أسهب النظام السعودي في التهويل من خطر التدخّل الإيراني في اليمن ومدّ «أنصار الله» بالسلاح، للتغطية على فشل الحرب التي يشنّها عليه منذ ما يقارب الثلاثة أعوام. قصف طيرانه الأخضر واليابس، وحوّل البلد الفقير إلى كومة من الخراب، وأعلن في الأسابيع الأولى من الحرب، أنه نجح في القضاء على مخزون الصواريخ التي كانت بحوزة نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما صرّح حينها الناطق باسم «التحالف» العميد أحمد عسيري. 

لكن الصواريخ لا تزال تخترق دفاعات «الباتريوت» السعودية، مع تطوّر مداها من 300 كلم، ليتجاوز الـ1000كلم، كما هو مدى الصاروخ الباليستي «H2» الذي ضرب قاعدة الملك خالد الجوية بالرياض، في 5 نوفمبر الجاري، والذي اتخذته الرياض ذريعة لتشديد الحصار على اليمن، والسعي لكسب حلفاء جدد بعد تململ الحاليين.
تواصل الرياض عويلها من طهران و«حزب الله». وتهدف من وراء ذلك إلى عقد المزيد من صفقات شراء الأسلحة للقضاء على «أنصار الله»، فيما الأخيرة تتنامى قدراتها وتتوالى مفاجآتها، التي لن يكون آخرها نجاحها، الإثنين الفائت، بإجراء 3 تجارب لصواريخ حرارية مضادة للطائرات الحربية والمروحيات المقاتلة.

توالي المفاجئات
بأيادٍ وخبرات يمنية، أجرت حركة «أنصار الله»، تجربة صاروخية، أطلقت خلالها ثلاثة صواريخ حرارية، من المدَيات الطويلة.

وبحسب مصادر «العربي»، فإن صاروخين من الثلاثة نجحا في تعقّب أهداف افتراضية في سماء صنعاء وانفجرا لحظة ملامستها، فيما انفجر الثالث في موقع إطلاقه على الأرض، ولم يخلّف أضراراً بشرية.
وأشارت المصادر إلى أن «مهندسين يمنيين في دائرة التصنيع الحربي، يعكفون منذ شهور على تطوير مدى صواريخ حرارية كانت في مخازن الجيش»، مؤكدين أن «نجاح هذه التجارب سيغيّر معادلة الحرب في اليمن ويحقق نوعاً من التوازن مع التحالف الذي استغل تفوق قواته الجوية المسلّحة أحدث التقنيات».
سبق هذه التجربة تمكّن «أنصار الله» في 27 من أكتوبر الماضي، من إسقاط طائرة سعودية مقاتلة نوع «تايفون»، بصاروخ حراري، وأكدت وسائل إعلام تابعة لحكومة الرئيس هادي يومها، العثور على حطامها في مديرية نهم شرق صنعاء، فيما التزمت الرياض الصمت، كما هي عادتها في التكتم على خسائرها.
كما تمكنت «أنصار الله» في الأول من أكتوبر الماضي، من إسقاط طائرة «درونز» أمريكية من طراز «إم كيو 9» في منطقة جدر شمال صنعاء، واعترف البنتاغون بالأمر، وقال إنه يحقق في سبب سقوطها. 
وأعقب ذلك كشف الحركة في 7 من نوفمبر الجاري، عن منظومة صواريخ بحرية «المندب1»، قالت إنها تمتاز بدقتها العالية، وتصيب أهدافها على مسافة أميال في البحر.

خبراء عراقيون
تعرف الرياض والرئيس هادي وحكومته، أن نظام صالح ورث كمية من الصواريخ الباليستية الروسية في حرب صيف 1994م، ويعلم غالبية اليمنيين أن صاروخين منها أطلقا في تلك الحرب من الساحل الذهبي في مدينة عدن إلى العاصمة صنعاء، سقط الأول بجوار المستشفى الجمهوري بصنعاء، والثاني بجوار منزل الرئيس صالح في قرية الدجاج بالصياح حي شعوب.

كما يعرف الرئيس هادي ونائبه، بشراء وزارة الدفاع في صنعاء في العام 2003م، صواريخ من كوريا الشمالية نوع «هواسونج»، طوّرتها بيونغ يانغ من صواريخ «سكود» الروسية. كان مدى تلك الصواريخ ما بين 300 كلم إلى 500 كلم، فكيف تم تطوير مداها الى أكثر من 1000 كلم؟
عقب سقوط العاصمة العراقية بغداد بيد الأمريكيين عام 2003م، بحرب موّلتها دول الخليج، استقبلت صنعاء أكثر من 200 خبير عسكري عراقي. وبحسب ما حصل عليه «العربي» من مصادر خاصة، فقد تم توزيع الجنرالات العراقيين على معسكر القوات الخاصة في السواد، جنوب صنعاء، الذي كان يقوده العميد أحمد علي عبدالله صالح، ومعسكر الفرقة الأولى مدرّع بصنعاء التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر.
استُحدثت دائرة تصنيع حربي في معسكر السواد، وقام بتشغيلها الضباط العراقيون، وأشرف عليهم العميد في القوات الخاصة أبوبكر الغزالي. فيما فتح الجنرال علي محسن الأحمر، للضباط العراقيين، هناغر في معسكر الفرقة، وقاموا بابتكار طائرات مسيّرة من دون طيّار، ونفذوا تجارب على صواريخ مضادة للطائرات نوع «سام» تم تطويرها بخبراتهم، وشهد الجنرال محسن، عمليات إطلاقها في معسكر الدفاع الجوي بالفرقة، الذي كان يقوده العميد صادق سرحان. فيما تولى الخبراء العراقيون في معسكر الحرس بالسواد، تطوير الصواريخ الباليستية.

هناغر الفرقة
أسكن الجنرال محسن، الخبراء العراقيين في فلل خاصة في حي الروضة بصنعاء، ووفّر لهم كل وسائل الراحة. في الصباح الباكر، وقبل طلوع الشمس، كانت تأتي 3 باصات حمولة 16 راكب وبزجاج داكن، لتقل الخبراء من الفلل إلى هناغر الفرقة، وبعد مغيب الشمس يغادرون على متنها إلى الفلل في الروضة. واستمر ذلك البرنامج اليومي حتى العام 2011م.

كل ذلك يخفيه الجنرال محسن عن الرياض، ويواصل ترديد أسطوانته المعهودة عن «الخبراء الإيرانيين في اليمن، والصواريخ المهرّبة من حزب الله إلى الحوثيين».

الحاجة أُم الاختراع
عقب سيطرة «أنصار الله» على صنعاء في سبتمبر من العام 2014م، وضعت الحركة يدها على الفرقة الأولى مدرّع، ومعسكرات القوات الخاصة وصارت معامل وورش التصنيع الحربي فيها تحت إشراف الحركة. التي واصلت البناء على ما سبق إنجازه.

واجهت «أنصار الله» منذ بداية الحرب التي تقودها السعودية صعوبة في تحريك عربات «الكاتيوشيا» بسبب كثافة تحليق الطيران وصعوبة التقدّم بها في جبهات ما وراء الحدود. فقامت دائرة التصنيع الحربي، التي صارت تحت إشرافها، بفصل رزمانة العربات واستخدام كل ماسورة كمدفع طويل المدى بعد تطويره، مع إمكانية حمله على أكتاف المقاتلين الذين يتسلقون به المرتفعات في عسير وجيزان ونجران.
ولمواجهة القناصات الحديثة للجيش السعودي وحلفاء الرياض في الداخل اليمني، قامت دائرة التصنيع الحربي بتحويل الرشاشات «5’14 م/ط» إلى قنّاصات ذات فاعلية ودقة عالية. 
أما بنادق المواجهات البرية، فلا يزال «الكلاشنيكوف» الصيني سلاح مقاتلي «أنصار الله» المفضّل، والذي لا يعرف الخلل ولا يخرج عن الخدمة إلا بعد زمن طويل من استخدامه.