كلما تصاعدتْ وتيرة الحديث عن اقتراب جولة جديدة من المفاوضات بين فرقاء الأزمة اليمنية ودول الخليج المنضوية تحت مسمى «التحالف العربي» (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) الذي يخوض حرباً مُكلّفة في اليمن منذ ثلاثة أعوام، كلما ازدادت معه أهمية «المؤتمر الشعبي العام»، حزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وكلما تسابقت قياداته للحديث عن هذا الحزب وعن أهميته كلاعب مهم بالساحة وكقوة سياسية وعسكرية في أية تسوية سياسية مقبلة.
تترافق هذه الوقائع مع لقاءات واجتماعات لهذه القيادات ومنها القيادات المؤتمرية بالجنوب، والتي كان آخرها ذلك اللقاء الموسع الذي عقده وزير داخلية هادي الوزير أحمد الميسري صباح الخميس الماضي في عدن، مع عدد من أعضاء وقيادات هذا الحزب بالجنوب، وأعلن فيه تنصيب الرئيس هادي رئيساً للحزب، بطريقة أثارتْ حفيظة واستهجان معظم قيادات «المؤتمر» بالداخل والخارج- شمالية وجنوبية -على السواء.
هذه الخطوة التي أتت بعد ساعات من ورود أنباء من صنعاء تتحدث عن أن المندوب الأممي الجديد الى اليمن مارتن غريفيث قد نصح الأطراف في صنعاء باختيار 20 شخصية تمثلهم بالمفاوضات المنتظرة، كانت محاولة من الميسري لقطع الطريق أمام أي مسعى لتمثيل الحزب بالمفاوضات من قبل قيادات «المؤتمر» في صنعاء… كما أن هذه الخطوة الميسرية ستفجّر، من دون شك، أزمة حادة ولو من تحت الرماد بين رجال هادي ورئيس حكومته أحمد عبيد بن دغر، الذي له موقفا حزبياً مناوئاً لأي دور مستقبلي لهادي، وهو يفضل عوضاً عن ذلك تأهيل أحمد علي، نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد رفع العقوبات الدولية عنه لقيادة الحزب، وربما الدولة مستقبلاً، وهذا ما أفصح عنه بن دغر مؤخراً بعدة أحاديث صحافية.
فمنذ تفجّر الخلاف بين صالح وهادي بعدما أدارَ الأخير ظهره لرئيسه السابق، حين صار هادي رئيساً لليمن العام 2012م، ازداد التنافس بين الرجلين على الاستئثار بزعامة الحزب، وبالذات بعدما نجح هادي بالهروب من مقر إقامته الجبرية بصنعاء الى عدن، التي شرع منها بحشد قيادات مؤتمرية خلفه قُبيل هذه الحرب، وطفقَ بعقد لقاءات لهذا الغرض من دون أن يفلح بشيء، بعدما أحجمتْ معظم القيادات المؤتمرية، ومنها قيادات جنوبية، بالإنحياز لهادي، وقد شاهدنا حينها كيف تم تسليط الأضواء على دور المؤتمر، وكيف أن هادي قد صار الزعيم المؤتمري الجديد وأطاح بصالح- أو هكذا كان يصوّرَ إعلام هادي الوضع- هذا الإعلام الذي كان ينعت صالح طيلة تلك الفترة بالإنقلابي العفاشي، قبل أن يصير بعد ذلك شهيداً، بنظره أيضاً.
كل القيادات المؤتمرية الجنوبية -ومنها أحمد الميسري الذي يقود هذه الأيام حملة لبعث «المؤتمر الشعبي» من مرقده وتقاسم ميراثه نُصرة لهادي كما أسلفنا- تعرف أن هذا الحزب قد صار اليوم في محافظات الشمال، حيث معقله الرئيس وحاضنته الجماهيرية أيام مجده مجرد بقايا متناثرة، ولا يقوى على الدفاع عن رموزه ناهيك عن غيره، فما بالنا بوضعه بالجنوب، حيث باتت نسبة التأييد الشعبي له تحت درجة الصفر تقريباً… ومع ذلك تظل لهذا الحزب أهمية سياسية كبرى عند اللاعبين الاقليميين والدوليين، تعلمها جيداً هذه القيادات المؤتمرية الجنوبية، وتسعى للإستحواذ عليها واختطافها وتوظيفها لمصالحها السياسية، لتحجز من خلالها مواقعاً وحضوراً بخريطة التسوية السياسية المقبلة… على أن أهمية «المؤتمر» ما تزال تكمن بثلاث نقاط : 
أولاً: أن المبادرة الخليجية التي أتت للإطاحة بـ«ثورة التغيير» العام 2011م، ما تزال إحدى مرجعيات التسوية السياسية المقبلة، وهي المبادرة التي تعطي «المؤتمر» نصف القسمة بالمواقع والمناصب بالدولة والحكومة، كون تلك المبادرة استندت إلى مبدأ المناصفة بين «المؤتمر الشعبي العام» الحاكم -قبل ذلك التاريخ- وبين المعارضة حينها «أحزاب المشترك وحركة أنصار الله – الحوثيين».
ومن أجل الظفر بنسبة «المؤتمر» المستحقة من تلك المبادرة، تشخص عيون بعض القيادات المؤتمرية الجنوبية -من أمثال الميسري- التي لا ترى لها مستقبلا من النافذة الجنوبية، بعدما تآكلت شعبيتها مؤخراً بسب مواقفها المتعصبة لـ«الشرعية» بمواجهة الارادة الجنوبية.
ثانياً: أن السعودية والإمارات تبحثان عن قوة سياسية وعسكرية وجماهيرية وبالذات في الشمال، لتتخذ منها حليفاً مستقبلياً بأية تسوية مقبلة، أو حتى في حالة أي حسم عسكري، لمجابهة أي دور مستقبلي لحزب «الاصلاح» (إخوان اليمن)، الذي يخشى «التحالف» من أن تصير الأمور لهذا الحزب بعد انتهاء الحرب، وهو الحزب الخصم اللدود لهما وللإمارات بدرجة أساسية، خصوصاً وأن هذه الأخيرة هي اللاعب الفاعل والمؤثر بقوة على الأرض، وهي من تعتقد أنها ضحت بالكثير من رجالها وأموالها، ويستحيل أن يصير كل ذلك لخصم جديد إسمه «الإخوان». 
ولمّا صارت الخيارات لدى «التحالف» في أشد نطاقها ضيقاً بعد مقتل الرئيس صالح وفشل تمرده على حركة «أنصار الله»، بإيعاز ودعم من الامارات، لم تجد هذه الأخيرة ومعها الرياض من قوة غير ما تبقى من «المؤتمر الشعبي» تلملم شتاته، بعدما عزّتْ عليها البدائل وتلاشى من أمامها الشركاء ذات الثقة، فلم تجد غير ما تبقى من الكوادر السياسية والعسكرية لـ«المؤتمر الشعبي» لشد عضدها وإعادة تنظيم صفوفها لقادم المراحل، لتكون لـ«التحالف» ركيزة مستقبلية باليمن. وعلى ذلك يشتد التنافس بين قيادات هذا الحزب، وهذا ما يفعله مؤتمريو الجنوب خصوصاً، كونهم يعلمون أن لا مكان لهم بالحسابات الإماراتية، كما لا مستقبل لهم سياسياً وشعبياً بالجنوب، بعدما استنزفوا رصيدهم التحرري الجنوبي، فضلاً عن رفضهم شعبياً وحزبياً بالشمال.
ثالثاً: ثمة حاجة ماسة تراها القيادات المؤتمرية الجنوبية ببث الروح من جديد بجسد «المؤتمر» وبعثه بقوة بالساحة الجنوبية تحديداً- بالتزامن مع زيارة المبعوث الأممي لعدن- وذلك لمجابهة «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الذي ترى فيه هذه القيادات القوة الأكثر احتمالاً بالسيطرة على مفاصل الجنوب، بعدما اضمحلت كل القوى والأحزاب من أمامه، ناهيك عن الدعم والسند الذي يتلقاه من الإمارات… حيث أن هذه القيادات تعرف أنها قد بالغت بالخصومة لهذا المجلس خلال ثلاثة أعوام تقريباً، وبالتالي لا ترى لها فيه أي قبول، وترى أن من الضرورة بمكان ان تظل بالجنوب قوى سياسة موازية لهذا المجلس- ولو من باب المناكفة- تكبح به جماح وتفرد هذا المجلس، ولم تجد ضالتها لتحقيق هذا الغرض إلّا بـ«المؤتمر الشعبي العام»، أو بالأحرى ما تبقى منه.