لو نجحت الإمارات في خطتها.. ماذا ستخسر السعودية بانفصال اليمن؟
متابعات| شفقنا:
انشغل سكان محافظة البيضاء (وسط اليمن) قبل أيام، بحادثة وفاة «عبد ربه عبدالله الحسيني» وابنته وطفلها بالكوليرا، حيث ينهش المرض الوبائي الفقراء في ربوع الصحراء والجبال اليمنية، لكن سرعان ما ترك اليمنيون هذا المصاب جانبًا وانشغلوا باستشهاد امرأة وطفلين من أسرة واحدة، جراء غارة لطيران التحالف العربي استهدفت منزلهم بمحافظة تعز شمال اليمن.
على الجهة الأخرى، كان هناك من يريد فقط من العالم أن يستمع لصوت الطفلة اليمنية «ماريا قحطان» وهي تؤدي في برنامج «ذا فويس كيدز» الغنائي أغنية «مقادير» باحترافية عالية، قد تكون الإمارات هي من تريد أن يسمع العالم الصوت الجميل فقط من اليمن، فيما يصمت صوت الجرحى والشهداء والجوعى والمرضي والفقراء، حتى تستمر بتنفيذ أجنداتها، بينما السعودية التي تريد الخروج من المستنقع اليمني تغرق أكثر وأكثر يومًا بعد يوم مع توسع نفوذ أبو ظبي.
تقليم أظافر الشرعية بجهد إماراتي و«موافقة» سعودية
إن قيام دولة الجنوب المستقلة على حدود ما قبل 22 من مايو (أيار) 1990 ينسجم مع الموقف الخليجي.. رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي بعدن، عيدروس الزبيدي.
«الزبيدي»، وهو المعروف بقربه من الإمارات ألقى يوم الأحد الموافق 21 من يناير (كانون الأول) الماضي، بيانًا لم تترك مفرداته السياسية الحادة أي مساحة للتأويل والتفسير، فقد أعلن المواجهة المسلحة مع الحكومة اليمنية الشرعية، وطالب باسم المجلس المدعوم إماراتيًا، بإقالة حكومة «أحمد عبيد بن دغر»، متهمًا إياها بالإخفاق في توفير الخدمات، وبالفساد، وبتبعية قراراته لدول خارج اليمن.
ويخلص البيان إلى أنه «تؤكد المقاومة الجنوبية وبمسؤولية كاملة، وفي لحظة فارقة من تاريخ شعبنا الجنوبي، على الفعل الثوري في حماية مكتسبات شعبنا التاريخية وتعزيز أمنه واستقراره وأمن المنطقة عامة، والحفاظ على نسيجه الاجتماعي، وحماية خياراته واستحقاقاته السياسية وتحقيق تطلعاته المشروعة».
وتشهد «عدن» منذ 28 من يناير الماضي اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة، بين قوات الحماية الرئاسية، وقوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وبغض النظر عن صحة الحديث عن موافقة سعودية على التحركات الإماراتية في اليمن من عدمها، يبدو أن مستقبل السعودية مهدد بسبب التوغل والقمع الإماراتي في اليمن، فأبو ظبي مستمرة في إلقاء كل ثقلها السياسي والمالي والعسكري لاغتنام هذه الفرصة التاريخيّة لوراثة التركة السعودية.
يقول الكاتب اليمني، توفيق الحميدي أن الأحداث الأخيرة في عدن كانت متوقعة في ظل ضعف واضح لحكومة الشرعية في إدارة ملف المناطق المحررة وفسادها وبقائها في فنادق الرياض، وكذلك في ظل وجود موقف سعودي متذبذب وغير واضح تمامًا، مقابل دور إماراتي واضح في أهدافه ومقاصده خاصة في ظل تأسيس ونمو أذرعته الأمنية وتمديده على الشريط الساحلي اليمني وتجميده للموانئ اليمنية من أي دور خاصة عدن.
ويضيف «الحميدي» لـ«ساسة بوست»: «السعودية اليوم هي المسؤولة عن اليمن أمنيًا واقتصاديًا وأي حركة لا يمكن أن تتم دون علم أو معرفة السعودية، وبالتالي لا يمكن الحديث عما حدث في عدن بدون السؤال عن الدور والموقف السعودي المحير خاصة وأن نتائج الأحداث في عدن ستنعكس بصورة مباشرة ضد التحالف والبعد الأخلاقي والقانوني للحرب».
ويعتقد «الحميدي» أن السعودية على اتفاق مع حليفها الإماراتي على تقليم أظافر الشرعية وتركها بلا قوة، بحيث يصبح القرار الأول والأخير بيد قوات خارج السلطة، وبالتالي تفقد الثقة الشعبية والأخلاقية لوجودها وتحول اليمن إلى كيانات مليشية يمكن إيجاد صيغة وجودية شابة لها باتفاق، تمامًا كما حدث في اتفاق الطائف مع ميليشيات لبنان.
حرب أهلية وميدان مستباح عسكريًّا للحوثيين
يعد أمر تحول المناوشات العسكرية الأخيرة بين القوات الحكومية وقوات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، إلى معارك مفتوحة غير مستبعد، فالانفصال يعني حدوث ضربات متتالية على دول التحالف خاصة وفوضى عارمة في اليمن عامة، والأخطر من حدود تلك المعارك هو استفادة الحوثيين من تلك الفرص، خاصة أن الانفصاليين الساعين للسيطرة على الجنوب أصبحوا يتغزلون سياسيًا بالحوثيين، أي أن الأمور قد تتطور نحو التدحرج العسكري للقوات الحكومية في الميدان أمام الحوثيين.
يقول المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي إن الإمارات استطاعت أن ترسخ نفسها شريكًا مؤثرًا في مهمة تقسيم اليمن، عبر السيطرة العسكرية والأمنية على الأجزاء الحيوية من المحافظات الجنوبية، وجزرها وموانئها ومطاراتها، ويضيف: «من الواضح أن هذه المهمة ليست إماراتية خالصة، بل جزءًا من خطة مشتركة مع السعودية، بدت ملامحها تتضح الآن من خلال مخطط تفجير عدن وتمكين الانفصاليين، عبر خلق فوضى عارمة يعتقدون أنها يمكن أن تحمل اليمنيين على القبول بالخيارات السيئة ومنها الانفصال».
ويتابع القول: «وتتضح كذلك من خلال الانتشار العسكري السعودي في محافظة المهرة التي تعتبر أولوية سعودية بالنظر إلى وجود رغبة قديمة لها في الوصول إلى بحر العرب وخليج عدن، عبر اقتضام مساحة من الأرض بين الحدود المشتركة اليمنية العمانية لمد أنابيب النفط إلى ساحل خليج عدن».
ويشدد «التميمي» خلال حديث لـ«ساسة بوست» على أن هناك توزيع أدوار، وإن كانت الإمارات قد تصدرت مشروع التفكيك هذا بوقاحة لا سابق لها، يتضح من خلال التعاطي الإعلامي في وسائلها الإعلامية والتي تخدع الإماراتيين بأنها تحارب على أرضها وفي جغرافيتها لا تحارب انتصارًا لمشروع الدولة في اليمن.
من جانبه، يؤكد الباحث السياسي اليمني، نبيل البكيري أن الخطر الذي يتهدد المملكة وأمنها القومي كامن في شمال اليمن ممثلا بالانقلاب الحوثي وفِي حال ذهب جنوب اليمن إلى الانفصال فهذا يعني فشل العاصفة السعودية وتعقد التخلص من الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيًا في الشمال مما يعني بقاء المملكة تحت رحمة وتهديد سلطة الحوثي في الشمال، حسب «البكيري».
كذلك، يشدد الكاتب اليمني توفيق الحميدي على أن أي انفصال في اليمن سيصب بالدرجة الأولى لصالح الانقلاب الحوثي في صنعاء، وسيظهر التحالف بمظهر الخائن للشرعية ولأهداف وتطلعات الشعب اليمني وسيُكسب الحوثيين الكثير من المواقف وربما يدخل اليمن في مزيد من الحرب الأهلية التي ستكون السعودية الخاسر الأبرز منها سواء أمنيًا أو حتى عسكريًا في حدها الجنوبي أو مناطق أخرى.
ويتابع القول: «أي انفصال سيقوي الحوثيين عسكريًا باعتباره خيارًا واقعيًا على الأقل لدى العالم الخارجي، وسيجد الحوثي لافتات جديدة للحرب الدائرة يروجها لدى أنصاره ولدى الخارج ليكسب من خلالها مشروعية داخلية وخارجية، كما أن ذلك سيدخل اليمن في فراغ كبير سيترتب عليه المثير من المخاطر الأمنية والعسكرية وسيفتح الباب لنشاط جماعات متطرفة ونهب منظم قد تصيب حتى طرق التجارة العالمية في باب المندب وهذا لن يخدم أحدًا».
سقوط الشمال اليمني.. والمعارضة الشيعية السعودية في الحضن الإيراني
تأتي التطورات الأخيرة في اليمن متزامنة مع تعالي أصوات المؤسسات الحقوقية الدولية بإدانة الجرائم السعودية في اليمن، ومع استمرار المشاكل الداخلية في السعودية، والتي أضعفت ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، فـالتحديات على المستوى السياسي، هي أكثر شدة على السعوديين من عدة زوايا، أولها المزيد من التشكيك في نجاعة عمليات التحالف السعودي، وليس آخرها الخطر الإيراني.
وفي قراءة لتبعيات الوضع السياسي في اليمن على السعودية في حال نفذ المخطط الإماراتي، يمكن القول إن مشروع انفصال اليمن سيساعد على عودة الخصوم السياسيين إبان تسعينيات القرن الماضي، وقد يزيد من السباق المحتدم على الحكم في عدن، ويوضح المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي أن أكبر تهديد للسعودية ومستقبلها باعتبارها دولة يكمن في إمكانية أن يبقى الحوثيون قوة مؤثرة في الشمال ومرتبطة بالمشروع الإيراني؛ ستمثل ملاذًا للمعارضة الشيعية السعودية.
وكذلك يعتقد، الباحث السياسي اليمني، نبيل البكيري أن الخسارة السعودية السياسية من انفصال جنوب اليمن هي بمثابة إعلان فشل لعملية «عاصفة الحزم» وتراجع للدور والنفوذ السعودي في اليمن، وتمكن إيران من تعزيز نفوذها على شمال اليمن وجنوبه.
ويضيف البكيري لـ«ساسة بوست»: «التقسيم سينعكس على مطالب مماثلة في الجانب السعودي مذهبية وجهوية وإن بدت خافته، حاليًا وفِي أسوأ الأحوال ستضطر السعودية للتعامل مع نظامين أو ثلاثة أو حتى أربعة في اليمن الذي سيصير مفككًا، ولن تبقى مشاكله حبيسة الجغرافية اليمنية».
فحدوث انفصال فعلي في اليمن، يعني سقوط الشمال في الحضن الإيراني، حيث تزيد الخطورة على السعودية التي تعاني من مشاكل أمنية في جنوبها مع تنامي الحشد الشعبي في العراق، إضافة إلى أن المملكة أيضًا تعاني من مشاكل أمنية في حدها الجنوبي والمنطقة الشرقية التي تقمع فيها الطائفة الشيعية، مما يجعلها تواجه دعوات للانفصال بحراك إيراني طائفي ﻷبناء المناطق الجنوبية والشرقية.
وهنا يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني، محمود الطاهر إن: «السعودية ستخسر الكثير سياسيًا، فعدم تحقيق أهداف عاصفة الحزم، يعني تمكن الحوثيين من حكم الشمال اليمني لعقود والتوسع نحو السعودية»، ويضيف لـ«ساسة بوست»: «السعودية ستخسر كل أوراقها، ولن يعود لديها أي تأثير في اليمن، وهو ما يخالف أجندتها، وأهدافها في إنشاء تحالف وموالين قبليين لها، وستبقى محصورة من شيعة العراق وشمال اليمن؛ وهذا يهدد أمنها القومي.. وربما ستجد نفسها بين كماشة إيرانية ولن تستطيع الصمود».
عواقب اقتصادية أخطرها السيطرة على مضيق باب المندب
مجموع التحركات الإماراتية في اليمن تؤكد أن أهدافًا اقتصادية على رأس اهتمامات أبو ظبي، فقد توجهت الإمارات مبكرًا إلى موانئ اليمن الهامة والمخصصة لاستقبال البضائع والسفن، وتلك الموانئ المخصصة للنفط والغاز، فهي تخطط للاستيلاء على منابع النفط والغاز اليمنية في الجنوب، كونها تعلم جيدًا أن مخزوناتها من النفط والغاز الطبيعي لن تبقى إلى الأبد، فلا بد من مصادر جديدة تمكنها من الاستغناء عن الغاز القطري.
وتصر الإمارات على تنفيذ خططها بالسيطرة على جنوب اليمن، لتحقيق نفوذ بحري في الشرق الأوسط، فهي دخلت الحرب وعينها على مصالح اقتصادية واستراتيجية وهدفها الاستحواذ على مقدرات اليمن متجاوزة بذلك هدف التحالف بالقضاء على الحوثيين.
وفيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في اليمن، وبغض النظر عن الموقف السعودي من مطامع الإمارات، يؤكد نبيل البكيري أن عدم الاستقرار في اليمن يعني انهيار سوق العمالة في المملكة وموجات من النزوح، عدا عن تكاثر عصابات التهريب للسلاح والمخدرات وغيرها من المشاكل الأمنية التي ستنعكس اقتصاديًا على المملكة التي تعاني أيضًا من النواحي الاقتصادية، ويضيف البكيري: «الأخطر من هذا كله، السيطرة والتهديد لطرق الملاحة الدولية في مضيق باب المندب الذي يمر فيه يوميًا ما يقارب ثلاثة ملايين برميل نفط خليجي».