، تماماً كما دعمت طالبان في أفغانستان إلا أن الفارق الوحيد عدم امتلاكها الجرأة على الاعتراف بذلك. بعد انتصار الموصل، ونهاية عمر داعش عسكريا في العراق، أدركت الرياض انكسارها عسكرياً وسياسياً في العراق، فكان لا بدّ من التقارب مع الأطراف العراقيّة، بما فيها الشيعية، الأمر الذي أفضى إلى زيارة الأعرجي ولاحقاً الصدر إلى السعوديّة. ومع اقتراب الانتخابات يسعى بن سلمان للعودة إلى الساحة العراقيّة عبر البوابة الاقتصاديّة تارةً عبر ملعب رياضي هنا، وأخرى عبر قروض ومساعدات تمّ تقديمها في مؤتمر إعادة إعمار العراق.
في سوريا: منذ بدء الأزمة السوريّة اتخذت الرياض موقفاً عدائياً، وأعلنت دعمها للمعارضة المسلّحة منها وغير المسلّحة. عاد الأمير بندر سلطان حينها إلى الضوء بعد غياب طويل وتولّى ملف الدعم التسليحي للجماعات المسلّحة في سوريا وإدارة غرفة الموك والتواصل مع جماعات السعوديّة. وصعت الرياض حينها كلّ بيضها في سلّة واحدة. ورث سلمان، ابنه محمّد، سياسة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في الملف السوري، أصرّت الرياض على عدائها للنظام السوري إلى أنّ تحوّل الحال في الميدان. عندها بدأت إشارات التراجع تصدر من الرياض الأمر الذي تسبّب بشقّق صفوف الهيئة العليا للمفاوضات. في سوريا لم تبد الرياض حتّى الساعة أي أراء اقتصاديّة، رُبما لأن الأمور غير واضحة، أو بسبب حجم الثقل الاقتصادي، أو حتى لأن أي دعم اقتصادي يعدّ دعماً للرئيس الأسد في ظل بقاء النظام.
في لبنان: رغم البعد الجغرافي، إلا أن شرارات العسكرة السعوديّة وصلت إلى لبنان سواءً في حرب تمّوز 2006 أو حتى من خلال الجماعات المسلّحة في المخيمات الفلسطينية، أو حتى تلك الجماعات التي هاجمت الحدود الشرقية للبنان، وانتهت بعملية عسكرية متزامنة بين حزب الله والجيش السوري من جهة “ان عدتم عدنا” والجيش اللبناني من جهة أخرى تحت شعار “فجر الجرود”. في السياسة لم يختلف الأمر كثيراً فقد وضعت نصب أعينها هزيمة حزب الله على مرّ الحكومات السابقة. أتقن حزب الله تحالفاته الداخليّة واستطاع الوقوف والصمود امامها وهي تعود اليوم الى الساحة اللبنانية عبر البوابة الانتخابية بضخ الأموال في البيئة الشيعية في محاولة للتأثير على نتائجها وضمان بقائها في الساحة اللبنانية.
هذه الإخفاقات وغيرها انعكست سلبياً على الاقتصاد السعودي، حيث اشارت صحيفة الفايننشال تايمز انه بسبب سياسات بن سلمان، انخفض حجم الاستثمار الأجنبي في السعودية من 34.2 مليار دولار في عام 2008 إلى 6.7 مليار دولار في عام 2017.
اذن، بعد فشل العدوان السياسي والعسكري للنظام السعودي، يبدو أن بن سلمان يسعى اليوم من خلال سباحته في الربع الخالي إلى اللعب بالورقة الاقتصاديّة الذي يسعى لاستخدمها كعصا تارةً، وكجزرة أخرى يستطيع من خلالها اثبات نفسه وربما تحقيق انتصار على أقل تقدير بعد الهزائم المتتالية التي تلقاها في الميادين العسكرية والسياسية.