العام الثالث من الحكم السلماني.. انقلاب عائلي وجبهات مفتوحة
موقع متابعات | كتابات | علي مراد
أتمّ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عامه الهجري الثالث على رأس الحكم، في مملكة تبدو اليوم مختلفة عمّا كانت عليه قبيل تسلّمه السلطة بداية عام 2015. التطورات الدراماتيكية المتسارعة في الرياض كانت سمة العام الثالث شكلًا ومضمونًا، ولعلّ نجمها دون أيّ منازع لم يكن سلمان، بل نجله محمد الذي فتح مزيدًا من الجبهات داخليًا وخارجيًا.
منذ اللحظة الأولى لتسلّمه السلطة رسميًا عقب وفاة أخيه غير الشقيق عبدالله في 23 كانون الثاني عام 2015، بدأ سلمان تنفيذ برنامجه الذي رسمه ابنه محمد عندما كان مساعدًا لوالده في وزارة الدفاع وولاية العهد. كان لا بدّ من إعادة هيكلة إدارات ومؤسسات في السلطة، والإطاحة بالحرس القديم للملك عبد الله، وتحضير الأسباب لأخذ البيعة لابنه محمد بعد الإتيان بوليّيْن للعهد هما مقرن بن عبد العزيز ثم محمد بن نايف.
بدأ عام 2017م بإعلان الرياض عن ميزانية عجزها قُدر بحوالي 52.8 مليار دولار، مع استمرار انخفاض أسعار النفط المقوِّض لخطط ابن سلمان الاقتصادية، لكن لعل ما ميّز العام المنصرم سعودياً هو حجم الجلبة التي افتعلها سلمان وابنه مع دول الجوار بالتوازي مع انقلاب داخل الأسرة السعودية الحاكمة.
الانقلاب العائلي لاحتكار السلطة
ليس من باب المبالغة القول إن سلمان بن عبد العزيز نفّذ انقلابًا على قواعد حكمت السلطة السعودية منذ عقود. في المملكة كان هناك ما يشبه عملية تقاسم للسلطة أرسى قواعدها الملك الأسبق فيصل بن عبد العزيز، بعد نجاحه بمؤازرة إخوته السديريين بشكل أساسي بالانقلاب على أخيه سعود عام 1963م. قضى سلمان عمليًا على المحاصصة في توزيع المناصب في الدولة عبر احتكار سلطات الاقتصاد لابنه محمد قبل عام ونصف، وأضاف إليها سلطات الأمن الداخلي بالتدريج وصولًا الى طرد محمد بن نايف (العقل الأمني للنظام) من الحكم في 21 حزيران الماضي. كان عزل ابن نايف من منصبه كوليّ للعهد ووزير للداخلية أمرًا متوقّعًا كون سلمان مهّد لذلك منذ أواخر 2015، عندما أقصى مساعدين له أقوياء، وسحب بالتدريج صلاحيات حساسة من وزارة الداخلية ونقل صلاحيات السلطة القضائية لنفسه قبيل أيام من الإطاحة بابن نايف.
وليكتمل سيناريو الانقلاب داخل الأسرة بعد مبايعة محمد بن سلمان وليًا للعهد، كان لا بدّ من الإطاحة بوزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله الذي عمل أبوه على بناء مؤسسة خاضعة بولائها القبلي له ولابنه. اختار محمد بن سلمان يومًا مَلَأَه بالأحداث لتنفيذ مخطط الإطاحة بمتعب في الرابع من تشرين الثاني الماضي، ولتغليف هدفه المركزي بالإمساك بكل تلابيب السلطة والنفوذ في المملكة اختار توجيه تهمة الفساد له ولأخيه تركي، وأضاف إلى القائمة الوليد بن طلال مع بعض الأمراء الثانويين ورجال الأعمال المعروفين.
إنّ متطلبات الإمساك بكل مصادر النفوذ في أيّة سلطة تفرض السيطرة على مجالات ثلاثة: العسكر والأمن، الاقتصاد، الإعلام. منح سلمان نجله سلطة إدارة الاقتصاد منذ منتصف 2015، واستكمل عملية إلحاق سلطات الأمن والعسكر (وزارتا الداخلية والحرس الوطني) بابنه خلال العام الحالي، وعبر اعتقال مالكي الإمبراطوريات الإعلامية السعودية (روتانا، mbc و art) أمسك ابن سلمان بسلطة الإعلام بشكل نهائي. كل هذه الخطوات كانت تُنفَّذ بصخب وملأت تفاصيلها الصحف ووسائل الإعلام العالمية، على نحو أفقد النظام السعودي امتياز السرّية التي لطالما حكم بها، ويتصدّر محمد بن سلمان مشهد الحاكم الأوحد الممسك بزمام الأمور.
الترويج للسعودية الرابعة
شهد العام الحالي محطّات مثيرة في السعودية حاول عبرها ولي العهد السعودي إرسال مؤشرات على أنه يمثّل المستقبل المشرق لسعودية جديدة، اختار المقرّبون منه أن يسمّوها “المملكة السعودية الرابعة”. كان واضحًا للمتابعين للشأن السعودي أن سلمان ونجله كانا ينتظران نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني من العام الفائت، ومع دخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2017، بدأت خلال أيام تتكشّف للإعلام تفاصيل ما يشبه الصفقة التي بموجبها سيتوَّج ابن سلمان ملكًا مقابل مئات المليارات والتزامات سعودية لواشنطن.
جيشٌ من جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة الأمريكية كان يعمل ولا يزال للترويج لصورة ابن سلمان: “الأمير الشاب الذي يحمل مشروع تغيير المجتمع السعودي ونقله اجتماعيا واقتصاديًا من الريع والتشدّد الى التنوّع والانفتاح”. اتخذ محمد بن سلمان خطوات داخلية لمواكبة الحملة خارجيًا، بحيث كان من الواضح أن هدفه المركزي هو الغرب ورأيه العام، في محاولة لتغيير نظرة المجتمعات الغربية للفكرة النمطية عن المملكة الريعية المنتجة للإرهاب الوهابي والتخلّف. نجح في لفت الأنظار في بعض المجالات كالإعلان عن السماح للمرأة بقيادة السيارة في منتصف العام 2018، وتقويض صلاحيات السلطة الدينية الوهابية والتخلّص من بقايا “الصحويين” عبر اعتقال رموزهم في 10 أيلول الفائت، لكن لم ولن ينجح في استبدال صورة السعودي المتطرّف بآخر منفتح يتقبّل الآخر.
سمعة الديكتاتور المتسلّط رافقته من خلال ما اقترفه في أيار الماضي بالمنطقة الشرقية في العوامية وعلى مدى ثلاثة أشهر، وزجّه بالسجون كل من تجرّأ وانتقد على مواقع التواصل الاجتماعي رؤيته ومشاريعه، والأهمّ من كل ذلك كان طريقة تعامله مع أبناء عمومته الذين احتجزهم في فنادق فخمة في الرياض لابتزازهم للحصول على ثرواتهم. أعلن سلمان وابنه عن مشاريع خيالية (مدينة القدية الترفيهية، مشروع البحر الأحمر السياحي، مدينة نيوم) ينظر إليها مراقبون ومختصّون أنها تندرج في خانة تضخيم إنجازات الأمير الشاب ودوره في المرحلة المقبلة ليثبّت قدميه في الحكم لعشرات السنوات القادمة وتوريث ابنه أو أخيه لاحقًا. لكن ردة الفعل الشعبية التي لا تزال افتراضية حتى الآن، لا تبدو أنها مقتنعة بما يقوم به ابن سلمان لبناء سعوديته الرابعة، فسياسة فرض الضرائب التي طالت الطبقتين الوسطى ومحدودة الدخل حتمًا سيكون لها عواقب، ولن تمرّ محاولات استغفال الشعب عبر إعطائه الفتات بيد حساب المواطن وسلبه باليد الأخرى أضعافًا مضاعفة عبر فرض مزيد من الضرائب (ضريبة القيمة المضافة، رفع الدعم عن أسعار الوقود، إلخ …).
جبهات ومعارك خاسرة
كما كان الحال في عامي 2015 و2016م على صعيد المعارك والجبهات الإقليمية، استمر سلمان وابنه في انتهاج السياسة نفسها مع إضافة مزيد من الخسائر والهزائم الى رصيدهما. تبقى أكثر تلك الجبهات استنزافًا واستعصاءً على النظام تلك المفتوحة في اليمن. فشل محمد بن سلمان خلال العام المنصرم في تحقيق أيّة نتائج تُذكر على صعيد تسجيل انتصارات حتى وإن كانت إعلامية. لم تنجح كل محاولات التقدّم في الجبهات المفتوحة في الداخل من الوصول الى صنعاء ولا في التقدّم في جبهة الساحل ولا حسم جبهة تعز، رغم كل الدعم الإضافي الذي حصل عليه من إدارة ترامب التي صادقت في نيسان الماضي على صفقة الأسلحة الذكية التي قيل إنها ستساهم في تحصيل نتائج أكثر فاعلية في الجبهات.
استمرّ تفوّق قوات الجيش واللجان الشعبية في جبهات الحدود واستمرّ النزيف البشري والمادي لقوات سلمان وابنه، واستمرّت صواريخ اليمنيين الباليستية بالتساقط على العاصمة الرياض وباقي المدن والمناطق الحيوية في جدة وينبع وخميس مشيط. كل هذه الهزائم دفعت ابن سلمان لاستعمال آخر ورقة بيده للحصول على نتائج قد تؤمّن له نصرًا ولو جزئيًا، فرتّب مع الإماراتيين انقلابًا فاشلًا في صنعاء بداية الشهر الجاري عبر الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لكن تبيّن مجددًا أن الرهانات كانت خاطئة ولم ترتكز إلى حسابات صائبة.
إضافة الى استمرار النزيف السعودي في جبهة اليمن، افتتح ابن سلمان بالشراكة مع الإماراتيين جبهة مع قطر عقب انتهاء قمم ترامب في الرياض في 23 أيار الماضي. حاول النظام السعودي استعمال كل أوراقه دفعة واحدة ضد نظام الدوحة لكن تبيّن لاحقًا أن إجراءات المقاطعة أو الحصار لم تؤتِ أكلها، بل على العكس، أسهمت في تحسّن علاقة قطر بالغريم الإقليمي إيران، وما يشبه شلل العلاقة بين الرياض وأنقرة.
بموازاة استمرار المراوحة في الأزمة مع قطر، حاول محمد بن سلمان فتح جبهة مع لبنان عبر اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في 4 تشرين الثاني الماضي، لكن لم تجرِ رياح الواقع كما اشتهت سفن الأمير المتهوّر، ونتيجة لتوحّد اللبنانيين وراء مطلب إعادة الحريري وبروز دور دولي ضاغط بعد فشل الرهان على قبول “تل أبيب” بخوض مغامرة عسكرية بتمويل الرياض، عاد الأمير بن سلمان القهقرى وأضاف إلى سجلّ هزائمه هزيمة جديدة.
يُضاف إلى قائمة الخيبات السعودية لعام 2017، سقوط الرهان على إعادة العراق الى مربّع التمزّق في أيلول الفائت بعد إفشال محاولة التقسيم عبر استفتاء إقليم كردستان، وإفشال العراقيين بقواتهم المسلحة وحشدهم الشعبي كل المخططات البديلة لمخطط ” داعش” المهزوم. وحتى الآن يبدو أن ابن سلمان فشل أيضًا في تنطّحه لمهمّة تصفية القضية الفلسطينية ضمن بنود صفقته مع ترامب، وسط استمرار التسريبات التي تتحدث عن ضغطه على الفلسطينيين للقبول بحلّ نتنياهو – كوشنر الذي ينهي حق العودة للاجئين ويُسقط القدس باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية. هذا الدور المشبوه في القضية الفلسطينية ومحاولات تصعيد العلاقة مع الكيان الصهيوني، وصولًا لقرب إعلان التطبيع الرسمي معه، انعكست آثاره في الساحتين العربية والإسلامية شعبيًا، وتراجعًا في مكانة السعودية لدى أغلبية الشعوب العربية والإسلامية خصوصًا مع موقفها الهزيل المتخاذل بخصوص خطوة ترامب العدوانية باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
*عن موقع العهد