كل ما يجري من حولك

الإسكندر على خُطى القيصر.. حملة ابن سلمان على رجال الأعمال تعلمها من بوتين

470

متابعات| شفقنا:

فى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، ذاعت قرارات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن احتجاز عشرات الأمراء ورجال المال بتهمة فساد مالي، وسط تفسيرات متباينة لهذه القرارات التى لم تغب السياسة والصراع حول السلطة عنها باعتبارها مُحددًا رئيسيًا لها، خصوصًا أنها أتت بالتزامن مع ظهور طبقة جديدة من رجال المال الموالين لابن سلمان.

سيناريوهات ما فعله الأمير الشاب الذي بات الحاكم الفعلي للمملكة – كما يرى مراقبون – تتقاطع أحداثها مع وقائع مشابهة جرت في بلاد تبعد آلاف الأميال عن المملكة، فمع التباين الصارخ بين حرارة الرمال السعوديّة الشديدة وبرد روسيا القارس؛ تشابهت إجراءات الأمير الشاب مع قرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الضابط ذي الخلفية الاستخبارية في بدايات حكمه، ساعيًا من وراء ذلك لإعادة تشكيل دوائر المال والسلطة، وفقًا لما يثبّت أركان حكمه.

يرسم التقرير التالي صورة كاملة عن أوجه التقاطع بين كل من قرارات الزعيم الروسي والأمير السعودي في التعامل مع رجال الأعمال في بدايتهما في السلطة، وحدود التباين بين التجربتين، ووقائع كُل تجربة على حدة.

 

«مكافحة الفساد».. الأمير والقيصر يشهران نفس السيف

بعد نهاية ولاية الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن، الذي امتدت ولايته من عام 1991 إلى عام 1999، سعى خليفته فلاديمير بوتين لتصفية تركته، وحصار خصومه من رجال المال، ممن امتد نفوذهم لكافة القطاعات المالية والسياسية عبر القبض عليهم، ومطاردتهم قضائيًا بتهم أخذت شعارًا رئيسيًا هو «مكافحة الفساد ونهب الأموال العامة».

مكافحة الفساد» هو الشعار الرئيسي الذي روجته وسائل الإعلام المملوكة للسلطات الروسية، حول إجراءات ملاحقة «رموز الفساد»، وفقًا لتوصيف الأجهزة الإعلامية والقضائية، وقد انتقلت هذه الملاحقة بعد ذلك إلى تأميم ممتلكات هؤلاء، إذ تنوّعت بين مصارف وشركات وأموال في البنوك.

يتقاطع هذا الشعار الذي استخدمه فلاديمير بوتين حيال رجال الأعمال الروس في بداية ولايته، مع ما فعله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتأسيسه لجنة لمكافحة الفساد أصدرت قرارات توقيف خصّت ما يقارب الخمسين من الأمراء والوزراء والشخصيات الرفيعة في المملكة.

تمثلت هذه القائمة في عدد من كبار رجال المال في العالم العربي؛ مثل الأمير والملياردير السعودي المعروف الوليد بن طلال، والذي واجه تهمًا بغسيل الأموال، والأمير فهد بن عبدالله بن محمد، نائب قائد القوات الجوية الأسبق والمفاوض الرئيسي في صفقة اليمامة العسكرية مع بريطانيا، والوليد الإبراهيم، رئيس مجموعة قنوات إم بي سي (MBC) التلفزيونية، وصالح كامل رئيس ومؤسس البنك الإسلامي، واثنين من أبنائه بتهم فساد، بالإضافة إلى رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، ووزير الاقتصاد والتخطيط المقال عادل فقيه، ووزير المالية السابق إبراهيم العساف، وخالد الملحم رئيس الخطوط السعودية السابق، وسعود الدويش، رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية.

ولم ينجح أحد من رجال الأعمال السعوديين في الفرار خارج البلاد، على خلاف وقائع التجربة الروسية، إذ أدت سلسلة إجراءات القبض على مئات من رجال الأعمال الروس في بداية ولاية بوتين إلى خروج مئات المليارات من أموالهم إلى الخارج بطرق غير شرعية تحسبًا لتجميدها، فضلًا عن انتقال المئات من أثرياء روسيا إلى عواصم أوربية مثل لندن ومدريد هربًا من اعتقالهم مثل زملائهم الذين قُبض عليهم لسنوات داخل روسيا، مثل رجل الأعمال ميخائيل خودوركوفسكي، الأكثر ثراءً في روسيا آنذاك، والمسؤول عن إنتاج حوالي خُمس النفط الروسي للعالم، عبر شركته الخاصة «يوكوس»، و«بلاتون ليبيديف» الرئيس السابق لبنك «ميناتيب».

أحد أبرز هؤلاء الناجين من مذبحة «بوتين» كان الملياردير اليهودي الروسي فلاديمير غوسينسكي، الذي أصدر القضاء الروسي بحقه مذكرة توقيف جديدة، وتعرض للتوقيف من جانب السلطات الإسبانية، بعد تقدم السلطات الروسية بطلب رسمي للقبض عليه بتهمة اختلاس أموال، قبل أن يتدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون وسلفه إيهود باراك، لدى رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه ماريا أزنار، من أجل الإفراج عن غوسينسكي، ليغادر إلى إسرائيل في عام 2001.

ويملك «غوسينسكي» حصة الأسهم الرئيسية في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية وفي القناة التليفزيونية الإسرائيلية «RTVI»، كما تبعه في رحلة الهروب عدد كبير من رجال الأعمال، من بينهم  الملياردير نيفزلين، الذي قام معه بتهريب كمية كبيرة من الأموال من روسيا إلى إسرائيل.

الحال نفسه ينطبق على صاحب مجموعة البنوك الروسية «CBC» ألكسندر سمولينسكي الذي هرب من روسيا إلى النمسا، حاملًا معه ودائع تتعدى قيمتها المليار دولار، وكذلك  أندريه بورودين، وهو الرئيس السابق لمصرف موسكو، الذي فر إلى بريطانيا عام 2011 بعد فتح تحقيق في صفقة قروض ضخمة، قبل أن يبدأ استحواذات جديدة عبر شرائه عقارًا في مدينة هينلي المُطلة على نهر التمز، قيمته 140 مليون جنيه إسترليني بعد وصوله بريطانيا.

وحصل بورودين على حق اللجوء السياسي عام 2013، وشرع في انتقاد السلطات الروسية من ملجئه في بريطانيا قائلًا إن تهم الفساد الموجهة إليه «مفبركة»، وخاصة بعد معارضته استيلاء الدولة على مصرفه.

في نهاية حملة ولي العهد السعودي، نجحت المملكة في حصد مبلغ على هيئة تسويات تتراوح قيمته التقديرية حتى الآن بـ400 مليار ريال، وهو الرقم الذي يعادل نحو 12 ضعف الأرباح الصافية لكافة الشركات السعودية المدرجة خلال الربع الثالث من العام الماضي، بينما نجحت حملة بوتين في تنحية الجناح الموالي للرئيس الروسي السابق، وتفكيك روابط وأجنحة داخل السلطة، خشية تحركات معادية ضد بوتين.

 

ابن سلمان يُنهي نفوذ رجال الملك عبدالله.. وبوتين يحاصر رجال يلتسن

لا تبدو إجراءات بوتين وولى العهد السعودي حيال توقيف مئات من رجال الأعمال مقتصرة على حصد مكاسب اقتصادية فقط؛ فكل الإجراءات لها خلفيات سياسية تعدّ هي المُحدد الرئيسي، متمثّلًا في تقويض سلطات رجال الأعمال المحسوبين على أنظمة سابقة.

فقد تزامنت حملة بوتين تجاه رجال المال مع حملة إقالات واسعة للساسة المحسوبين على الرئيس الروسي السابق، حتى وصلت لفصل ابنة الرئيس السابق بوريس يلتسن من منصبها بالكرملين، فضلًا عن رجالات المال ممن لم تتوافق رغباتهم السياسية معه، وتصعيد مجموعات بديلة لهم.

أحد أقطاب المال الذين تصادمت طموحاته السياسية مع الرئيس الروسي في بداية ولايته هو ميخائيل خودوركوفسكي، أحد ملوك تجارة النفط، والرجل الأكثر ثراءً في روسيا آنذاك، عندما أصدر بوتين أوامره بالقبض عليه بتهمة التربح غير المشروع، والتهرب من الضرائب.

كانت الإشكالية الكُبرى للرئيس الروسي تجاه خودوركوفسكي هي محاولات «ملك النفط» تشكيل قوة مالية وسياسية مناوئة لبوتين، عبر تقديم دعم مالي لحزبين من أحزاب المعارضة في بدايات وصول بوتين للسلطة، وقيام أحد شركائه في نفس الشركة بتمويل النشاطات الشيوعية، قبل أن يصدر قرار بسجنه 10 سنوات في أحد السجون بسيبريا، وتنتزع منه شركة النفط لتؤول ملكيتها إلى شركة نفط حكومية روسية.

تتأكد الدوافع السياسية لحملة اعتقالات رجال الأعمال، مع ما أصدرته محكمة التحكيم الدولية في لاهاي، عام 2014، عن أن المسؤولين في الحكومة الروسية تلاعبوا بالنظام القانوني لدفع شركة يوكوس للإفلاس، وسجن ميخائيل خودوركوفسكي، كما طلبت المحكمة من روسيا دفع 50 مليار دولار تعويضًا لمساهمين سابقين في يوكوس.

لاحقًا؛ أصدر بوتين قرارًا بالإفراج عن خودوركوفسكي في 2003، بعدما تعهد بعدم التطرق إلي السياسة، قبل أن يُغادر روسيا في عام 2013، وينتقل للعيش في سويسرا، ويبدأ من جديد في مُناكفة الدب الروسي بعدما سلبه ثروته، ويشرع في التواصل مع ناشطين روس شباب، ويجهر بتصريحات عدائية لبوتين، عن المشاكل الكُبرى التي واجهت بلاده، تزامنًا مع تجدد ادعاءات أجهزة التحقيق الروسية حول التهم السابقة له.

يتشابه وضع خودوركوفسكي مع بلاتون ليبيديف، الرئيس السابق لبنك «ميناتيب»، إذ صدر قرارٌ باعتقاله في عام 2003، بعد توجيه تهمة الاحتيال والتهرب من دفع الضرائب، وسرقة كميات ضخمة من النفط؛ ليقبع بعد ذلك في أحد السجون الروسية بمقاطعة «أرخانجيلسك» شمال روسيا لـ10 سنوات كاملة، ويخرج بعد ذلك بعفو من جانب الرئيس الروسي.

في الحالة السعودية؛ لم يمض على توقيف المئات من رجال المال والسُلطة داخل فندق الريتز كارلتون سوى ما يزيد عن 60 يومًا، حتى انتهى هذا التوقيف بتسويات مالية حققت منها السلطات السعودية مئات المليارات، كما صادرت بعض الممتلكات كحال قناة «إم بي سي» mbc التى آلت ملكيتها لجهة حكومية، بعد أن كانت ملكًا لرجل الأعمال السعودي الوليد الإبراهيم. 

 

إحلال وتبديل.. الزعيم يصنع نخبته الاقتصاديّة

لم تكن محاولات بوتين عند القضاء على المجموعات النافذة من أصحاب الأموال المحسوبة على رئيسه السابق كاستراتيجية، لإنهاء دور القطاع الخاص، كما ظن البعض، والعودة ببلاده للزمن السوفيتي؛ بل سعى لاستبدال هذه الوجوه بمجموعة جديدة من رجال مال موالين له.

واحد من هذه الوجوه التى بزغت خلال ولاية بوتين كان رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي الإنجليزي لكرة القدم، والذي تتنوع استثماراته حول العالم في كافة القطاعات، إذ ساهم ارتباطه بعلاقة شخصية قوية مع بوتين، في بزوغه داخل دوائر السلطة، باعتباره واحدًا من داعمي الرئيس، والتى تجلت في حضوره ضمن وفد موسكو في زيورخ عند الإعلان عن فوز روسيا بحق استضافة كأس العالم، فضلًا عن تكفله بسداد النسبة الأكبر من المستحقات المالية لبناء وإعادة تأهيل عدة ملاعب، إضافةً لتحسين البنى التحتية السياحية وبناء الفنادق الجديدة لاستقبال الجماهير القادمة من كل دول العالم في صيف 2018.

تشمل قائمة رجال المال الموالين لبوتين والكرملين، أيضًا، ألكسندر خلوبونين، والذي ترأس مجلس إدارة شركة «نوريلسك نيكل» لاستخراج المعادن من ولاية كرازنويارسك، قبل أن يستثمر الكرملين نفوذه المالي بتعيينه مبعوثًا للرئاسة لمقاطعة شمال القوقاز، ثم نائبًا لرئيس الوزراء.

كذلك أوليج كوزِمياكو، صاحب أكبر شركة للمنتجات السمكية في روسيا، وليف كوزنِتسوف رجل الأعمال في قطاع النفط وعضو الدوما (البرلمان)، والذي تولى هو الآخر رئاسة ولاية كرازنويارسك بين عامي 2010 و2014، قبل أن يصبح وزيرًا لشؤون شمال القوقاز.

وتضمنت خطة بوتين لتعزيز نخبته المالية الموالية تصعيدهم في مناصب سياسية وتنفيذية دون الاكتفاء بإدارة الأموال والاستثمارات، باعتبارها وسيلة لمنحهم أكبر قدر من السيطرة في روسيا، وتوسيع صلاحياتهم بما يمنحهم قدرة أكبر على الاستثمار.

يتشابه الحال كثيرًا مع استراتيجية ولي العهد السعودي في تصعيد رجال أعمال موالين له، ومنحهم سلطات واسعة، وصلاحيات مفتوحة داخل المملكة وخارجها كحال تركي آل الشيخ، الذي مثل الواجهة الاستثمارية في قطاع الرياضة، عبر مشاريع رياضية تمتد في أغلب الدول العربية، وتصعيد خالد الفالح، والذي شغل منصب الرئيس التنفيذي السابق لشركة أرامكو السعودية، بالإضافة إلى ياسر الرميان، المشرف على صندوق الاستثمارات العامة السعودية، ونعمة طعمة، مدير شركة المباني للمشاريع والإنماء، والتي تحوز على معظم عقود الإعمار في السعودية، ومن بينها توسيع مطار الملك عبد العزيز الدولي وبناء جسور، ومحمد إياد كيّالي، رجل الأعمال الإسباني السعودي، ذي الأصول السورية، الذي يدير استثمارات الملك سلمان بن عبدالعزيز وعائلته منذ عقود، وقد ظهر اسمه في ملفات وعقود بيع أسلحة مع إسبانيا.

You might also like