التحركات الدولية في اليمن.. من القرار 2216 إلى بيل السويسرية
موقع متابعات | تقارير | صحيفة البديل المصرية:
منذ عام 2011م شهدت اليمن متغيرات جوهرية أثرت سلبًا على تماسك بنية الدولة بشكل عام وعلى النسيج السياسي والاجتماعي بشكل خاص، وأنتجت واقعًا متأزمًا، لم تنجح مخرجات الحوار الوطني في ترميمه، بل ربما كانت تلك المخرجات ذريعة في تعميق الهوة بين المكونات السياسية، سواء عبر توظيفها في فرض خيارات ومسارات غير متفق عليها، مثل مشروع الأقاليم الذي كان بؤرة مؤامرة دولية وإقليمية على اليمن، سرعان ما ظهرت فصولها تباعًا؛ لتنتهي بالعدوان على اليمن.
خلفيات المسار السياسي
المسار السياسي والدبلوماسي الذي رافق ألف يوم من العدوان والحصار لم يكن منفصلاً عن المؤامرة الكبرى على اليمن، بل يعتبره الكثيرون فصلاً من فصول العدوان، يجري توظيفه لتمرير مؤامرات سياسية واقتصادية ولتغطية تحركات ميدانية، لكن من خلال تلك المفاوضات انكشف ضعف الأمم المتحدة وحجم وثقل هادي وفريقه وعدم امتلاكهم أي قرار.
يرى مراقبون أن الجولات التفاوضية، التي كانت تجري في فندق موفمبيك بالعاصمة صنعاء قبل عاصفة الحزم برعاية المبعوث الأممي آنذاك جمال بن عمر، كانت جادة في صيغتها وفي واقعية مواضيعها وتركيزها على تجاوز أزمة الثقة بين الأطراف السياسية الناتجة عن استقالة هادي وحكومته وهروبهم إلى عدن.
وحسبما كان معروفًا خلال الأسابيع القليلة التي سبقت العدوان، فإن الأطراف كانت على وشك التوقيع على اتفاق تاريخي، يقضي بتشكيل مجلس رئاسي، يضم كل الأطراف السياسية المتفاوضة، ولم يكن يتبقى سوى تسمية شخص الرئيس، وكانت المعلومات التي أكدها جمال بن عمر بنفسه أثناء تخليه عن مهمته تقول إن العدوان هو من أجهز على ذلك الاتفاق، وأفشله في اللحظات الأخيرة.
مشاركون في المفاوضات التي كان يرعاها جمال بن عمر أكدوا أن محمد قحطان ممثل الإصلاح اعترف مرارًا أن القرار ليس بيدهم في توقيع الاتفاق الوشيك أو رفضه، وطلب من المتفاوضين ومن المبعوث الأممي أن يأخذوا موافقة السعودية، وهو ما حمل جمال بن عمر إلى زيارة الرياض لتباحث الأمر حينها، الأمر الذي بحسب المصادر آنذاك لم يلقَ نجاحًا، وتضيف المصادر أن المبعوث عاد ليقول للمتفاوضين: القرار قراركم، وعليكم أن تتخذوا خطوة تاريخية، ولن ينقذكم أحد.
في تلك الأثناء كانت السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة تعد العدة للعدوان على اليمن، ولم تجد أي محاولات لتفادي ذلك، وفي سياق متصل كان الناطق باسم أنصارالله محمد عبد السلام قد كشف أنه كان في زيارة للسعودية مع وفد من أنصار الله، خلال تلك المرحلة التي شهدت تغيرات داخل الأسرة الحاكمة في الرياض؛ بسبب موت الملك عبد الله، وهو ما تلاه تغيرات داخل اليمن، حيث استقال هادي وحكومته، وفر إلى عدن، تلا ذلك إفشال مفاوضات موفمبيك، ومن ثم اندلاع العدوان على اليمن عشية 26 من مارس 2015م.
التحركات السياسية في بداية العدوان
منذ بدء العدوان على اليمن سعت السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة أن تسوق للمجتمع الدولي وللرأي العام أنها ترمي إلى إعادة ما يسمى بالشرعية في اليمن، وبناء على ذلك استصدرت بعد أسبوعين من بدء عاصفة الحزم قرارًا من مجلس الأمن تحت الفصل السابع اعتبر بمثابة غطاء للعدوان وللحصار، حيث ربط القرار الأممي 2216 بين المسار السياسي والمسار العسكري كمتلازمين، واشترط القرار عودة ما أسماها الحكومة الشرعية وتسليم السلاح كشرط لوقف العدوان الذي اعتبره مرخصًا له دوليًّا.
ولم تكتفِ السعودية باستصدار القرار، بل ظهرت في موقع الضاغط على الأمم المتحدة؛ لتغيير المبعوث الدولي جمال بن عمر، الذي اعتبرته بحسب تصريحات المتحدث باسم العدوان أحمد العسيري وبعض المسؤولين في حكومة هادي متواطئًا مع ما أسموه بالانقلاب.
لقي الطلب السعودي تجاوبًا سريعًا من الأمم المتحدة، التي كلفت على الفور إسماعيل ولد الشيخ أحمد كمبعوث جديد إلى اليمن، على أساس أن يبدأ من حيث انتهى المبعوث السابق جمال بن عمر، والذي بدوره بادر إلى كشف حقيقة ما كان قد توصل إليه. وقال في مؤتمر صحفي يوم إعفائه من مهمته إن الأطراف اليمنية كانت على وشك الخروج باتفاق لولا عاصفة الحزم التي أفشلت كل شيء.
ومنذ ذلك اليوم بدأ مسلسل جديد من التحركات السياسية الوسيط فيها هو المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي خاض بالأطراف اليمنية جولات تفاوض ومشاورات، دون أن تصل إلى نتيجة، بداية من جنيف وانتهاء بالكويت، لتكون المهمة الأكثر فشلاً في تاريخ المبعوثين الدوليين.
التحركات التي برزت في الشهور الأولى للعدوان قرأها مراقبون بأنها تأتي لتغطية الفشل في تحقيق ما تم الإعلان عنه من أهداف، ليس للوصول إلى حل سياسي يبنى على ثمار الضربات الجوية التي نفذتها مقاتلات التحالف، بل سرعان ما تبين أنها كانت تهدف إلى خلق تفاؤل داخل الوعي اليمني ينتج عنه تراخٍ، يسهل للعدوان البدء في العمليات البرية، وهو ما حدث بالتزامن مع جنيف 1.
جولة جنيف 1.. الفشل السريع
بدأ المبعوث الدولي الجديد إسماعيل ولد الشيخ مهمته بإجراء جولة في المنطقة شملت صنعاء، وخلصت جولته إلى إعلان قرب مفاوضات جنيف 1، وقبيل توجه الوفود إلى العاصمة السويسرية كشف المبعوث عن صيغة المفاوضات، على اعتبار أنها ستكون بين الأطراف الأربعة التي كانت تتفاوض على طاولة موفمبيك برعاية سلفه بن عمر، وهي أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام والمشترك والحراك الجنوبي، وهو ما اعتبر مؤشرًا إيجابيًّا في إمكانية الوصول إلى حل سريع وفاعل، من شأنه أن ينهي الأزمة جذريًّا.
وفيما يشبه الإشارات السلبية جرى احتجاز وفد صنعاء في جيبوتي على متن طائرة الأمم المتحدة، وكان يتكون من ممثلي أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وبعض ممثلي الحراك واللقاء المشترك، ذلك التصرف وصف بأنه دليل على ضعف نفوذ الأمم المتحدة في المقام الأول، إضافة إلى كونه يوحي بنوايا التفافية على المفاوضات، التي كانت من بين أهدافها امتحان استعداد القوى الوطنية للخوض في الحل السياسي، والذي من شأنه أن يكشف مدى تأثير الضربات الجوية على قوتهم ميدانيًّا.
استجابة ولد الشيخ لضغوطات تغيير الصيغة كانت بمثابة بذرة فشل سريع للمفاوضات الأولى خلال العدوان، حيث تسبب انقلاب ولد الشيخ على تلك الصيغة التي كان قد أعلن عنها في صناعة هوة سحيقة بين الأطراف، تسببت في استحالة جلوسهم إلى طاولة واحدة، لا سيما وأن بعض المكونات السياسية شهدت انقسامات بين الرياض وصنعاء، مثل المؤتمر الشعبي العام والناصري وحتى الاشتراكي، الذي كان أمينه العام لا يزال يقيم في صنعاء حينها.
في مقابل ذلك الفشل السريع كان وفد صنعاء يحتفي بأول نجاح دبلوماسي خلال العدوان، ويتمكن من كسر العزلة والحصار، ويستفيد من جولة جنيف 1 في إبراز حقيقة ما جرى ويجري في اليمن، من خلال طرح حقائق وإطلاع العالم على جرائم العدوان، وما ترتب عليه من كوارث إنسانية واقتصادية، وهو ما لمسه المجتمع الدولي سريعًا، وتلقفته بعض القوى الإقليمية والدولية؛ لتبني عليه فيما بعد في فتح قنوات اتصال مع القوى الوطنية.
وبحسب المعطيات آنذاك فإن العدوان سارع بالتزامن مع جولة جنيف 1 إلى التحرك ميدانيًّا في استغلال للهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة لأغراض إنسانية، وما إن فشلت الجولة، حتى شن العدوان هجومًا بريًّا غادرًا عبر أولى بوابات الغزو من جهة عدن، التي شن عليها مئات الغارات في اليوم الواحد؛ لتكون بداية احتلال الجنوب، الذي كانت القاعدة وداعش على رأس المستفيدين منه، تلا ذلك التحرك من جهة حضرموت إلى مأرب.
مفاوضات مسقط تلد النقاط السبع
فشل جنيف 1 لم يكن المحطة الأخيرة في المسارات السياسية التي ظلت الأمم المتحدة تسلكها عبر مبعوثها، متسقة مع جهود قوى دولية وإقليمية، بادرت الى فتح نوافذ للتفاوض؛ بغية إيقاف مسار الحرب والوصول إلى حلول سياسية، قبل أن تتفاقم وتستفحل تبعات الحرب، وتتعقد الخيارات وتضيق، خاصة على دول العدوان نفسها، وعلى رأسها السعودية، التي باتت اليوم أكثر غرقًا في مستنقع الحرب والعدوان على اليمن، وباتت فرص الحل السياسي الذي يمكن أن يحفظ ماء الوجه شبه منعدمة.
ومن هذه الحاجة الى ترميم الملف اليمني قبل أن يستفحل جاءت مفاوضات مسقط، التي وصفت بأنها مفاوضات غير مباشرة بين ممثلي القوى الوطنية (أنصار الله – المؤتمر الشعبي العام) والمبعوث الدولي؛ لبلورة حل يجري تقديمه لاحقًا الى السعودية ومؤيديها؛ للموافقة عليه ، وخلال تلك المفاوضات التي تزامنت مع انسحاب الجيش واللجان الشعبية من الجنوب، قدم الوفد الذي يمثل القوى الوطنية تنازلات، وصفت بالمجحفة، مثل أن يتضمن الاتفاق القبول بالقرار الدولي 2216 وانسحاب كافة المسلحين من كل الأطراف من المدن وفق آلية يتفق عليها لسد الفراغ الأمني والإداري، ورفع الحصار البري والبحري والجوي، ونتج عن تلك المفاوضات عشر نقاط حملها ولد الشيخ إلى السعودية، وقوبلت بنقاط ثمانٍ طرحتها السعودية عبر هادي، وصفت بالتعجيزية، والتي تطالب وفد صنعاء بالاستسلام أولاً، وحملها ولد الشيخ إلى وفد القوى الوطنية في مسقط، فكانت بمثابة رفض للنقاط العشر التي اتفق المبعوث عليها مع وفد أنصار الله والمؤتمر في مسقط، الأمر الذي أدى إلى التفاوض مجددًا واختصارها إلى سبع نقاط أخذت في الاعتبار بعض مطالب الطرف الآخر في الرياض، غير أنها بدورها قوبلت بالرفض والمماطلة من قبل طرف الرياض.
خلال تلك المرحلة كان واضحًا الدور السعودي والأمريكي في إفشال التفاوض، الأمر الذي دفع السيد عبد الملك الحوثي للتهديد بالدخول في الخيارات الاستراتيجية بعد تقديم تلك التنازلات، وهو ما ظهر في التصعيد الصاروخي والعسكري في الحدود السعودية وفي بقية الجبهات، في رسالة واضحة بأن الخيارات العسكرية لا تزال فاعلة لصالح الجيش واللجان.
بدوره وفد القوى الوطنية استمر في التحاور والنقاش مع أطراف دولية وإقليمية عدة طوال أشهر في مسقط، ثم برز دور الاتحاد الأوربي لإحياء التفاوض في مسقط مجددًا، وهذه المرة اتسمت اللقاءات بأنها بين وفد القوى الوطنية والسعودية بشكل غير مباشر، وكانت هذه هي صيغتها، حيث كان ثمة وسطاء من عمان ومن الاتحاد الأوروبي، ينقلون المقترحات والنقاشات بين الطرفين اليمني والسعودي. وكان سفراء كل من بريطانيا وأمريكا وفرنسا في اليمن يلعبون دورًا غير مباشر في التأثير على مجريات تلك المحادثات.
في غضون ذلك كانت السعودية والإمارات تحشدان للغزو من الجهة الشرقية منفذ الوديعة باتجاه مأرب والجوف، وهو ما كان يحمل دلالات على نية للالتفاف على تفاهمات مسقط التي وصلت بحسب مصادر إلى تفاهمات عملية بخصوص وقف الحرب والحصار، وتفعيل آلية أمنية وعسكرية فاعلة ميدانيًّا، إضافة إلى تحركات من جهة ميدي الساحلية.
هذه الإرهاصات الميدانية اتسقت مع إعلان سعودي، تضمن اشتراطات عالية السقف للقبول بمخرجات مسقط، الأمر الذي حكم على مفاوضات مسقط التي استمرت لشهور بالفشل، وهو ما أنتج واقعًا ميدانيًّا وتعقيدًا سياسيًّا كبيرين، غير أن كل تلك المحاولات الميدانية لم تفلح في تحقيق الأهداف التي يريدها العدوان، رغم الفرصة التي أعطيت له من الأمم المتحدة التي أجلت التحرك السياسي لمدة طويلة، وأعادت إحياءه في أثر فشل التحرك الميداني، الذي لم يستطع تجاوز مدينة مأرب، لتبرز من جديد تحركات ولد الشيخ ترتب لجولة مفاوضات ثانية في سويسرا.
مفاوضات بيل السويسرية.. فشل بإخراج أمريكي
في نهاية عام 2015م بدأت تحركات ولد الشيخ، التي ترتب لمفاوضات بيل السويسرية، وكان من أبرز ما تضمنته صيغة المفاوضات، أو ما سُمي بخطة التفاوض حينها، اعتبار النقاط السبع قاعدة أو أرضية للنقاشات، غير أن ذلك سرعان ما تبخر مع أول جلسة.
ورغم أن المفاوضات لم تنطلق إلا بعد إعلان الأمم المتحدة وقف إطلاق النار بين الأطراف جوًّا وبرًّا وبحرًا، إلا أن ذلك كان كما يبدو فخًّا يشبه فخ غزو عدن، وهو ما كانت قوات الجيش واللجان الشعبية متنبهة له إلى حد ما، حيث تقدمت قوات الغزو في جهة مأرب والجوف، وتمكنت من السيطرة على بعض المناطق في الجوف، وهي نفسها التي لا تزال محل صراع إلى الآن.
اللقاءات المباشرة في بيل السويسرية كانت محاطة بسرية تامة، وسرعان ما كسرت تلك السرية بالتسريبات، التي كانت تصل إلى قنوات العربية والجزيرة والحدث أولاً بأول، وفي غضون ذلك طرحت قضايا عملية على الطاولة، مثل تبادل الأسرى وإيقاف العمليات العسكرية على كل الصعد؛ تمهيدًا لبناء ثقة مبادلة والسماح بإدخال شحنات السلع المحتجزة والوقود، غير أن ذلك كله ربطه وفد الرياض بما سُمي بفك الحصار عن تعز وإطلاق شخصيات بعينها، مثل الصبيحي ومنصور هادي ، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق، رغم الوشوك في الدخول إلى ما يشبه اتفاق مبادئ.
وكان وفد صنعاء قد قدم لولد الشيخ مشروعًا، ضم رؤيته للحل السياسي، اشتمل على نقاط مهمة وجوهرية ذات أبعاد استراتيجية، إلا أن تعنت وفد الرياض بتلك الطريقة كان يقف وراءه السفير الأمريكي، الذي تولى بنفسه إعلان انتهاء المفاوضات، قبل أن يتم حتى تحديد موعد لاستئنافها، كاشفًا بشكل فج عن التأثير الحقيقي الأمريكي في مسار التفاوض، وهو ما أسهم في تأزم الوضع بشكل أكبر.
وجلّ ما خرجت به المفاوضات التي استمرت ستة أيام هو الاتفاق على تشكيل لجنتين: إحداهما إنسانية والأخرى عسكرية، إضافة إلى تحديد الرابع عشر من شهر كانون الثاني المقبل موعدًا للجولة الجديدة من المفاوضات، دون تأكيد ما إذا كانت ستنعقد في إثيوبيا وفقًا لما قاله أحد أعضاء وفد الفارّ عبد ربه منصور هادي، أو في إحدى العواصم العربية، في تعويل كامل على الميدان، الذي بدأ يشتعل من جهة الجبهة الشرقية في أطراف نهم.