واقع حال الجبهات: كرّ وفرّ ولا أُفُـــقَ للحسم
ربما هي ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها حكومة هادي عن انتصارات وتقدّمات، وأنّ الحسم العسكري بات وشيكاً وهو خيارها الأول والأخير. وهي ليست المرة الأولى أيضاً لإعلان حكومة هادي عن عمليات عسكرية، تقول إن هدفها حسم الحرب عسكرياً، فالعائد إلى ذاكرة الحرب بعد مرور ألف يوم، سيجد سلسلة طويلة من العمليات العسكرية التي أعلن عنها على صعيد الجبهات، من قبل السعودية وحكومة هادي، كان مصيرها الفشل، بدءً من عملية «الرمح» إلى «السهم» الذهبيين، إلى معركة الساحل الغربي، إلى «صنعاء العروبة»، إلى العمليات العسكرية التي يتم وصفها بـ«الخاطفة» إلى آخره.
اليوم وبعد مرور شهر على مقتل صالح، العملية التي اعتبرتها السعودية وحكومة هادي، فرصةً للتقدم العسكري وحسم الحرب لصالحها، مراهنة على انهيارات في الجبهات في صفوف حركة «أنصار الله»، على اعتبار أن صالح كان يمثل ورقة عسكرية قوية ولديه مقاتلين وقوات على الأرض، ولكن الواقع أثبت عكس ذلك تماماً، فالجبهات ما تزال بين الكرّ والفرّ وبين الصدّ والهجوم، وقوات هادي تتحوّل إلى موقف الصدّ، بمجرد إحرازها تقدّم ضئيل، والمعطيات تشير إلى أن «أنصار الله»، ما تزال تمتلك القدرات في المواجهة، والقدرة العسكرية الصاروخية الفائقة، التي هزت مؤخّراً أركان الحكم السعودي، بعد صاروخ قصر اليمامة.
جبهات الشمال: 10 من 243!
مصادر عسكرية مطلعة، شرحت لـ«العربي» إن «حقيقة» الوضع العسكري، فأوضحت أن «مارب كانت مع هادي ولم يدخلها التحالف بقتال»، وأشارت إلى أن «التحالف بدأ معاركه قبل عامين ونصف من أطراف نهم وأطراف صرواح، وأين هي الآن؟ في أطراف نهم وصرواح، أي في المكان نفسه الذي كانت فيه قبل سنتين ونصف، بصرف النظر عن أخبار السيطرة على التبة الفلانية والتل الفلاني».
وأضافت المصادر أن «الخرق العسكري الوحيد الذي حققته قوات هادي هو في المخا، وعلى الرغم من ذلك، فهي لاتزال تقاتل فيها منذ أشهر، أضف إلى ذلك 4 مديريات في الجوف لايزال القتال فيها مستمراً، فضلاً عن مديرية كرش في تعز، ومديريتي ميدي وحرض في حجة»، ولفتت إلى أن «التحالف وقوات هادي غارقين منذ ثلاث سنوات في 9 أو 10مديريات من أصل 243 مديرية ينقسم إليها شمال اليمن، فخطوط المواجهات العسكرية شبه جامدة ولم يحدث فيها أي تغيير»، متسائلة «أين هي التطورات العسكرية هذه والتقدّمات التي تحرز فيما لم تستطع هذه القوات السيطرة على مديريتي نهم وصرواح منذ ثلاث سنوات؟».
وبناء على المعلومات الميدانية، فإن كل الجبهات تبدو متعثرة بالنسبة لقوات هادي و«التحالف»، الذي باستئنافه لعملياته الأخيرة، لم يحقق أي هدف عسكري.
الساحل الغربي: صعوبة التوغّل
أما على مستوى المعارك في جبهة الساحل الغربي والخوخة، فقد لخصّت مصادر عسكرية ميدانية تابعة لقوات هادي المشهد، بالقول في حديث لـ«العربي»، إنه «بعد السيطرة على مركز مديرية الخوخة، توقف محور الخوخة حيس التابع للشرعية عن التقدّم لأسباب عدة، منها صعوبة التوغل في المزارع الكثيفة المحيطة بالخوخة، حيث يحتاج التوغل إلى عدد كبير من الأفراد، وتحرك موازٍ لمحور الهاملي موزع من الشرق باتجاه جسر الهاملي ثم حيس، وهو المحور الذي توقف فجأة لأسباب غير معروفة، ما أدّى إلى توقف محور الخوخة والاكتفاء بالدفاع وصدّ هجمات وكمائن الحوثيين».
وأضافت المصادر أنه «في الوقت الراهن، فإن كتائب تهامة التابعة للقائد أحمد الكوكباني التهامي، هي من يتواجد في الخوخة، وتعتبر جدار الصد الأول لهجمات الحوثيين»، وأشارت إلى أن «جبهة الهاملي متوقفة تماماً ويتواجد فيها كتيبة سودانية وكتائب أخرى»، موضحة أنه «حالياً لا توجد أي مؤشرات للتقدّم لقوات الشرعية، وكأن الجبهة دشنت لاستنزاف أكبر عدد من الأفراد والمقاتلين».
أفق مسدود
وعن هذا الواقع العسكري، وعمّا إذا كانت مؤشراته تبشّر بحسم عسكري حقيقي، كما تقول وسائل إعلام حكومة هادي، يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد عائش، لـ«العربي» إن «الأفق مسدود أمام خيارات الحسم العسكري، كما هو مسدود أمام خيار الحلول السياسية. وكل الانتصارات التي يتحدث عنها تحالف السعودية، هي انتصارات غير ذات قيمة في أحسن الأحوال، وانتصارات دعائية كسابقاتها طوال السنوات الثلاث الماضية في أسوأ الأحول».
وأضاف عائش أن «المشكلة تكمن في أن المعركة بكلّها تحوّلت إلى معركة كرامة لا معركة مكاسب. فالسعودية تخسر باستمرار لكنها لا تريد التسليم بالخسارة حفاظاً على كرامتها، والطرف الداخلي بالتأكيد يخسر لكنه لا خيار أمامه غير الاستمرار في المعركة، لأن السعودية وحلفاءها أصلاً لم يتركوا له أي خيار غير خيار الدفاع عن نفسه حتى آخر نفس».
ويوافق ما تقوله المعلومات الميدانية، قول الناشط همدان الحقب لـ«العربي»:، الذي رأى أن «قوات هادي إلى حد الآن لم تبنِ أدوات الحسم كما يجب، فهي بشكلها الحالي تتصرّف وكأنها مقاومة صدّ لا تحرير، ويبدو من خلال هذا الأداء أنها تراهن على الحلول السياسية لا الحسم العسكري»، معتبراً أن «الذي يريد أن ينتصر في معركة كهذه عليه أن يحشد الطاقات ويعسكر الجماهير لينجز نصراً كاملاً، وألا يسمح للفساد بنخر هرم الشرعية، المبني لتوّه، من رأسه إلى القاعدة».
وبالعودة إلى الرهان على الحسم العسكري، قال الكاتب والمحلل السياسي عبد العزيز المجيدي لـ«العربي» إن «ﺣﺮﺏ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺳﺘﺪﻭّﻥ ﻓﻲ ﺳﺠﻼﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻛﺤﺎﻟﺔ ﻓﺮﻳﺪﺓ ﺗﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻬﻢ».
وأشار إلى أن «المزيد ﻣﻦ التلاعب ﺑﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ ﺳﻴﻌﻨﻲ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻕ ﻟﻠﻴﻤﻦ، ﻭﺳﺘﺠﺮ ﻣﻌﻬﺎ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ إﻟﻰ ﺣﺘﻔﻬﺎ»، واعتبر أن «التحالف يهدر ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ للجيش ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﻣﺴﻤﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻭيبدّد ﻓﺮﺹ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﺑﺈﻃﻼﻕ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺛﺒﺖ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺒﺜﻴﺔ ﻭﻻ ﻫﺪﻑ ﻟﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺧﻠﻖ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﺴﻢ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ»، لافتاً إلى أن «ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻄﺖ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﺳﺘﻜﻤﺎﻝ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺗﻌﺰ، اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻰ ﻓﺦ ﻛﺒﻴﺮ ﻟﻠﺠﻴﺶ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﺗﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﻜﺎﻥ».
ويرى مراقبون أن رهان «التحالف» بقيادة السعودية على الحسم العسكري «وهم خطر»، خصوصاً في المناطق الجبلية، ويشيرون إلى أن مناطق الرهان على الحسم العسكري، محكومة بقيم وتقاليد وأعراف قبلية يستحيل تجاوزها، وهي تقوم على عدم تجاوز القبيلة لحدود القبيلة الأخرى أو خوض الحرب فيها أو شن الحرب عليها، فيما لا يأتي الحسم العسكري بتكثيف القصف الجوي في مناطق جبلية.