حلف ثلاثي الأضلاع بتمويل سعودي لإضعاف محور المقاومة وضرب القضية الفلسطينية
تطفو التوقّعات مرة بعد أخرى بالحديث عن احتمال وقوع حرب وشيكة في المنطقة تدور رحاها بين “إسرائيل” وحزب الله في لبنان، ولكن لا مؤشرات فعلية وميدانية على إمكانية وقوع هذه الحرب في المدى المتوسط وليس فقط في المدى القريب، لا بل إن “إسرائيل” تسعى جاهدة للحيلولة دون وقوع حرب، واستبدلت ذلك بتكتيك أطلق عليه المسؤولون العسكريون للعدو تسمية “معركة بين الحروب”، بحيث يقوم العدو بتنفيذ اعتداءات محدودة لا تصل إلى حدود شن حرب ولا تدفع باتجاه رد فعل يتطوّر باتجاه حصول مواجهة شاملة.
ولا تقف المسألة عند الحسابات العسكرية بل عملت واشنطن على خيارات رديفة تأمل في أن تترك تأثيرها في المنطقة، لا سيما بعد نجاح أمريكا و”إسرائيل” في تظهير المعادلة العربية وعلى رأسها السعودية ودول الخليج، ضمن خانة المعاداة لحلف المقاومة والممانعة الذي تتزعمه إيران ويشكّل حزب الله اليد الضاربة فيه، وعليه فقد اتفقت الأضلاع الثلاثة الأمريكية – الإسرائيلية – السعودية على أجندة عمل في المرحلة المقبلة تقضي بالتالي:
1. العمل على إضعاف البنية الداخلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، من خلال خلق التوتّرات وإذكاء نار المشاحنات بين القوى السياسية، وصولاً إلى إحداث انقسام داخلي تحت عنوان المطالب الشعبية التي تنادي بتحسين الأوضاع المعيشية، ورفع مستوى الانتقاد للسياسات الاقتصادية التي يقودها رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني، وهذا ما يساهم في دفع القيادة الإيرانية للارتداد إلى الداخل بهدف المعالجة وإعادة ضبط الأمور، وبالتالي تشتيت مفاعيل التحكّم والسيطرة لهذه القيادة على الملفات الخارجية ولا سيما لجهة دعم حزب الله والانتفاضة، وتقليص حجم الحضور الإيراني في العراق وسوريا.
2. الحيلولة دون وصول أسلحة كاسرة للتوازن إلى أيدي حزب الله، وأولج هذا الدور إلى “إسرائيل” التي تقوم طائراتها الحربية من حين إلى آخر بضرب أهداف متفرقة محصورة الآن في سوريا، وهذا الأمر يساهم في محدودية الدعم التذخيري من جهة، وتلافي نماء الترسانة الصاروخية المتعاظمة التي تملكها المقاومة في لبنان، بما يؤدي إلى إضعاف قدرتها الردعية في حال نشوب حرب مباشرة مع “إسرائيل”.
3. منع حزب الله من بناء مصانع عسكرية وضرب القدرة على رفع مستوى الإمكانيات الحربية التي لديه، سواء على مستوى تطوير أسلحته وصواريخه أو على مستوى تصنيع التجهيزات العسكرية اللازمة (تصنيع منصات، عربات، آلات ومعدات التصنيع والتذخير،..)، وهذا من شأنه أيضاً أن يضع حدّاً لمسار تقوية القدرة العسكرية على المستوى اللوجستي للمقاومة.
4. تحجيم وجود إيران وحزب الله في سوريا، وهذا الهدف لا يقف فقط عند حدود الدفع السياسي والأمني باتجاه إجبار حزب الله على سحب مقاتليه من الجبهة السورية وإحراج إيران لسحب فرقها العاملة هناك، بل الحيلولة دون إرساء قواعد إيرانية في سوريا ولا سيما على الحدود مع الأردن وعلى مقربة من فلسطين المحتلة، فهذا الأمر تعتبره “إسرائيل” أحد أهم عناصر التهديد الاستراتيجي من جهة، وقاعدة متقدّمة لإيران وحزب الله سيكون لها الدور الفاعل في إيصال الامدادات العسكرية إلى الداخل الفلسطيني في حال نشوب حرب في المستقبل.
5. إضعاف الجبهة داخل فلسطين المحتلة، وصولاً إلى إنهاء القضية الفلسطينية، وهذا الأمر تكفّلت به السعودية، وبمساعدة فاعلة من قبل مصر، وتعمل الرياض وحلفاؤها من أنظمة الخليج في هذه المرحلة للضغط بقوة على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لإيجاد مخرج عملي لهذه المسألة، على أن يعلن هو شخصياً الانتهاء من هذا الملف، بالاستفادة من زخم الإعلان الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة “إسرائيل”، وأبدت السعودية استعدادها لتمويل أي خطوة من شأنها تحقيق هذا الهدف، حتى لو كلّفها ذلك مئات إضافية من مليارات الدولارات، مع وعد أن تكون الأطراف الأكثر استفادة من هذا الأمر هي: السلطة الفلسطينية، الأردن ومصر، بحيث تخرج هذه الدول من ضائقتها المالية والاقتصادية الضاغطة.
ولكن يبدو أن تنفيذ ما يخطط له هذا الحلف الثلاثي الأضلاع لن يكون سهلاً، ولن تجد هذه الأجندة طريقها إلى التطبيق، فهي تتضمن بذور فشلها لأنها غير مبنية على أسس قوية، ولا تملك العناصر التي تساعد على تنفيذها بسهولة، لا سيما أن الوضع في سوريا يأخذ طريقه إلى الحسم مع ارتفاع أسهم حزب الله وإيران فيه، فضلاً عن فشل ما راهنت عليه أمريكا وإسرائيل والسعودية والمجتمع الدولي عموماً، من تحويل حركة المطالبين بتعويضاتهم المالية في إيران إلى حركة معارضة ضد النظام، كما أن الانتفاضة ما زالت تتنامى يوماً بعد يوم في فلسطين المحتلة، وهي مرشّحة للتنامي أكثر في ظل حالة استنزاف شاملة يقوم بها الشعب الفلسطيني للمجتمع الإسرائيلي ككل وليس فقط الجيش.