أربعة عوامل معروفة.. تمنع حرب “إسرائيل” على لبنان
الحرب الإسرائيلية على لبنان غير منتفية. معنى ذلك أن لا أحد قادر على الجزم بأنها لم تعد ممكنة. وهذا التقدير لا يلغي استمرار استبعادها، المبنيّ على عوامل عدة، في مقدمتها قدرات المقاومة الإيذائية لـ”إسرائيل”، وإلا كانت الحرب المقبلة قد وقعت خلال الأعوام الماضية، وربما مرات وليس مرة واحدة.
أحد أهم تعقيدات قراءة الموقف الإسرائيلي وتقديره، هو صعوبة (رغم ضرورة) الفصل بين حدود التهويل الصادر عن تل أبيب من جهة، والتقديرات الفعلية بما يتعلق بالحرب المقبلة نفسها. الواضح أن جزءاً كبيراً جداً من المواقف والتصريحات الإسرائيلية، تهويلات تهدف إلى تضخيم نتائج الحرب، بهدف منعها ومنع ما من شأنه أن يسبّبها، في مقابل مستوى آخر من التصريحات، محدود جداً، يقدّر فعلياً ماهية الحرب وسيناريوهاتها ونتائجها، وما يمكن أن يتخللها عملياً.
معظم التصريحات والمواقف الإسرائيلية، كما التحليلات في الإعلام العبري، مخصصة للتعامل مع مرحلة ما قبل الحرب، وإن كانت تتحدث عن الحرب نفسها: إعادة لبنان إلى العصر الحجري مثلاً، يهدف إلى توليد خشية في الوعي الجمعي لدى اللبنانيين، علّها تضغط على المقاومة، على أمل منعها من تفعيل قدراتها العسكرية الدفاعية في وجه “إسرائيل”، أو علّها تؤدي إلى ردع المقاومة عن تعزيز قدراتها. أما تقدير وتوصيف الحرب نفسها وسيناريواتها، فهي خارجة إلى حد كبير عن التقديرات، وتحديداً تلك القطعية منها، وإن كان ذلك ممكناً نظرياً. مستوى اللايقين في الحرب المقبلة عالٍ جداً، لأن حجم إمكانات الطرفين على التدمير هائلة، وهي إمكانات تفرض نفسها كبحاً في الاتجاهين، قبل المعركة وخلالها، إن حصلت.
القدرة التدميرية لدى المقاومة قد لا تصل إلى حدّ إعادة “إسرائيل” إلى العصر الحجري، لكنها قادرة بلا جدال على ألّا تُبقي “إسرائيل” كما هي عليه الآن. هذه النتيجة تتحقق مهما كان الفعل المضاد أو المسبق أو اللاحق، إسرائيلياً. وهذا الأمر هو ما يؤثر بتل أبيب ويمنعها من تفعيل خياراتها العدائية، وهو ما يسمى أيضاً الردع المتبادل، بصرف النظر عن مستوى وحجم القوة المادية العسكرية التي أدت إلى الردع المتبادل. ولا يتناقض مع ما تقدّم أن لإـ”سرائيل” أيضاً قدرات عسكرية، وهي أعلى مما لدى المقاومة.
الميزان التدميري هو الذي يضغط على صاحب القرار في تل أبيب. وهو الذي يفسر كذلك التغيير في التعبيرات الصادرة عنها لدى تناول مسؤوليها موضوع الحرب، إلى الحد الذي يدفع وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، صاحب التهديدات الرنانة ودعوات القتل والمواقف المتطرفة، إلى أن يقول في سياق تعليقه على الحرب المقبلة مع حزب الله إنه «لا قدّر الله إن وقعت الحرب في الشمال، فإنها لن تكون كما كانت عليه حروب الماضي» (موقع واللا 27/12/2017). تعبير ليبرمان «لا قدّر الله»، وهي بالعربي الدارج «الله لا يقدِّر»، تعبير كافٍ بذاته للدلالة على موقف “إسرائيل” الفعلي من الساحة اللبنانية، وخشيتها منها، ومن شأنه أيضاً أن يفسّر امتناعها عنها.
مع ذلك، القدرة التدميرية هي مُركّب من مركّبات قوة ردع المقاومة. قبل أيام سأل الزميل سامي كليب على قناة الميادين، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عن وجود أو عدم وجود منظومة دفاع جوي ضد سلاح الجو الإسرائيلي. الجواب كان صمتاً وابتسامة، أي إن نصر الله لم يحد عن استراتيجية الغموض والضبابية حول قدرات المقاومة. لكن الإجابة عن أسئلة كليب، قد تكون صدرت أمس عن “إسرائيل” نفسها. وهي إجابة قد تكون أيضاً معطىً رئيسياً، إضافة إلى القدرة التدميرية للمقاومة، التي تمنع بدورها “إسرائيل” من المبادرة إلى الحروب.
صحيفة معاريف كشفت، أمس، عن اتجاه تبلور في الجيش الإسرائيلي أخيراً، يدعو إلى تعزيز القدرة الصاروخية على حساب سلاح الجو، وهي استراتيجية بناء للقوة وتفعيلها، مبنية على الخشية من نتائج المخاطرة بالطائرات الهجومية وإمكان إسقاطها وسقوط طياريها في الأسر. بحسب ليبرمان، يمكن “إسرائيل” أن تهرب من الرادارات الموجودة لدى أصدقائنا وأعدائنا، عبر القدرة الصاروخية، التي حان الوقت لأن تستفيد منها. على هذه الخلفية، أي تقليص الاعتماد على سلاح الجو والابتعاد عن المخاطرة، أصدر ليبرمان تعليماته الأسبوع الماضي، بتأمين أول رزمة تمويل لشراء الصواريخ الدقيقة، وهي ستخصص لعمليات الدائرة الأولى المحيطة بـ”إسرائيل”، وفي مقدمتها الساحتان اللبنانية والسورية.
معطىً آخر ومهم، ورد في تقرير معاريف أمس، يرتبط أيضاً بميزان الردع المتبادل ويمنع تفعيل العدو قدراته على الساحة اللبنانية، يفيد بأن ليبرمان وقيادة الجيش الإسرائيلي غير مقتنعين بقدرات ذراع البر الموجودة لديهم. يرد في الصحيفة أن «وزير الأمن غير مقتنع، كما قيادة الجيش، بأن ذراع البر جاهزة فعلاً لمواجهة التحديات الماثلة أمامه، إذا فتح الشر في الجبهة الشمالية. ما ينتظرنا في الشمال سيكون مغايراً كلياً. لن يكون نصر الله وحده هناك في المعركة، بل إلى جانبه قوات (الرئيس السوري بشار) الأسد، وكذلك قوات الحرس الثوري والفصائل المرتبطة به، التي تملأ المنطقة».
هي إذاً، ومما بات بالإمكان إدراكه والحديث عنه، أربعة عوامل مؤثرة ورادعة ضمن عوامل أخرى، ستكون حاضرة على طاولة القرار في تل أبيب، وهي كذلك، لدى طرح الخيارات المتطرفة تجاه الساحة اللبنانية: القوة التدميرية لحزب الله؛ يضاف إليها منظومات دفاع جوي؛ وحرب متعددة الجهات؛ وعدم جاهزية ذراع البر الإسرائيلية لخوض الحروب.
ولا إضافة هنا، كخاتمة، على استنتاجات صحيفة معاريف أمس: «مع كل الاحترام للجميع، من دون أي مناورة برية لجنود على الأرض، لا يمكن الانتصار في الحروب».
يحيى دبوق / الاخبار
الحرب الإسرائيلية على لبنان غير منتفية. معنى ذلك أن لا أحد قادر على الجزم بأنها لم تعد ممكنة. وهذا التقدير لا يلغي استمرار استبعادها، المبنيّ على عوامل عدة، في مقدمتها قدرات المقاومة الإيذائية لـ”إسرائيل”، وإلا كانت الحرب المقبلة قد وقعت خلال الأعوام الماضية، وربما مرات وليس مرة واحدة.
أحد أهم تعقيدات قراءة الموقف الإسرائيلي وتقديره، هو صعوبة (رغم ضرورة) الفصل بين حدود التهويل الصادر عن تل أبيب من جهة، والتقديرات الفعلية بما يتعلق بالحرب المقبلة نفسها. الواضح أن جزءاً كبيراً جداً من المواقف والتصريحات الإسرائيلية، تهويلات تهدف إلى تضخيم نتائج الحرب، بهدف منعها ومنع ما من شأنه أن يسبّبها، في مقابل مستوى آخر من التصريحات، محدود جداً، يقدّر فعلياً ماهية الحرب وسيناريوهاتها ونتائجها، وما يمكن أن يتخللها عملياً.
معظم التصريحات والمواقف الإسرائيلية، كما التحليلات في الإعلام العبري، مخصصة للتعامل مع مرحلة ما قبل الحرب، وإن كانت تتحدث عن الحرب نفسها: إعادة لبنان إلى العصر الحجري مثلاً، يهدف إلى توليد خشية في الوعي الجمعي لدى اللبنانيين، علّها تضغط على المقاومة، على أمل منعها من تفعيل قدراتها العسكرية الدفاعية في وجه “إسرائيل”، أو علّها تؤدي إلى ردع المقاومة عن تعزيز قدراتها. أما تقدير وتوصيف الحرب نفسها وسيناريواتها، فهي خارجة إلى حد كبير عن التقديرات، وتحديداً تلك القطعية منها، وإن كان ذلك ممكناً نظرياً. مستوى اللايقين في الحرب المقبلة عالٍ جداً، لأن حجم إمكانات الطرفين على التدمير هائلة، وهي إمكانات تفرض نفسها كبحاً في الاتجاهين، قبل المعركة وخلالها، إن حصلت.
القدرة التدميرية لدى المقاومة قد لا تصل إلى حدّ إعادة “إسرائيل” إلى العصر الحجري، لكنها قادرة بلا جدال على ألّا تُبقي “إسرائيل” كما هي عليه الآن. هذه النتيجة تتحقق مهما كان الفعل المضاد أو المسبق أو اللاحق، إسرائيلياً. وهذا الأمر هو ما يؤثر بتل أبيب ويمنعها من تفعيل خياراتها العدائية، وهو ما يسمى أيضاً الردع المتبادل، بصرف النظر عن مستوى وحجم القوة المادية العسكرية التي أدت إلى الردع المتبادل. ولا يتناقض مع ما تقدّم أن لإـ”سرائيل” أيضاً قدرات عسكرية، وهي أعلى مما لدى المقاومة.
الميزان التدميري هو الذي يضغط على صاحب القرار في تل أبيب. وهو الذي يفسر كذلك التغيير في التعبيرات الصادرة عنها لدى تناول مسؤوليها موضوع الحرب، إلى الحد الذي يدفع وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، صاحب التهديدات الرنانة ودعوات القتل والمواقف المتطرفة، إلى أن يقول في سياق تعليقه على الحرب المقبلة مع حزب الله إنه «لا قدّر الله إن وقعت الحرب في الشمال، فإنها لن تكون كما كانت عليه حروب الماضي» (موقع واللا 27/12/2017). تعبير ليبرمان «لا قدّر الله»، وهي بالعربي الدارج «الله لا يقدِّر»، تعبير كافٍ بذاته للدلالة على موقف “إسرائيل” الفعلي من الساحة اللبنانية، وخشيتها منها، ومن شأنه أيضاً أن يفسّر امتناعها عنها.
مع ذلك، القدرة التدميرية هي مُركّب من مركّبات قوة ردع المقاومة. قبل أيام سأل الزميل سامي كليب على قناة الميادين، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عن وجود أو عدم وجود منظومة دفاع جوي ضد سلاح الجو الإسرائيلي. الجواب كان صمتاً وابتسامة، أي إن نصر الله لم يحد عن استراتيجية الغموض والضبابية حول قدرات المقاومة. لكن الإجابة عن أسئلة كليب، قد تكون صدرت أمس عن “إسرائيل” نفسها. وهي إجابة قد تكون أيضاً معطىً رئيسياً، إضافة إلى القدرة التدميرية للمقاومة، التي تمنع بدورها “إسرائيل” من المبادرة إلى الحروب.
صحيفة معاريف كشفت، أمس، عن اتجاه تبلور في الجيش الإسرائيلي أخيراً، يدعو إلى تعزيز القدرة الصاروخية على حساب سلاح الجو، وهي استراتيجية بناء للقوة وتفعيلها، مبنية على الخشية من نتائج المخاطرة بالطائرات الهجومية وإمكان إسقاطها وسقوط طياريها في الأسر. بحسب ليبرمان، يمكن “إسرائيل” أن تهرب من الرادارات الموجودة لدى أصدقائنا وأعدائنا، عبر القدرة الصاروخية، التي حان الوقت لأن تستفيد منها. على هذه الخلفية، أي تقليص الاعتماد على سلاح الجو والابتعاد عن المخاطرة، أصدر ليبرمان تعليماته الأسبوع الماضي، بتأمين أول رزمة تمويل لشراء الصواريخ الدقيقة، وهي ستخصص لعمليات الدائرة الأولى المحيطة بـ”إسرائيل”، وفي مقدمتها الساحتان اللبنانية والسورية.
معطىً آخر ومهم، ورد في تقرير معاريف أمس، يرتبط أيضاً بميزان الردع المتبادل ويمنع تفعيل العدو قدراته على الساحة اللبنانية، يفيد بأن ليبرمان وقيادة الجيش الإسرائيلي غير مقتنعين بقدرات ذراع البر الموجودة لديهم. يرد في الصحيفة أن «وزير الأمن غير مقتنع، كما قيادة الجيش، بأن ذراع البر جاهزة فعلاً لمواجهة التحديات الماثلة أمامه، إذا فتح الشر في الجبهة الشمالية. ما ينتظرنا في الشمال سيكون مغايراً كلياً. لن يكون نصر الله وحده هناك في المعركة، بل إلى جانبه قوات (الرئيس السوري بشار) الأسد، وكذلك قوات الحرس الثوري والفصائل المرتبطة به، التي تملأ المنطقة».
هي إذاً، ومما بات بالإمكان إدراكه والحديث عنه، أربعة عوامل مؤثرة ورادعة ضمن عوامل أخرى، ستكون حاضرة على طاولة القرار في تل أبيب، وهي كذلك، لدى طرح الخيارات المتطرفة تجاه الساحة اللبنانية: القوة التدميرية لحزب الله؛ يضاف إليها منظومات دفاع جوي؛ وحرب متعددة الجهات؛ وعدم جاهزية ذراع البر الإسرائيلية لخوض الحروب.
ولا إضافة هنا، كخاتمة، على استنتاجات صحيفة معاريف أمس: «مع كل الاحترام للجميع، من دون أي مناورة برية لجنود على الأرض، لا يمكن الانتصار في الحروب».
يحيى دبوق / الاخبار