متابعات| ساسة بوست| مترجم عنGulf tension: Are Egypt and Sudan about to go to war?للكاتب Mohammed Amin

يقول محمد أمين، الصحافي في موقع «ميدل إيست آي»، إن حدة التوتر تصاعدت بين مصر والسودان هذا الأسبوع وسط عمليات حشد عسكرية على حدودهما، وثمة مخاوف من أن الأزمة في الخليج تتمدد الآن إلى شرق أفريقيا. وأعد أمين تقريرًا حول ما إذا كانت هناك حرب محتملة بين البلدين، وفيما يلي ترجمة كاملة للتقرير:

وأفادت وسائل الإعلام التركية في الرابع من يناير (كانون الثاني) أن قوات مصرية وصلت إلى إريتريا، الواقعة على الحدود مع شرق السودان، بدعم من الإمارات العربية المتحدة وجماعات المعارضة من المنطقة. وفي اليوم ذاته، استدعى السودان سفيره من القاهرة، ثم أعلن بعد يومين حالة الطوارئ في ولاية كسلا، القريبة من إريتريا، وأغلق الحدود دون تفسير. وقد قال شهود عيان في كسلا إن أعدادًا كبيرة من القوات قد توجهت نحو المنطقة الحدودية.

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد إن القاهرة «تقوم بتقييم الوضع بشكل شامل بهدف اتخاذ موقف مناسب».

ويأتي هذا التوتر بعد أسابيع قليلة من وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم تركي منذ انسحاب الإمبراطورية العثمانية من السودان في عام 1885. وقد وقعت كل من السودان وتركيا 13 اتفاقية خلال زيارة ديسمبر (كانون الأول)، بما في ذلك اتفاقات عسكرية.

ولم تعلق القاهرة رسميًا على زيارة أردوغان إلا أن وسائل الإعلام الموالية للحكومة اتهمتها بأنها مؤامرة ضد الأمن القومي المصري. ونفت الخرطوم بدورها الاتهامات المصرية، وقالت إن القاهرة ليس لها الحق في التدخل في القضايا السودانية.

وخلال العام الماضي، تحالفت السودان ومصر، اللتان لديهما عداوة ممتدة منذ أمد بعيد، بشكل متزايد مع تكتلات متعارضة في الشرق الأوسط. تحظى مصر بدعم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهما الداعمان الرئيسيان للحصار المفروض على قطر منذ شهور. وفي الوقت نفسه تحالف السودان مع قطر وتركيا التي تملك قاعدة عسكرية في المملكة الخليجية.

وليست هذه هى المرة الأولى التي تتداعى فيها العلاقات بين البلدين.

السبب الأول: الحدود المتنازع عليها

بصرف النظر عن إريتريا، أدى نزاعان إقليميان آخران إلى توتر العلاقات السودانية المصرية خلال نصف القرن الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن إقليم دارفور في غربي السودان قد تعرض للحرب على مدى العقدين الماضيين، حيث لقي ما لا يقل عن 300 ألف شخص مصرعهم ونزح ما لا يقل عن 2.7 مليون نازح.

وفي مايو (أيار) من العام الماضي، قال الرئيس عمر البشير: «استولى الجيش السوداني على عدة مدرعات مصرية في العمليات القتالية الأخيرة في دارفور». كما اتهم سابقًا أجهزة المخابرات المصرية بدعم الشخصيات المعارضة التي تقاتل قواته في مناطق النزاع في منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان.

إلا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفض الاتهامات وقال إن القاهرة لا تلعب دورًا في دارفور. كما رفض قادة المتمردين تعليقات البشير.

هناك أيضًا مثلث حلايب في شمال السودان، الذي تديره مصر على مدى العقدين الماضيين، والذي تقول عنه القاهرة إنه أراض مصرية. وقد تنازعت مصر والسودان على المنطقة الغنية بالمواد المعدنية والنفط منذ استقلالها في عام 1956. وقد زادت القاهرة وجودها العسكري في المنطقة منذ عام 1996 بالرغم من الشكاوى المتكررة التي قدمتها الخرطوم إلى مجلس الأمن الدولي ودعوتها إلى حل النزاع من خلال التحكيم.

في يناير (كانون الثاني) 2016، وضع السودان قواته على أهبة الاستعداد على الحدود مع مصر، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها بذلك منذ 60 عامًا، قائلًا إن الجيش المصري «يستفز» الجيش السوداني في المنطقة المتنازع عليها.

السبب الثاني: العلاقات مع تركيا

عانت الخرطوم من الفقر الدبلوماسي والاقتصادي خلال العقد الماضي. ولا يزال البلد خاضعًا لعقوبات دولية نتيجة للصراع الدائر في دارفور، في حين لا يزال البشير مطلوبًا من المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم إبادة جماعية. استولى جنوب السودان على ثلاثة أرباع عائدات النفط في البلاد عندما حصل على الاستقلال في عام 2011.

ولا عجب منذ ذلك الحين أن يسعى السودان إلى تحالفات دولية طالما كان ذلك ممكنًا. ذكر أردوغان خلال زيارته أن البلدين يهدفان إلى تعزيز التجارة الثنائية من 500 مليون دولار سنويًا إلى مليار دولار في المرحلة الأولى ثم إلى 10 مليارات دولار.

وفي الوقت نفسه، ترغب تركيا في تعزيز نفوذها في المنطقة، على الأقل بالقرب من طرق التجارة الدولية التي تمر عبر قناة السويس إلى الشمال والخليج من الشرق. وتنشط أنقرة عسكريًا في الصومال المجاورة منذ عام 2009، عندما انضمت إلى فرقة العمل متعددة الجنسيات لمكافحة القرصنة قبالة الساحل الصومالي.

في سبتمبر (أيلول) 2017، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية في الخارج في العاصمة الصومالية، مقديشو. وتفيد التقارير أنها تكلفت 50 مليون دولار، وسوف تتكفل بتدريب 10 آلاف من القوات الصومالية، وفقًا لمسؤولين تركيين وصوماليين.

وقال أحمد كافاس، السفير التركي السابق في جمهورية تشاد ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الأفريقية، لموقع «ميدل إيست آي» إن وجود تركيا في أفريقيا أكثر منطقية من وجود أي بلد آخر. وأوضح كافاس: «إذا كان عليكم التفكير في أي دولة يجب أن تكون موجودة في أفريقيا فإن هذه الدولة ستكون تركيا. كان هذا استثناءً في القرن العشرين، عندما كنا غائبين إلى حد كبير عن القارة، ودخل الأوروبيون الغربيون».

اثنتان من الصفقات التي وقعت خلال زيارة أردوغان كانتا قد أثارتا اهتمام القاهرة. الصفقة الأولى هي منح السودان جزيرة سواكن في البحر الأحمر إلى تركيا لمدة 99 عامًا. على مر القرون كانت هذه الجزيرة مفترق طرق تجاريًا بين أفريقيا وأوروبا والخليج، فضلًا عن بوابة للوصول إلى شبه الجزيرة العربية لأغراض الحج. تاريخيًّا، هي موطن لعدة مواقع قديمة، يعود تاريخها إلى عهد استعمار الإمبراطورية العثمانية للسودان في القرن الثامن عشر.

وقالت تركيا إن أجزاء من الجزيرة ستستعيدها وكالة التعاون والتنسيق التركية ووزارة الثقافة والسياحة. لكن أسامة الحسيني، رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية، قال في مطلع يناير الماضي إن الخرطوم وتركيا اتفقتا سرًا على إنشاء قاعدة عسكرية في الجزيرة، مما يهدد الممرات البحرية للبحر الأحمر.

وتتيح الصفقة الثانية لتركيا تعزيز وجودها في المياه الإقليمية السودانية عبر وزارات الشرطة والأمن والجيش والدفاع، ظاهريًا لحماية السفن البحرية السودانية ومكافحة الإرهاب.

وقال الخبير الأمني السوداني الجنرال المتقاعد العباس الأمين إن الوجود التركي المتزايد في البحر الأحمر يشكل «طفرة في الطموحات التركية التي تثير قلق الدول العربية المتحالفة مع السعودية وخصوصًا مصر». كانت هناك شكاوى حول الصفقات من داخل السودان.

من جانبه، يقول عبد الله موسى، وهو عضو بارز في حزب المؤتمر الذي يمثل حركة متمردة سابقة في شرقي السودان، التي وقعت اتفاق سلام مع الحكومة في عام 2006، إن هذه الخطوة «تشكل انتهاكًا للسيادة السودانية التي ستضع السودان في وضع حرج وسط صراعات إقليمية»، وإن مصر ودول الخليج يمكن ابتزازهما إذا ما أغلقت المياه مما يعطل طرق النفط إلى الأسواق الدولية.

غير أن السفير التركي لدى السودان عرفان نيزيروجلو نفى أن تكون تركيا متورطة في شؤون دولية على أراض سودانية. وقال إن تركيا والسودان ليس لديهم ما يخفونه على البحر الأحمر أو جزيرة سواكن. وأضاف أن ما أعلناه ​​هو ما سيحدث في البحر الأحمر.

 

السبب الثالث: التحالفات الخليجية

شهدت أزمة الخليج التي بدأت في صيف عام 2016 تقسيم الشرق الأوسط بين كتلة معارضة لقطر تضم السعودية والبحرين والإمارات ومصر وكتلة مؤيدة للدوحة تشمل تركيا وإيران.

وقال عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية: «إن الخرطوم براجماتية بشكل واضح وانتهازية لأنها تقفز من مخيم إلى آخر دون أي أهداف استراتيجية سوى كسر عزلة النظام».

ونقل التليفزيون المصري عن الحاج وراق، المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة حرييت التركية، قوله إن الطموحات التركية دفعت الخرطوم إلى بناء شراكتها الحالية مع أنقرة، لكن هذا قد يضع السودان في موقف صعب. وأوضح وراق أن السودان تحوَّلَ من التحالفات مع إيران إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن إلى تركيا وقطر. وأضاف أن «لعب دور المحور الإقليمي للحصول على بعض المنافع سيترتب عليه أثر خطير على السودان».

فيما يعود موسى يحذر من أن السودان يخاطر بأن يكون اليمن المقبل. هناك، دمرت ثلاث سنوات من الحرب بين الجانبين المدعومين من منافسي السعودية وإيران البلاد. وقال موسى: «من أجل حل أزمتها الاقتصادية، تضع الخرطوم البلاد وسط الاستقطاب الإقليمي، بيد أن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة».

السبب الرابع: أكبر سد في أفريقيا

تشعر مصر بقلق عميق إزاء تأثير سد النهضة الإثيوبي الكبير على إمدادات المياه، الذي يجري بناؤه حاليًا بالقرب من الحدود بين إثيوبيا والسودان، وسيصبح الأكبر في القارة. وتأمل أديس أبابا أن يرفع المشروع الذي تبلغ قيمته 5 مليارات دولار شريحة كبيرة من أكثر من 80 مليون شخص من براثن الفقر، فضلًا عن السماح لها ببيع الطاقة المنتجة وتعزيز الاقتصاد.

ولكن في مصر، حيث يعيش حوالي 90% من السكان على ضفاف النيل أو بالقرب منها، هناك مخاوف من أن يكون هناك كميات أقل من المياه لري المحاصيل. كما تعرب القاهرة عن قلقها من أن السودان، الذى يتدفق النيل عبر أراضيه، سوف يدعم إثيوبيا في محادثات السد.

صور من عمليات إنشاء سد النهضة – إثيوبيا.

في ديسمبر (كانون الأول)، ذكرت وسائل الإعلام الإثيوبية أن مصر تريد استبعاد السودان من المحادثات ودعوة البنك الدولي للتحكيم. ونفت وزارة الخارجية المصرية هذا الاقتراح مؤكدة أن السودان جزء من المحادثات ولا يمكن استبعاده.

لكن دبلوماسيًا سودانيًا طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام قال لـ«ميدل إيست آي» إن التقرير كان صحيحًا، مضيفًا أن «الموقف المصري من السد أمر مؤسف، وهذه التحركات من مصر غير مقبولة لأنها لن تؤدي إلا إلى المزيد من التعقيدات خلال المحادثات حول السد بدلًا من حل النزاعات».

 

السبب الخامس: الإخوان المسلمون

جاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة بعد أن أطاح بسلفه محمد مرسي من منصبه في يوليو (تموز) 2013. كان مرسي عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة الآن في مصر، وقد تعرض أعضاؤها لمحاكمات غير عادلة، والتعذيب، وفقًا لمجموعات حقوق الإنسان.

تظاهرات مناهضة للانقلاب العسكري في مصر.

وعلى النقيض من ذلك، انتقل البشير إلى السلطة في عام 1989 وسط انقلاب عسكري تدعمه الإخوان وزعيمها حسن الترابي الذي أطاح به الرئيس الحالي في وقت لاحق عندما انقسمت المنظمة في عام 1999. واتهمت وسائل الإعلام المصرية الموالية للحكومة السودان بإيواء أعضاء مصريين من الإخوان، وهو اتهام نفته السلطات السودانية.

تحت عنوان «البشير والانتحار السياسي»، كتب عماد أديب، كاتب عمود في صحيفة «الوطن» المصرية، أن «السودان يتآمر مع تركيا وقطر ضد مصر».

كانت تركيا داعمًا لجماعة الإخوان: في فبراير (شباط) 2017، قال أردوغان إنه لا يعتبرها «جماعة مسلحة»، بل هي في الواقع منظمة أيديولوجية، وإنه إذا تم ربطها بالإرهاب فسوف يتم إقصاء أعضائها من تركيا.

ويرى حسن علي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، أن التوتر بشأن جماعة الإخوان هو علامة على الانقسام الأيديولوجي بين الحكومة الإسلامية في الخرطوم والقيادة في مصر، التي عليها أن تواجه بشكل متزايد الهجمات في سيناء منذ الإطاحة بمرسي. وأضاف: «إن هذه الاختلافات الأيديولوجية هي السبب الرئيس للتوتر بين الجانبين، والقضايا المتبقية بما فيها حلايب والسد الإثيوبي وغيرها هي قضايا معلقة تستخدم كأوراق من الجانبين للضغط على بعضهما البعض».

إذن هل ستكون هناك حرب؟

مع ذلك، على الرغم من الخلافات حول السدود والإخوان والجزر وتكتلات القوى، يعتقد الخبراء أنه ليس من مصلحة أي من البلدين الدخول في حرب.

ويعتقد المحلل السياسي السوداني عبد المنعم أبو إدريس أن التوتر الحالي من غير المحتمل أن ينحدر من المناطق الدبلوماسية والإعلامية إلى صراع عسكري مفتوح. وقال إن البلدين يعانيان من أزمات اقتصادية عميقة، الأمر الذي سيحد من قدرتهما على القتال أو الانخراط في التصعيد.

وأضاف أبو إدريس: «منذ عام 2011، تعاني هاتان الجارتان من تدهور اقتصادي، فقد السودان معظم عائداته النفطية منذ انفصال جنوب السودان في ذلك العام. وتعرضت السياحة المصرية التي تعد قطاعًا حيويًا للاقتصاد المصري لهجمات إرهابية مستمرة».

وتتوجه مصر أيضًا إلى صناديق الاقتراع في مارس (آذار) المقبل، كما أن موجة من الحماس القومي، التي أثارتها العلاقات مع السودان، قد تعزز يد السيسي بخلفيته السابقة وزيرًا للدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة ومدير الاستخبارات العسكرية.

ويعتقد إدريس أيضًا أن كل جانب «يحاول خلق عدو وهمي للفت انتباه الشعبين في كلتا الدولتين عن احتياجاتهم الواقعية واليومية، اللتين فشلتا في توفيرها». وأضاف: «حتى الوجود العسكري المصري في السودان، خاصة في حلايب، قديم ويعود إلى عام 1996 لذا لا أعتقد أن هناك شيئًا جديدًا في هذا الصدد».

وعلى الرغم من تعهدات تركيا بدعم الخرطوم في أي هجوم مصري على ساحل البحر الأحمر، فإن كلا الجانبين ليس على استعداد للحرب نظرًا لأوضاعهما الصعبة. فيما قال الحاج حمد مدير المركز السوداني للتنمية الاجتماعية والبشرية، إن «الأنظمة الديكتاتورية في هاتين الدولتين تريد فعلًا توجيه انتباه الناس بعيدًا عن أزماتهم الداخلية». وأضاف ختامًا، إنه لا يمكن لأي من الجانبين تحمل حتى التظاهر بالانخراط في حرب مفتوحة. وأضاف: «لا أعتقد أنهم سيذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك».