البطلة عهد التميمي و زمن البؤس العربي
متابعات| شفقنا:
منذ سنوات عديدة وهناك “ارادة” تعمل بدون كلل او ملل ، من اجل زرع بذور الاحباط واليأس والخنوع في الاجيال العربية الجديدة من اجل فرض حالة من الاستسلام والرضوخ للامر الواقع ، وفي مقدمة ذلك القبول ب”اسرائيل” ك”حقيقة لا يمكن انكارها”.
قبل عقود كانت القضية الفلسطينية على قمة جدول اعمال جميع القمم العربية والاجتماعات واللقاءات الثنائية بين قادة اي بلدين عربيين ، والمؤتمرات والندوات والاحتفالات الوطنية في اي عاصمة او مدينة وحتى قرية عربية ، وكانت جميع البيانات الصادرة عن هذه القمم والاجتماعات واللقاءات والندوات والاحتفالات تدعو الى تحرير فلسطين والقدس الشريف.
ولكن بعد زيارة الرئيس المصري السابق انور السادات لمصر وما تمخض عنها من اتفاقات كاتفاقية كامب ديفيد ، وكذلك اتفاق وادي عربة بين الاردن و”اسرائيل” واتفاقية اوسلو بين “اسرائيل” والسلطة الفلسطينية ، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في اطار القمم والاجتماعات العربية ، وتربع “السلام مع اسرائيل” على قائمة اهتمام الحكومات العربية.
رغم كل النكسات التي تعرضت لها القضية الفلسطينية الا ان الشارع العربي كان متمسكا بهذه القضية التي تعيش في قلبه ووجدانه ، حتى بعد ما يسمى ب”ثورات الربيع العربي” التي ادخلت المنطقة العربية في اتون صراع طائفي كان الهدف الاول والاخير منه هو شطب القضية الفلسطينية من قلب ووجدان الشعوب العربية ونسيان “اسرائيل” ، التي حاول البعض تسويقها على انها “صديق وحليف” ، ضد “العدو” الوهمي الذي تم اختراعه الا وهو ايران.
ومن اجل تسويق “اسرائيل” كصديق وايران كعدو ، تم تجنيد جيوشا من الاعلاميين والصحفيين والسياسيين المرتزقة ، لتصوير “اسرائيل” كحمل وديع ، وانها لم تقتل من الخليجيين احدا ، ولم تفجر في شوارع العواصم الخليجية ، وانها لمن تحتل ارضا خليجية ولم تشكل تهديدا للدول الخليجية ، عكس “ايران” التي تم رسمها كبعبع يهدد الدول الخليجية واستقرارها وامنها.
وانتقلت هذه الجيوش الالكترونية والسياسيين والاعلاميين المرتزقة الى مرحلة جديدة وهي مرحلة الدعوة الى تحالف علني مع “اسرائيل” ضد ايران و”الشيعة” ، وهي دعوة جاءت بعد سنوات طويلة من التحريض الطائفي والفتاوى التي تكفر “الشيعة” وكل اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى ، التي تعارض فكرة التطبيع مع “اسرائيل”.
المرحلة الثالثة كانت مرحلة الترويج المكثف ل”حق اسرائيل” بالقدس ، وان على العرب وان يكفوا عن المطالبة بها فهذه المدينة ، وفقا للجيوش الالكترونية الخليجية ، هي مدينة “يهودية” ولا حق للعرب والمسلمين بها ، بل ان هناك من انكر وجود المسجد الاقصي ، ورفض اي قدسية للقدس اصلا.
المرحلة الرابعة والاخيرة والتي تعتبر الاكثر خطورة ، وهي تكميم الافواه الحرة التي مازالت تنادي لفلسطين والقدس وتدعو الى رفض الاحتلال الصهيوني ، فالمتتبع للفضاء الافتراضي يشهد حالة من الترهيب لكل صوت ينادي الى تحرير فلسطين ، والى رفض تغيير البوصلة من القدس الى جبهة اخرى .
الجيوش الالكترونية الى جانب المرتزقة من السياسيين والصحفيين والاعلاميين ، لم تكتف بذلك ، بل اصبحت تتكالب ضد كل صوت يدافع عن الكرامة العربية ويدعو الى استنهاض الهمم في وجه الجبروت الامريكي والطغيان “الاسرائيلي” والخنوع العربي ، حتى اصبح كل صوت ينادي للعزة والكرامة ، يتعرض لحملة شعواء لا تراعي فيها القيم والمبادي الانسانية والاسلامية والعربية.
وصل حالة التردي الانساني والديني والقومي والوطني والاخلاقي في زمن البؤس العربي حدا الى ان يتم التشكيك حتى بما يقوم به اطفال فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني ، في محاولة رخيصة لزرع روح الخنوع والذلة في قلوب الاجيال الجديدة الرافضة ل”اسرائيل” وسياسات التطبيع معها ، فقبل ايام شكك وزير اردني سابق وهو صبري اربيحات بما قامت به الطفلة الفلسطينية البطلة عهد التميمي ، عندما صفعت جندي “اسرائيلي” على وجهه ، في اطار الاحتجاجات التي اندلعت في قرية النبي صالح ضد قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بشان القدس.
وطرح اربيحات في تغريده اثارت الجدل ، تساؤلات في غاية الخبث حول الاسباب التي تدفع الفتاة التميمي التي غادرت السجن بكفالة لصفع الجندي “الاسرائيلي” بدون ردة فعل من الاخير ، “محذرا” من احتمالية وجود سيناريو له علاقة بملاحقة الكاميرا لإلتقاط صور عهد التميمي حصريا.
في هذا الزمن النكد اصبح البعض يستكثر حتى على الاطفال ان يقوموا برد فعل ضد الاجراءات الامريكية “الاسرائيلية” لابتلاع القدس ، خوفا من اشتعال جذوة الانتفاضة ضد “اسرائيل” وعملائها والمطبلين لها ، بين اطفال فلسطين والعرب بعد ان اختار الكبار الصمت والهوان.
تشكيك اربيحات بما قامت به البطلة عهد ، رد عليه الفلسطينيون انفسهم عندما اعدوا اسماء الشهداء والاسرى والجرحي في عائلة الفتاة نفسها حيث استشهد خالها واستشهدت عمتها بضربها في المحكمة واصيبت والدتها وجرح العشرات من اقاربها المباشرين واعتقلت والدتها ووالدها عدة مرات ، واعتقل شقيقها الاكبر عشرة اشهر والاصغر اصيبة بشظية معدنية.
يبدو ان البطلة عهد لم تصفع الاحتلال على وجهه بيدها الصغيرة فقط ، فقد صفعت وجه الجيوش الالكترونية المروجة للاحباط والياس بين شبابنا العربي ، كما صفعت وجه السياسيين والاعلاميين والصحفيين المرتزقة المطبلين ل”اسرائيل” وحماتهم من مشعلي الحروب الطائفية في منطقتنا.