“الهوية الوطنية الصاعدة” ومشروع التفكيك والتقسيم
متابعات | كتابات | علي حسين
إرادة الشعب تنتصر دوما
وعودا على بدء فبعد هزيمة الإدريسي، فتحت بريطانيا بؤراً جديدة في أكثر من مكان، فشيخ الزرانيق احمد فتيني، المدعوم بريطانيا بالسلاح والمال، مشفوع بطموح أن يتحول إلى سلطاناً في بلاده، وقبله فعل مثله، شيخ قبيلة حاشد ناصر بن مبخوت الأحمر، الذي أعلن تأييده للادريسي وذهب على رأس وفد كبير من مشايخ حاشد، إلى صبيا، ثم مراسلته للمندوب البريطاني، في عدن يوضح أسباب التحاقه بالادريسي. وبالمثل كان يطمح “قائم مقام ريمة” الشيخ محمد أمين، أن يكون سلطان على بلاده، حيث كشفت رسالته إلى البريطانيين في عدن، كيف أن السلاح والمال والوعود البريطانية حركت شهية المشايخ ومراكز النفوذ، وتعددت الرغبات في التحول إلى سلطنات ومشيخات وإمارات كما هو سائد في جنوب اليمن وفي عموم الجزيرة العربية ، هل كانت تلك الوعود امتدادا لوعود استعمارية أخرى سبقت، مثل: وعد بلفور بوطن، ووعد للشريف حسين بملك على “العرب”؟!
ان المشروع البريطاني، في الجزيرة العربية قديم، وهو في اليمن أقدم، حيث حولت بريطانيا القبائل والعشائر إلى أوطان، كـ”تميم” في قطر، وعنزة في “نجد”، وتسع سلطنات في اليمن (الجنوب) تطورت مع الوقت إلى قرابة 23 مشيخة وسلطنة وإمارة. وفي الشمال كانت البيضاء سلطنة، والجوف كانت على وشك “التسلطن” بزعامة كبير الشولان، وفي صعدة، كان هناك بداية للفكرة، وفي الحجرية، وفي الضالع.
نجح المشروع البريطاني في غالبية جهات البلاد العربية، وفشل بنسبة كبيرة في شمال اليمن طيلة عقد العشرينيات ، ثم فشل لاحقا في جنوبه بشكل كامل، عندما ألغت الجبهة القومية “الاتحاد الفدرالي” وألغت الحدود، وطردت المشيخات والسلطنات، حيث هربوا إلى السعودية وسائر الخليج، ثم وحدت “الجبهة القومية” بإرادة وتصميم الشعب، كل الكيانات والمشيخات والسلطنات، بشعار الاتحاد الشعبي: “يمن ديمقراطي حر وموحد” واستعادة الهوية الوطنية اليمنية الواحدة.
ومنذ الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، والحركة الوطنية تناضل من أجل تحقيق الوحدة، غير أن قوى وأدوات الاستعمار التي تملك المال والثروة ظلت تحبط كل تلك الجهود، وبقي التشطير قائما، ضمن صيرورة المشروع ونفسه الطويل، ليلتئم اليمن شماله وجنوبه في 22 مايو 1990 ، واليوم تواجه الهوية الوطنية الواحدة والكيان الوطني الواحد أخطر تحد، اذ تخضع أجزاء واسعة لاحتلال أجنبي مباشر.
مواجهة هذا الاحتلال يتطلب بدرجة أساسية، لغة وطنية جامعة وخطاب وطني أوسع من لغة المناطق والمذاهب والقبائل والجهات، وإذا كانت الوحدة بين اليمنيين هي خلاصة المشروع الوطني المتراكم على مراحل ، فإن المشاريع الوطنية المناهضة للاحتلال والاستعمار والأفكار الثقافية والمفاهيم والقيم التحررية النابعة من إرادة الشعب واستقلاله وسيادته، أصبحت اليوم هي إحدى تعريفات الهوية الوطنية الواحدة والجديدة ، وتلك إحدى أدوات القوة التي يواجه بها اليمنيون اليوم وتخشاها مشيخات الخليج المتخلفة سياسيا وثقافيا وديمقراطيا.
لقد صارت الديمقراطية والتعددية والحريات والحقوق المدنية ومشاركة المرأة، من الثوابت الوطنية، لدى معظم شعوب العالم المتقدم اليوم، واليمن ليست بعيدة عن هذ السياق المتحول، وإن في بداياته ، يستهدف العدوان اليوم بالدرجة الأولى القيم التحررية الجديدة التي ترسخت في المجتمع اليمني ويخشى انتقالها إليه كعدوى فهو نظام أسري تنتسب الدولة إلى سلالته ، ويجب على اليمنيين الحفاظ على هذه المكتسبات ضمن حرصهم الشديد على الحفاظ على التراب الوطني ووحدة الكيان.
ومعلوم أن بريطانيا لم تنهزم في الستينات إلا بعد أن توحدت إرادة اليمنيين وتدافعت موجة الحركات النقابية والاتحادات والأحزاب تحت شعار الوطن وبهوية وطنية واحدة ، وصيرورة التاريخ تقتضي أن يتحد كل اليمنيين اليوم لمواجهة هذا المشروع وإلحاق الهزيمة بأدواته ومموليه.