كل ما يجري من حولك

الفريق يكتمل.. هل يقرر ترامب «القفز على مشكلاته» بإعلان الحرب على إيران؟

465

متابعات| الوقت: 

يحتاج المرء لكي يتوقع أفعال شخص مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى خيالٍ خصب، لا يستبعد أيّ احتمال مهما بدا فرط جنونه، ولا يهمل إمكانية اندلاع أي خطر ولو كان ذلك مستحيلًا بكل مقاييس العقل والمنطق، ولو كان خطر الحرب ذاتها.

 

حبل الاتهامات يلتف رويدًا حول عُنق ترامب

لا يكاد يمر يوم من دون أن تظهر فيه تفاصيل جديدة تكشف عن جهدٍ دؤوب يقوم به المحقق الخاص روبرت مولر الذي يبحث في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية 2016، قد تقود في النهاية إلى إحكام حبل الاتهام حول عنق ترامب نفسه.

وقد وَقَع الكثيرون من أعضاء حملة ترامب وفريقه الرئاسي في شباك مولر بعد أن تكشَّفت الاتصالات السرية التي أجراها مقربون من ترامب مع شخصياتٍ سريَّة، ينتمي بعضها إلى أجهزة استخباراتية، من أبرزها ما عرف باسم «اجتماع برج ترام»، حيث استضاف البرج الشاهق الذي يملكه الرئيس الأمريكي بنيويورك اجتماعًَا في يونيو (حزيران) حضره نجل ترامب، جونيور، الذي كان ناشطًا في الحملة الانتخابية، مع صهره، جاريد كوشنر، ومدير الحملة الانتخابية حينئذ، بول مانافورت، حيث التقى هؤلاء بمحامية روسية وراء الحصول على مواد تدين المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، وهو الاجتماع الذي وصفه المسؤول السابق في البيت الأبيض، ستيف بانون، بأنه «خيانة».

كما كان «كوشنر» نفسه مشرفًا على اتصالات أخرى أجراها المستشار السابق للأمن القومي، مايكل فلين، مع السفير الروسي في واشنطن، وكان «فلين» نفسه قد أقر بتضليل «مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)» بشأن اجتماعات عقدها مع السفير الروسي قبل شهر واحد من تنصيب دونالد ترامب رئيسًا، وتطول القائمة لتشمل ريتشارد جيتس، أحد مستشاري الرئيس الذي كان على اتصال بشخص قال إنه جاسوس روسي سابق، وبول مانافورت، المدير السابق للحملة، الذي اتهم مع جيتس بالتآمر ضد الولايات المتحدة، والعمل لصالح الحكومة الأوكرانية، وتبييض الأموال، وإريك برنس، مؤسس شركة «بلاك ووتر» الذي التقى مسؤولًا روسيًا مقربًا من بوتين في جزيرة سيشل، برعاية رجل الأعمال الأمريكي – اللبناني جورج نادر ممثلًا لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

وقد أثار الارتباك الظاهر في تعامل البيت الأبيض مع الأحداث المتلاحقة، المزيد من الشكوك حول ضلوع ترامب نفسه في تلك الاتصالات، وُتهم ترامب بمحاولة تعطيل سير العدالة؛ إذ ينظر إلى قرار الرئيس الأمريكي بإقالة المدير السابق لـ(إف بي آي) جيمس كومي كمحاولة منه للتدخُّل في سير التحقيقات، وهي الخطوة التي وصفها ستيف بانون بأنها «أكبر خطأ في تاريخ السياسة المعاصرة»،

 

إضافة إلى ذلك ما أثير مؤخرًا حول «عرض» تقدَّم به محامي ترامب لكلٍّ من مايكل فلين وبول مانافرت، أثار فيه احتمالية حصولهما على عفوٍ رئاسيّ، في محاولة للتأثير على قراراتهما، ومنعهما من التعاون مع تحقيق مولر، وربما لا يكون مولر نفسه بمنأى عن انتقام ترامب الذي سبق له وصف التحقيق بـ«غير العادل»، معتبرًا أن فريق عمل مولر يتكون من «ديمقراطيين متشددين، بعضهم من أشد أنصار هيلاري كلينتون»، وتثور المخاوف من إمكانية إقدام ترامب على اتخاذ قرارٍ «متهور» بإقالة مولر، وهي الخطوة التي حذر منها علانية رئيس مجلس النواب الزعيم الجمهوري بول راين.

 

 

المثير أن تلك التحقيقات قد سلطت الضوء على مخالفات أخرى لترامب ودائرته، تتَّصل بشركاته وأعماله التجارية؛ إذ طلب مولر الحصول على وثائق من مجموعة شركات ترامب، يتصل بعضها بأنشطة عقارية محتملة في روسيا، كما حقَّقَ البيت البيض في احتمالات حصول صهر ترامب على قروضٍ لشركاته بقيمة 509 مليون دولار، بعد أن التقى بالمديرين التنفيذيين للشركات المقرضة في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي يتعارض مع القانون والأخلاقيات الفيدرالية، وعلى صعيدٍ آخر، أجاز قاضٍ فيدرالي المضيّ قدمًا في رفع دعوى قضائية ضد ترامب لتلقيه هدايا وأموالًا من حكومات أجنبية عبر مجموعة عائلة ترامب في واشنطن.

 

من يُمكن أن يصمُد طويلًا في وجه ضربات متلاحقة كهذه لا تترك حتى فرصة لالتقاط الأنفاس؟ يعيش ترامب إذًا في وضع لا يُحسد عليه، تزحف الاتهامات إلي عنقه شيئًا فشيئًا، من دون أن يمتلك إيقاف سيل الاتهامات الذي يلاحقه وفريقه، وهو إن تمكن من النجاة من المحاكمة أو العزل، فسيصبح الفوز بولاية رئاسية ثانية حلمًا بعيد المنال.

 

 

القفز إلى الأمام

في المسلسل الأمريكي الشهير «House of cards»، كان الرئيس الأمريكيّ، فرانك أندروود، على موعدٍ مع فضيحةٍ مماثلة كادت تهز أركان إدارته؛ إذ اكتُشف تلاعبه بالرئيس جاريث والكر عندما كان نائبًا له، حين خطط لإيقاعه في قضية غسيل أموال ليعزل من قبل الكونجرس، ويحل هو محلة رئيسًا بحكم الدستور، وفي الوقت نفسه، كانت عصابة (ICO) تختطف مجموعة من الرهائن الأمريكيين، وبعد جولاتٍ طويلة من التفاوض، قتلت العصابة رهينتها الأخيرة؛ بعدما لم يستجب لأي من طلبات العصابة من قبل الرئيس الذي خرج للشعب معلنًا أن الولايات المتحدة في حالة حرب، الأمر الذي يستدعي من الجميع نسيان الخلافات الداخلية، والتكاتف معًا لمواجهة الإرهاب، وبذلك تمكَّن الرئيس من تجاوز مأزقه الداخلي، ونجا من العزل.

يبدو وضع ترامب اليوم أشبه ما يكون بفرانك أندروود؛ تلاحقه الاتهامات من كل حدب وصوب، ولا يكاد يستفيق من آثار فضيحة حتى تلحقها أخرى، وربما يرى ترامب اليوم أن مفتاح الحل في مأزقه يكمن في الوسيلة نفسها التي لجأ إليها أندروود لكي ينفذ بجلده: الحرب.

لا يكفّ ترامب غاديًا أو رائحًا عن مهاجمة إيران، معتبرًا أنها مصدر الإرهاب والتطرُّف والشرور في المنطقة، وداعيًا إلى عزلها وفرض المزيد من العقوبات عليها، كما لا يترك فرصة إلا ويهدد بالانسحاب من الاتفاق النووى الذي يجمع الدول الكبرى وإيران، ويصفه ترامب بأنه «مليء بالعيوب»، وكان ترامب قد أوعز إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية «بتحليل النشاطات الإيرانية وتقديم تقرير باستنتاجاتهم»، مؤكدًا أن طهران «لم تلتزم بروح الاتفاقية النووية». قائلًا: «بالتعاون مع حلفائنا، سنعمل على مكافحة النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار ودعم الوكلاء الإرهابيين في المنطقة»، كما انتهز فرصة خروج مظاهرات معارضة للنظام في إيران أواخر العام الماضي ليعلن أنه قد «حان وقت التغيير في إيران»، وهو الموقف الذي وصفته إيران بأنه «انتهازي»، واصفة الرئيس الأمريكي بأنه «حاقد» على إيران.

 

وتأتي تغييرات ترامب الأخيرة في الإدارة الأمريكية لتضيف مزيدًا من «الصقور» المناهضين لإيران بين صفوفها، فمستشار ترامب الجديد للأمن القومي، جون بولتون، معروفٌ بعدائه الشديد لإيران، وهو يرى أنه لا فائدة من تجديد العمل بالاتفاق النووي، ويدعو إلى الإبقاء على الخيار العسكري ضد طهران على الطاولة، وقد نقل عنه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، شاؤول موفاز، بأنه حاول إقناعه من قبل بأن على إسرائيل توجيه ضربات إلى إيران، أمَّا وزير الخارجية الجديد، مايك بومبيو، فهو يرفض بشكلٍ حاد هو الآخر الاتفاق النووي مع طهران، وقد نُقل عنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي – إبان عمله على رأس الاستخبارات الأمريكية – أنه قد بعث برسالة تحذيرية إلى الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، بخصوص موقف الولايات المتحدة من سلوك طهران الذي يشكل تهديدًا متزايدًا بالعراق.

 

كل هذا جعل البعض يصف التغييرات الجديدة في الإدارة الأمريكية بأنها ربما تكون «وزارة حرب»، يشكلها ترامب في سبيل التمهيد لضرب إيران، فلو حاول ترامب استنساخ تجربة نجاة «أندروود»، بـ«القفز إلى الأمام» في اتجاه قرار الحرب، تجاوزًا لمشكلاته الداخلية، فستكون إيران – التي تحظى بعداءٍ تجاهر به أغلب الأنظمة العربية، بشكل لا يجعل من احتمال إعلان الحرب عليها مهددًا بتعاطف عربي كبير مثل الحرب على العراق مثلًا – هي الهدف الأمثل.

 

 

«انصر حليفك ظالمًا أو مظلومًا».. واقصف إيران

إن كان يصح الحديث عن امتلاك إدارة ترامب لـ«سياسة خارجية» حقيقية وقابلة للتحليل – وإن كان بعض المحللين يميلون إلى الاعتقاد بعكس ذلك؛ باعتبار أن توجهات ترامب الخارجية تميل إلى العشوائية والارتجال بشكل واضح، فإن أبرز ملامح هذه السياسة ستكون التحالف شبه المطلق للإدارة الحالية مع المملكة العربية السعودية، وولي عهدها الجديد محمد بن سلمان، وبدرجة أقل مع الإمارات العربية المتحدة، هذا بالطبع بجانب التأييد الأعمى لإسرائيل التي لا يتحرَّج ترامب أن يقدم لها فروض الطاعة بين الحين والآخر.

 

فترامب الذي لا يفهم إلا لغة المال، لا يخفي إعجابه بابن سلمان، الذي يحكم «دولة ثرية جدًا ويجب أن تعطي أمريكا جزءًا من هذه الثروة»، بحسب قول ترامب، الذي لم يُخفِ عرفانه الشديد للأمير الشاب، والذي لم يبخل على الأمريكيين بصفقات أسلحة مليارية؛ ستحقق مبيعات هائلة للأسلحة الأمريكية، ما يوفر للأمريكيين قدرًا كبيرًا من «الوظائف»، وهي الكلمة التي تسيل لعاب الرئيس الأمريكي الطامح إلى المزيد، حتى إنه قال لابن سلمان مازحًا أمام أعين الكاميرات واصفًا أثمان تلك الصفقات: «هذه الأرقام مجرد فول سوداني (ضئيلة جدًا) بالنسبة لكم، يجب أن نزيدها».

 

أما علاقة ترامب بأبوظبي، وولي عهدها محمد بن زايد، فحدِّث ولا حرج؛ يتردد اسم ابن زايد كوسيط في الاجتماعات التي كان ممثلون عن ترامب طرفًا فيها في الفترة الانتقالية التي تفصل بين فوز ترامب بالرئاسة وبين توليه مهام المنصب رسميًا، والتي هدفت لفتح قنوات اتصال خلفية مع الكرملين، كما تشير تقارير صحفية إلى العلاقة الوثيقة التي تجمع ترامب بابن زايد، واصفة الأخير بأنه «المرجع الأول» للرئيس الأمريكي فيما يخصُّ المنطقة العربية، ومما يدل على صحَّة تلك المزاعم، نجاح الإمارات فعليًا في دفع ترامب إلى اتخاذ قرارات تتواءم مع مصالحها، فقد جاءت إطاحة ترامب بوزير خارجيته، ريكس تيلرسون، قبل أسابيع لتؤكد التقارير المسربة دفع الإمارات أحد المقربين منها للضغط على ترامب بهدف إقالة تيلرسون؛ بسبب موقفه «المتعاطف» مع قطر في الأزمة الخليجية.

ترامب أيضًا هو «رئيس الأحلام» بالنسبة للإسرائيليين؛ فهو الرئيس الأمريكي الذي اخترق الخطوط الحمراء لأجل عيون تل أبيب، فقرر أخيرًا نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولم يبالِ بردود الأفعال العربية أو الإسلامية أو الدولية حيال ذلك، كما أن تصوراته لصفقة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هي الأكثر تشددًا في وجه الفلسطينيين، كما  أن الرئيس الأمريكي لايبدي معارضة لحركة الاستيطان الإسرائيلية التي تلتهم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

 

لا تكفّ الدول الثلاث عن التصريح بعداوتها لإيران، ومطالبة الولايات المتحدة بالمزيد من التصعيد لمواجهة السياسات الإيرانية في المنطقة، لا يظهر أن ثمة هاجسًا يؤرق ولي العهد السعودي أكثر من إيران الذي وصف مرشدها ذات مرة بـ«هتلر الشرق الأوسط»، ويحث ابن سلمان واشنطن على «اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه إيران»، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين أكد على عدم إمكانية الوصول إلى نقاط تفاهم مع النظام الإيراني، الذي هدده قائلًا: «لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل نعمل على أن تصبح المعركة لديهم في إيران»، كما لا يخلو تقريبًا لقاء أو اتصال تليفوني بين ترامب وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، دون التطرق إلى إيران، وضرورة الوقوف في وجه دورها «السلبي» بالمنطقة، وتعرب الإمارات عن دعمها الكامل لاستراتيجية ترامب الهادفة للتعامل مع السياسات الإيرانية «التي تقوض الأمن والاستقرار في المنطقة».

 

كل واحد منهم قال لي: عليكم قصف إيران، إن ذلك الشيء الوحيد الذي يفهمونه في طهران. *وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري.

 

وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، قد كشف النقاب عن جهود قادتها كل من مصر والسعودية وإسرائيل في الفترة بين 2009 و2013 لإقناع الولايات المتحدة بضرب إيران، ومن المعلوم تلك المعارضة الشديدة التي أبدتها كل من الرياض وتل أبيب للاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى؛ إذ كانت الدولتان تأملان في مزيدٍ من التصعيد الأمريكي في وجه طهران، وكانت تقارير صحافية قد قرأت في الهجمات التي شنتها إسرائيل على أهداف داخل سوريا في فبراير (شباط) الماضي – بعد إسقاط طائرة إسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية السورية – ضوءًا أخضر أمريكيًا من قبل إدارة ترامب يسمح لإسرائيل بالمزيد من التصعيد في وجه إيران ومصالحها في المنطقة.

 

ولأنّ التحالف مع السعودية والإمارات وإسرائيل يقتضي أن تنصر حليفك ظالمًا كان أو مظلومًا، فليس من المستبعد أن تجاري الولايات المتحدة رغبات حلفائها، وتدفع – إذا توفرت دوافع أخرى أكثر ذاتية وملائمة لمصالح الإدارة الأمريكية – بقواتها العسكرية لضرب بعض المنشآت الإيرانية، مطمئنة حينئذ إلى تلقيها دعمًا عسكريًا وسياسيًا غير محدود من قوى إقليمية تناصب النظام الإيراني العداء.

You might also like