أحداث عدن.. رسائل سعودية لم يفهمها هادي
متابعات| العربي| جمال عامر
طالما كان هادي بالنسبة لأبوظبي رجلاً سيئاً وعديم النفع، إلا في ما له علاقة بكونه رئيساً تم تسويق شرعيته على المستوى الدولي ليكون حاملاً لكل تبعات جرائم القتل في الحرب على اليمنيين، وهو مسوّغ تتشاركه مع الرياض دون أن تفصح عنه الأخيرة علناً، حتى مطلع الأسبوع الماضي حين تفجّر الصراع بين قوات هادي والقوات التابعة للإمارات المنضوية تحت مسمى «ألوية الحزام».
أخفت حجة فساد الحكومة حقيقة ما لم تعد تحتمله أبوظبي من تنامٍ لقوة عسكرية تتبع هادي، بدأت تكبر أكثر مما هو مسموح به، فيما قوامها قيادات وأفراد محسوبون على «الإخوان المسلمين» واتجاهات متطرّفة على علاقة بتنظيمات إرهابية، هي من تسهّل نجاح عملياتها، وهو الاتهام الذي ساقه ولي عهد الإمارة لولي عهد المملكة مشفوعاً بدليل أن قطر حين كانت لا تزال ضمن «التحالف» هي من أعدّت وموّلت هذه القوات، بحسب مصدر وثيق الصلة بما يجري.
وتابع المصدر أن هذه القوات قد خالفت توجيهات لـ«التحالف» بعدم تدخلها في شؤون الأمن بل وسارعت بدلاً عنه بالانتشار في مربعات داخل عدن وأبت الخروج منها كما أن هادي رفض توجيه هذه الألوية بالمشاركة في جبهات تعز والساحل الغربي، وهو ما جعل قرار استئصالها أو إضعافها وتحييدها إلى الحد الذي يستبعد خطرها في الحاضر والمستقبل ضرورة لحماية أهداف التحالف في مواجهة «الحوثيين»، بعد ما تبدى من أن حلف لهادي مع «الإصلاح» وعلي محسن، قد أصبح حجر عثرة أمام توجه بن زايد في إنشاء قوة عسكرية وسياسية يقودها نجل وابن أخ الرئيس السابق علي صالح، تكون بديلاً لـ«الإخوان» في الشمال.
حين بدأ القتال عقب أسبوع من مهلة أعلنها «المجلس الانتقالي»، كان هادي في قمة الركون على احتياج حليفته السعودية لشرعيته الذي ظن أنها لن تجعلها في مضمار قمار، وبالتالي فإن تدخلها سيكون حاسماً في وقته وزمنه، ونسيت وقاتل الله النسيان، أن شرعيته ليست أكثر من اختراع فرضته الحاجة وسوقته المصالح.
نسي هادي أو تناسى أنه منفي ويكاد أن يكون تحت اقامة جبرية فيما هو غير مقبول في أي محافظة داخل بلده التي يمثلها سواء بالادعاء أو بحكم الإعتراف الدولي. وفي غرور المبالغة بحجم أهميته، لم يدرك فحوى الرسالة التي أوصلتها المملكة عبر «التحالف» في بيانه الأول على اقتتال يعرف مساره كما يعلم نتائجه، أكد فيه حياده بوصفه للجميع باعتبارهم مكونات يمنية، مطالباً بالتهدئة وضبط النفس، مرجعاً أسباب الصراع إلى بعض المطالَب الشعبية بتقويم بعض الاختلالات في القطاع الحكومي.
وهو غير ما أعلن عنه هادي وحكومته، باعتبار أن ما يجري هو «انقلاب على الشرعية»، وتمرد يوجب تدخل المملكة لقمعه بعد أن اعتبرت الإمارات طرفاً.
أيضاً لم يستوعب البيان الثاني لـ«التحالف» مع أنه جاء أكثر إفصاحاً ووضوحاً لرؤيته بعدم ذكر «الشرعية»، ومساوياً بين المتحاربين، متجنباً الإشارة إلى ما يوحي بتمييز أي منهم، محملاً من وصفهم بجميع الأطراف عدم الاستجابة لنداءات التهدئة، وطالبهم بسرعة إيقاف جميع الاشتباكات وإنهاء جميع المظاهر المسلحة، مؤكداً على استشعار المسؤولية في توجيه دفة العمل المشترك مع التحالف لاستكمال تحرير كافة الأراضي اليمنية، وهو ما يفهم أنها إشارة واضحة بدعم توجهات مشاركة طارق صالح في الحرب القائمة.
إلا أن ما لا يتوافق مع البداهة أنه حتى بعد هزيمة القوات المحسوبة على هادي ومحاصرة حكومته لازالت الأخيرة تصف ما حدث بالتمرّد ومحاولة الإنقلاب على الشرعية، ملوّحة باللجوء الى مجلس الأمن باعتباره انتهاكاً سافراً لقراره رقم 2216.
وبغباء قل نظيره، لازالت تراهن على الاستقواء بالنظام السعودي على رغم تأكيدات وزير الدولة لشئون الخارجية الإماراتي من أن موقف حكومته هو موقف السعودية، ساخراً ممن يسعى إلى الفتنة، موضحاً، أمس الجمعة، في تغريدة على «تويتر»، أنه من الضروري التأكيد لأصحاب الفتن ولمحبي التصيّد في المياه العكرة، بأن الموقف الإماراتي مرآة للتوجه السعودي «نبني شراكة استراتيجية تشمل أزمة اليمن وتتجاوزها».
وهو ذات ما أكدته اللجنة الامنية العسكرية المشتركة بعد وصولها عدن من أن الدولتين هدفهما واحد ورؤيتهما مشتركة، إلا أنه ومع كل ما سبق، فإن هادي وحكومته لازالوا يتعلقون بقشة خوف الغرق من خلال المضي بالادّعاء بتحقيق نصر مزعوم على قوات «المجلس الانتقالي»، بدلالة استعادة الالوية الرئاسية لمواقعها وبقاء الحكومة في«معاشيق»، مع أن الحقيقة التي يدركها الجميع تتمثل في:
– عدم دخول مقرّ الحكومة كان بسبب توجيه «التحالف» بالاقتصار على محاصرتها، كما أن المواقع تم تسليمها ولم يتم استعادتها بمعركة عسكرية، كذلك تسليم حماية الجنوب وعدن لقوات «الحزام الأمني» رسمياً، واقتصار «ألوية الحماية» التي تشتت شملها وانضم بعض كتائبها لخصومه، على تأمين موكب الرئيس والحكومة، وحماية القصور الرئاسية فقط.
– تغيير عدد من قادة ألوية الحماية بقيادات سلفية موالية للإمارات وتأجيل البتّ بمصير اللواء الرابع وقائده مهران القباطي.
– إقالة من ثبت ولاؤه لهادي من قيادات «ألوية الحزم» وأحد هؤلاء قائد قطاع زنجبار في محافظته أبين محمد العوبان.
– تخلي «الإصلاح» وعلي محسن عن مناصرة هادي، وإن ببيان، والتزامهم الحياد وترك المهمة لإعلامهم وقناة «الجزيرة».
– تثبيت الانفصال على الواقع وترك إعلانه إلى ما بعد تحقيق انتصار على «الحوثيين»، أو في حال تم نقل المعركة إلى العاصمة صنعاء.