3 أسابيع في أمريكا.. هل سيحصد «بن سلمان» ما زرعه؟
الزيارة التي بدأت في 19 مارس/آذار الماضي، وتنتهي 7 أبريل/نيسان الجاري، كانت عاكسة لتطلعات ولي العهد التي باتت مادة دسمة لتحليلات وسائل الإعلام العالمية، التي تراوحت بين كونه ربانا لتغيير غير مسبوق في المملكة العربية السعودية تليق بمكانتها كإحدى أغنى دول العالم، وأخرى ترى أن ولي العهد يصر على قيادة قطار بلاده برعونة وعنجهية، متجها نحو منحدر خطر بسرعة مخيفة.
لكن أصحاب تلك التحليلات، على اختلاف آرائهم في الشاب الأقوى في السعودية، بل والشرق الأوسط حاليا، أجمعوا على أن أيام «بن سلمان» التي قاربت على العشرين داخل الولايات المتحدة، هي العنوان العريض لمستقبله برمته كحاكم فعلي حالي للمملكة، يرى في نفسه أيقونة تاريخية ستثير الاهتزازات العنيفة بالمنطقة.
العلاقة مع إيران، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التشنج، وحرب اليمن التي تأبي أن تضع أوزارها إلا بمصير مظلم يحاول ولي العهد تجنبه، ملفان رئيسيان حاول «بن سلمان» أن يصل فيهما إلى نتيحة مرضية، من البوابة الأمريكية الواسعة.
«كتالوج» الزيارة
«كتالوج» الزيارة التاريخية بدأت ملامحه بالتشكل بوضوح عندما كان ولي العهد السعودي يوزع الابتسامات العريضة في وجه الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» وعشرات العدسات التي كانت تلتقط الأخير وهو يستعرض -بصراحة كانت صادمة للكثيرين- كيف أن «الولايات المتحدة تريد المزيد من أموال السعودية التي تمتلك الكثير والكثير منها»، مظهرا لوحة مشتريات سعودية لأسلحة وأنظمة عسكرية أمريكية بمئات المليارات من الدولارات قال إنها «لا تساوي شيئا بالنسبة إلى المملكة»، هكذا كان «ترامب» مباشرا في الحديث عن لعبة النفوذ مقابل المال.
جدول ولي عهد السعودية كان متخما بالمقابلات ومزدحما بالاتفاقيات، التي كانت ملامحها جميعا تشير إلى أموال سعودية غير مسبوقة تتدفق على المؤسسات الأمريكية السياسية والاقتصادية.
أولى المحطات، كانت مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، يوم 20 مارس/آذار الماضي، أعقبها لقاءات مع العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي وصناع القرار هناك، حيث بدأ «بن سلمان» بترويض السياسي قبل توزيع الأموال على الاقتصادي، مستخدما نتائج تحركات محمومة مولتها الرياض تمثلت في حملة علاقات عامة لتلميع صورته واجتذاب التأييد لسياساته.
أبرز النتائج كان اتفاق «بن سلمان» مع رئيس مجلس النواب الأمريكي، «بول رايان»، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، «ميتش ماكونيل»، على أهمية مكافحة التطرف ومواجهة التهديد الإيراني.
بعدها التقى ولي العهد السعودي بكل من نائب الرئيس الأمريكي، «مايك بنس»، ومستشار الأمن القومي «هيربرت مكماستر»، ووزير الدفاع «جيمس ماتيس».
بوسطن ونيويورك
وفي 24 مارس/آذار، طار «بن سلمان» إلى بوسطن، حيث زار مركز آي بي إم واتسون للصحة، كما زار مختبر البايو ميكاترونكس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT في مدينة بوسطن، التي تعتبر معقلا لأعرق الجامعات، ومراكز التكنولوجيا، وذلك وفقا لوكالة الأنباء السعودية (واس).
والتقى ولي العهد السعودي في بوسطن أيضا، رؤساء جامعات وباحثين سعوديين في المدينة، وزار مؤسسات بحثية تعمل على تطوير استخدامات الذكاء الصناعي والتكنولوجيا، ووقع 4 اتفاقيات بين إم آي تي (MIT) وأرامكو وسابك وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
المحطة الرابعة كانت في مدينة نيويورك، حيث جاءت اللقاءات بأباطرة الاقتصاد الأمريكي، حيث التقى مؤسس شركة بلومبيرغ «مايكل بلومبيرغ»، كما التقى الرئيس التنفيذي لـ«غولدمان ساكس»، «لويد بلانكفاين».
واجتمع في نيويورك مع أكثر من 40 مسؤولا تنفيذيا من الشركات العالمية الكبرى، واستعرض خلال الاجتماع 3 مشاريع كبرى في السعودية، وهي مشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر ومشروع القدية.
وقبل مغادرة نيويورك، تم استدعاء صحفيين على عجل إلى فندق «بلازا»، مقر إقامة ولي العهد، قرب منتصف الليل؛ للإعلان عن صفقة طاقة شمسية بقيمة 200 مليار دولار بين السعودية وشركة «سوفت بانك» الأمريكية.
بعد ذك، التقى «بن سلمان» الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، كما شارك في منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأمريكي.
مراكز القوى الأمريكية
واستكمالا للقاء (مراكز القوى الأمريكية الاقتصادية) توجه «بن سلمان» إلى الساحل الغربي في 30 مارس/آذار للقاء المنظمات الخيرية، وشركات التكنولوجيا والدفاع، والترفيه، واجتمع بمسؤولين في «غوغل»، و«أبل» و«لوكهيد مارتن».
وفي 3 أبريل/نيسان الجاري، التقى ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة «وارنر برذرز» للترفيه «كيفن تسوجيهارا»، وكبار المسؤولين لعدد من الشركات التابعة للمجموعة.
وانتهت الرحلة بتكساس، حيث التقي السعودي الأمير مع المديرين التنفيذيين لكبرى شركات النفط واثنين من الرؤساء السابقين، هما «جورج دبليو بوش» و«جورج بوش» الأب.
الملاحظة الأبرز أن زيارة «بن سلمان» هذه المرة شملت السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والتكنويوجيا والتعليم، وحتى الفن والسينما، وهو ما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بمحاولة لإظهار أن السعودية تحولت من «بلد غامض ومحافظ تشجع المساجد الأيديولوجية المتطرفة وتعتبر النساء كمواطنات من الدرجة الثانية، إلى واحة حديثة في الصحراء».
690 مليار دولار
وبلغ مجموع الصفقات السعودية لشراء الأسلحة الأمريكية ومنظومات السلاح نحو 690 مليار دولار، بحسب مراقبين، تحدث «ترامب» صراحة على 400 مليار دولار منها، متفاخرا بأن تلك المليارات وفرت وظائف لنحو 40 ألف أمريكي.
ويرى محللون أن الرحلة، وفقا لكافة المعايير وحجم الشخصيات الأمريكية البارزة التي التقت الأمير، تعد غير مسبوقة، حيث قارنها «بروس ريدل»، المسؤول السابق بالمخابرات الأمريكية «سي آي إيه» والخبير بالشأن السعودي في معهد بروكينغز بواقعة تاريخية مشابهة حدثت في العام 1943، عندما أرسل العاهل السعودي ابنه الأمير «فيصل»، إلى الولايات المتحدة للاجتماع مع الرئيس «فرانكلين روزفلت» خلال الحرب العالمية الثانية وقام بجولة في الولايات المتحدة.
ومنذ مجيئه صاغ «بن سلمان» جانبا مختلفا للعلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، والتي كانت قائمة على معادلة (النفط للأمريكيين مقابل ضمان الحماية الأمريكية للسعودية من أعدائها، ولاسيما منافستها الرئيسية (إيران)، حيث باتت السعودية، بالإضافة إلى النفط، تدفع الأموال المباشرة وتتولى تمويل كل تحركات واشنطن الآن في المنطقة، لا سيما بعد حديث «ترامب الصريح جدا» عن وجوب أن تدفع الرياض تكلفة بقاء الجيش الأمريكي في سوريا، وإلا فالانسجاب سيكون في أقرب فرصة ممكنة.
وتصف «نيويورك تايمز» جانبا من تلك الزيارة بالقول: «في الغالب، لم تخيم مخاوف حقوق الإنسان على رحلة الأمير الأمريكية، وفي مأدبة العشاء بمنزل الإعلامي مردوخ، على سبيل المثال، حيث احتسى الضيوف -باستثناء الأمير- الخمر، تحدث الأمير محمد عن تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية، حيث ستتمكن قريبا من قيادة السيارات لأول مرة منذ عقود».
وأضافت: «كما تحدث ولي العهد عن الاستثمارات السينمائية في المملكة، وقال أحد الحاضرين، الذي وصف تلك الأمسية بأنها غير رسمية، أن الأمير لم يضغط عليه فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، وأنه كان حذرا جدا في التعامل مع ذلك».
ما يريده ولي العهد السعودي من 3 أسابيع في الولايات المتحدة يتخطى مسأل خلافته لأبيه على العرش السعودي، والتي يراها الكثيرون باتت محسومة، لكن الأمير الشاب يريد تمكينا بطعم الزعامة التي لا شريك لها، فهل سيمر إليها مدفوعا بالرضا الأمريكي أم أن التحديات ستضيق عليه طريقه، ثم أنفاسه؟