كما كان متوقعاً، أنهى المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مشواره الدبلوماسي، كوسيط أممي بين الأطراف اليمنية، دون إحداث أي اختراق في جدار الأزمة، ودون تحقيق أي نجاح، طوال فترته التي بلغت قرابة ثلاثة أعوام.
وفي حين كان من المتوقع أن يكون نائب المبعوث الدولي، معين شريم، هو من سيخلف ولد الشيخ في منصبه، جاءت التوجهات الأممية عكس ذلك؛ حيث أكدت المعلومات توجه الأمم المتحدة نحو تعيين مارتن غريفيث، البريطاني الجنسية، مبعوثاً جديداً. ليبقى السؤال الآن لدى اليمنيين: ما الذي يمكن أن يحدثه هذا المبعوث الجديد؟ وعلى ضوء قراءتهم لبعض جوانب من سيرة الرجل يحاول البعض الإجابة عما يمكن أن يحدثه الرجل. 

إضافة إلى عمله في الأمم المتحدة ومراكز معنية بالنزاعات، يعتبر غريفيث محاضراً في العلاقات الدولية وواحداً ممن وضعوا تعريفاً لـ«دبلوماسية متعددة المسارات في حل النزاعات» التي يعتقد أنها وسيلة «الحلفاء للتعاون» و«الخصوم لحل النزاع دون استخدام القوة».
هو مؤلف كتاب «العلاقات الدولية: المفاهيم الأساسية»، ودرّس خمسين مفكراً في العلاقات الدولية ونشر ذلك في كتاب، كما أنه مؤلف «المثالية والواقعية في العلاقات الدولية». 
وقاد المبعوث الجديد شبكات من الحوارات بعد 2010 بين الحكومات والمتمردين في عدة دول في آسيا وأفريقيا، في جنيف، وعمل على تطوير اتفاقيات السلام. خدم في الخارجية البريطانية ويعمل محاضراً في جامعة أسترالية. 

في ندوة في الرياض، عقدت في الـ 11 من نوفمبر الماضي، تحدث مارتن غريفيث، عن الحرب في اليمن، وعن إمكانيات وفرص الحل السياسي، حيث قال غريفثتس إن الحرب في اليمن تختلف عن الحرب في سورية، ففي سوريا الحل أمر ممكن، ولكن فرص الحل تتضاءل في اليمن مع مرور الوقت، فالأزمة الاستثنائية في اليمن ذات بعد إنساني، وهي أسوأ من العراق وجنوب السودان، وهذه مأساة اليمن التي زاد تفاقمها وجود نزاع بين أطراف تحارب بالوكالة، مشيراً إلى أن «الأزمة في اليمن استثنائية ويمكن حلها، لكن يجب أن يكون حل وتسوية الخلافات بين 

اليمنيين أنفسهم، وأن يكونوا مستعدين للمفاوضات، وأن تكون هناك حلول مبتكرة من قبل المؤسسات اليمنية، فاليمن تحتاج إلى بناء بيئة سياسية جديدة، تضم المؤسسات السياسية وجماعات المصالح والأحزاب».
واقترح الخبير الدولي، لعمل مفاوضات ناجحة في اليمن، أن لا يكون هناك وقف لإطلاق النار دون تأييد سياسي، مع إشراك القبائل في الحل، وليس الجنوب فقط، فهذا شيء مهم وضروري، حتى يتم منح اليمنيين فرصة المشاركة السياسية وبناء يمن جديد، محذراً من العزلة بالنسبة لـ«أنصار الله»، إذ تؤدي إلى تعنتهم في اتخاذ المواقف. ولفت إلى أن اقتصاد الحرب قد يضر بمصالح الكثيرين، ولكنه في الوقت ذاته يفيد آخرين، مبيناً أن حرب اليمن يمكن حلها.

بحسب مراقبين، فإن تعيين الأمم المتحدة مبعوثاً جديداً إلى اليمن، يمثل فرصة جديدة لإنقاذ الأطراف اليمنيين من السقوط، والفشل الذريع في الحرب. وسيسعى المبعوث الجديد إلى إثبات نفسه والبدء بجولة جديدة من المفاوضات، قد تبدأ من الصفر، بين حكومة «الشرعية» من جهة، والتي يتوقع مراقبون أنها ستتعرض لضغوط كبيرة في الفترة المقبلة للقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات، ومن جهة أخرى حركة «أنصار الله» التي يفترض الآن أيضاً، وبهذا التعيين، أن تعتبر ذلك فرصة لها للدخول في حوار جاد وحقيقي. في حين يرى سياسيون أن تعيين مبعوث أممي جديد إلى اليمن يكشف أن المراحل ما تزال طويلة أمام استعادة مسار الحل السياسي.

وعن هذا التعيين، وما يمثله، وهل سيحدث الأمر فرقاً، يقول المحلل السياسي، وضاح الجليل، في حديث إلى «العربي»: «من البديهي أن المبعوث الأممي لا يملك أي سلطة فعلية تخوله فرض الحلول أو ممارسة الضغوط، أو حتى تقديم الحلول، بل إن الأمم المتحدة نفسها لا تملك هذه السلطة والقدرات، وما هي إلا أداة من أدوات القوى الكبرى في الغرب لتنفيذ مختلف الأجندة، ومن بين هذه الأجندة، إدارة النزاعات». ويتابع: «ولد الشيخ استمر قرابة ثلاثة أعوام يذهب ويجيء بدون تقديم أي جديد في الأزمة اليمنية، دون أن يصل إلى نتيجة أو يقدم أي جديد، سوى أن مهمته تحولت إلى الجانب الإنساني، وسعى خلال هذه الفترة إلى وضع حلول واقتراحات للتخفيف من الأزمات الإنسانية التي تسببت بها الحرب، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث دون إنهاء الحرب والأزمة».
وبحسب الجليل، تكلل فشل ولد الشيخ بإعلانه عن موافقة كافة الأطراف على الدخول في جولة مفاوضات جديدة؛ قبل أن يقدم استقالته في اليوم التالي، ولم يكن ذلك الإعلان سوى محاولة لإثبات استمرار جهوده، لكن عندما انكشف كذب الإعلان، اضطر إلى تقديم استقالته. ويضيف: «أما المبعوث الجديد، فكما تشير سيرته الذاتية إلى خبرته وتخصصه في المفاوضات وإدارتها، وهذا يؤكد ما أشرت إليه سابقاً من أن الأمم المتحدة ليست سوى أداة بيد القوى الكبرى، هذه القوى التي أرادت للأزمة والحرب أن تطول وتستمر فأتت بإسماعيل ولد الشيخ المتخصص في الملفات الإنسانية والإغاثية، والآن يبدو أنها تريد أن تصل باليمن إلى تسوية سياسية».
ومن هذا المنطلق، وبحسب الجليل أيضاً، يمكن القول إن المبعوث الجديد بخبرته وجنسيته وتخصصه هو مبعوث الأمر الواقع؛ بمعنى أنه سيأتي إلى المنطقة لفرض نهاية للاشتباكات بناء على تسوية سياسية تحفظ ما تحقق لكل الأطراف، ومنع الحسم العسكري، وهو ما يعني «إنقاذ الحوثيين من السقوط»، حسب تعبيره.
من جهتها، ترى الناشطة والصحافية، كفى الهاشلي، أنه «الآن أصبحت القوى الدولية حاضرة بشكل معلن، وهذا الأمر عادة لا تلجأ له الأمم المتحدة: تكليف شخص من دولة عظمى لها ارتباط قديم بالدولة المراد حل نزاعها. ولهذا أعتقد أن مارتن سيقطف جهود غيره، وهذه صفة بريطانية، ويفرض سلاماً هشاً يؤسس لحروب قادمة».