كل ما يجري من حولك

الأمر أكبر من لافتة سلمان وترامب.. ماذا تعرف عن التوتر بين الجزائر والسعودية؟

483

متابعات| شفقنا:

كثيرًا ما حمل التشجيع الرياضي في الجزائر رسائل متعددة، تظهر اهتمام الجزائريين وهم على المدرجات الرياضية بالقضايا المحلية والإقليمية والدولية. هتفوا للقدس ولسوريا ولليمن، وحملوا لافتات تندد وتتضامن، وفيما انتفضوا غاضبين من القرار الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس، واعتبارها عاصمة لإسرائيل، حملوا عبر إحدى المباريات المحلية لافتة تندد بالموقف السعودي من هذا القرار. ومع تصاعد التنديدات بين الطرفين، تخلق محطة جديدة في سجل العلاقات الجزائرية السعودية الذي شهد توترات كثيرة خلال السنوات الأخيرة.

 

لماذا غضبت السعودية بشدة من «وجه سلمان» على لافتة جزائرية؟

في السادس عشر من الشهر الحالي، وخلال مباراة فريق نادي مدينة «عين مليلة» مع نادي «غالي معسكر» المحليين في الجزائر، وفيما لم يكن غريبًا على هذه الجماهير التضامن مع القدس بعد القرار الأمريكي باعتبارها عاصمة لإسرائيل، رفعت جماهير المباراة لافتة كبيرة تظهر نصف وجه للرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، والنصف الآخر للملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، فيما كان معهما مجسم للمسجد الأقصى بالقدس مرفق بعبارة «وجهان لعملة واحدة».

انتشرت هذه اللافتة كالنار في الهشيم في السعودية على اعتبار أنها تحمل إساءة بالغة للملك السعودي، تتابعت بعدها حوادث التراشق اللفظي بين الحسابات السعودية والجزائرية في الفضاء الافتراضي، واعتبرت السعودية اللافتة إساءة بالغة للمملكة، فيما أصر الجزائريون على أنها عفوية تعبر عن التضامن مع القدس.

وذكرت صحيفة «سبق» السعودية، عن سفير المملكة بالجزائر سامي الصالح، قوله إنه: «جارٍ الآن التأكد من الصورة قبل اتخاذ أي إجراءات، لن نترك هذه الخطوة دون رد قوي»، وواصلت بعض الحسابات السعودية الهجوم على الجزائر فكتب أحدهم: «يجب أن نعيد حساباتنا مع حثالة العرب»، كما نشر البعض صورة جمعت الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «إيهود باراك» في جنازة ملك المغرب الراحل الحسن الثاني في 1999، في إشارة لتطبيع غير معلن بين الجزائر وإسرائيل.

على جانب آخر كتب المعلق الرياضي الجزائري الشهير «حفيظ دراجي» أن: «إمام الحرم المكي، عبد الرحمن السديس، عندما قال إن (ترامب والملك سلمان هما قطبا سلام العالم، يقودان العالم معًا إلى السلام)، لم يتحرك أحد في السعودية، بل فرح الجميع».

وأضاف «دراجي» في منشور عبر فيسبوك: «وعندما قام جمهور ناد محلي في الجزائر بتجسيد هذه المقولة في صورة مشتركة غضب البعض، وانتفض البعض الآخر على غرار سفير المملكة في الجزائر الذي توعد بالرد!»، وسبق أن غرد  المعلق الرياضي الشهير على حسابه عبر تويتر ردًا على موقف السعودية من قرار ترامب، فكتب يخاطبها: «أسستم تحالفًا إسلاميًا لمحاربة الإرهاب، ثم تحالفًا إسلاميًا لمواجهة الحوثيين، فهل من تحالف إسلامي ضد قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس؟».

أما على المستوي الرسمي، فالحكومة الجزائرية حاولت تدارك تدهور الأمور مع السعودية، فأغلقت ملعب «الإخوة دمان» بعين مليلة بالشمع الأحمر، وقال الناشط الحقوقي الجزائري، جلال لوز على صفحته على فيسبوك إنه: «تم التحقيق مع بعض المناصرين وتم إخلاء سبيل الجميع».

 

تاريخ من التوتر في العلاقات السعودية الجزائرية

وصمت العلاقات الجزائرية السعودية بالبراجماتية لتأثرها بالسياق الجيوسياسي، فكانت تلك العلاقات تشهد تقاربًا بين الحين والآخر، إلا أنها لم تتطور يومًا إلى تحالف ثابت لاختلاف المصالح بين البلدين.

 

في فترة الثمانينيات والتسعينيات اعتبر الجزائريون النفوذ الوهابي السعودي هو سبب تغذية التيار الإسلامي المتشدد بالجزائر، ومع ذلك حافظت العلاقات على «شعرة معاوية» حتى اندلعت ثورات الربيع العربي فكانت أول محطات الخلاف مع بدء الثورة السورية، فظهرت الجزائر التي ربطتها بإيران علاقات وثيقة محايدة بوضع الصامت إزاء الوضع السوري، لكن العديد من المراقبين يرون أنها في الواقع تؤيد النظام السوري، وتعارض عزل نظام الأسد، وترفض الجهود السعودية لإسقاطه.

 

وفي إطار ذلك لم تكن الزيارة الأولى بعد الثورة السورية لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم للجزائر مفاجئة، حدث ذلك في مارس (آذار) الماضي، كما قام الوزير في الخارجية الجزائرية المكلف بالعلاقات الإفريقية والمغاربية وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل، بعد شهر من زيارة «المعلم» بزيارة سوريا، في رسالة اعتبرت كيدية في نظر البعض إلى دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

 

 

وفيما يتعلق بالقضية اليمنية، فقد حلت كمحطة جديدة وهامة في الخلافات السعودية الجزائرية، إذ سرعان ما غرَّدت الجزائر خارج السرب العربي، ولم تقبل المشاركة في «عاصفة الحزم»، وقال بوضوح وزير خارجيتها، رمطان لعمامرة إن بلاده ترفض المشاركة في هذه العملية، فخلق هذا الموقف الجزائري توترًا غير معلن مع السعودية، لكن وسائل إعلام جزائرية انتقدت السعودية، فنشرت ما يفيد صعوبة تمكن المواطنين الجزائريين الموجودين في اليمن من العودة إلى ديارهم، ونقلت تلك الوسائل عن قائد الرحلة 5600 الرابطة بين الجزائر وصنعاء، مراد عمراوي قوله آنذاك إنه: «قبل خمس دقائق من وصولنا إلى جدة، تلقينا رسالة من برج المراقبة تخبرنا أنه يحظر علينا دخول المجال الجوي السعودي».

 

وفيما يخص الأزمة الخليجية مع قطر، فقد كانت الجزائر – البلد المغاربي الأكثر تحررًا من المال الخليجي – أول من بادر بإعلان الحياد من تلك الأزمة، وظهرت «الغضبة السعودية» من الجزائر بوضوح عندما رفضت الأخيرة تصنيف «حزب الله اللبناني» منظمةً إرهابية، وقالت الجزائر التي اعتادت أن تنأي بنفسها عن التدخل في شؤون الدول العربية إن الحزب هو مكون من مكونات المعادلة السياسية في لبنان، وأن اللبنانيين هم فقط من يحق لهم البت فيها، فيما تمثلت ردة الفعل السعودية بإعلان سفيرها في المغرب عن دعم السعودية لـ«الوحدة الترابية» للمغرب، والإعلان عن اعتزام مستثمرين سعوديين إقامة مشاريع في المناطق الصحراوية المتنازع عليها.

 

ولا يُنسى هنا ذكر ما أثارته تصريحات السفير السعودي في الجزائر، سامي بن عبد الله الصالح عندما وصف في يوليو (تموز) الماضي، حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإرهابية حين سُئل في حوار مع تلفزيون النهار الخاص: هل حماس إرهابية؟ فرد «طبعًا.. هي على قائمة الإرهاب إذا كانت تسعى إلى خلق المشاكل»، مما أثار غضب الجزائريين.

 

 

 

وفي إطار الرغبة السعودية الأخيرة بتكوين محور سني في مواجهة إيران، ولإدراك الرياض للأهمية الدبلوماسية الجزائرية التي لم تفقد – برغم تراجعها – قدرتها على المناورة، جاءت زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن نايف بن عبد العزيز إلى الجزائر في يناير (كانون الأول) الماضي، ومن ثم زيارة رئيس الوزراء الجزائري «عبد المالك سلال» للسعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ورغم ذلك يستبعد في إطار الحسابات الاقتصادية والجيوسياسية والأيديولوجية تحقيق تحالف حقيقي بين الجزائر والسعودية.

 

يقول الكاتب الصحافي الجزائر، توفيق رباحي: «واحدة بواحدة: حاولت السعودية جر الجزائر إلى صفها في الحرب اليمنية لكنها عجزت، فردت بمحاولة عزل الجزائر عن التكتلات والتحركات الإقليمية، فردت الجزائر برفض تأييد تصنيف حزب الله منظمة إرهابية في جامعة الدول العربية».

 

ويضيف في مقاله «الجزائر والسعودية.. الضرب تحت الحزام»: «صعّدت السعودية أكثر فلعبت في القضية الأغلى لدى النظام الجزائري والأكثر صعوبة وحساسية، الصحراء الغربية، من خلال تنظيم قمة خليجية-مغربية سريعة، أُعلن فيها أن دول مجلس التعاون الخليجي تدعم الوحدة الترابية المغربية».

 

العلاقات الجزائرية الإيرانية تثير القلق السعودي

ربطت الجزائر بإيران علاقات سياسية واقتصادية تاريخية، ويمكننا التأريخ لتعمق تلك العلاقات إلى العام 2000 عندما استعاد البلدان علاقاتهما الدبلوماسية، فأخذ مسار العلاقات يتطور نحو المزيد من التنسيق والتقارب حتى أصبحت الجزائر الشريك الأول لإيران بين الدول المغاربية، خاصة أن الجزائر لمّحت أكثر من مرة لحق الحكومات في امتلاك تكنولوجيا نووية لأغراض سلمية، وهو ما يتوافق مع الملف الإيراني النووي.

 

 

وبينما ترى الجزائر في إيران حليفًا قويًا، تدرك إيران أهمية ثقل الجزائر لاستراتيجيتها في المنطقة العربية، ولذلك سعت إيران في الآونة الأخيرة إلى توطيد علاقتها الإيجابية أكثر مع الجزائر في وقت يتراكم فيه التوتر بين إيران والسعودية، ويذكر تقرير صحيفة «GLI OCCHI DELLA GUERRA» الإيطالية أن الجزائر أصبحت: «نقطة استراتيجية؛ إذ تسعى كل من إيران وروسيا لتوطيد علاقتها بها، فلدى إيران وروسيا وجهات نظر مختلفة لتوطيد علاقتهما بالجزائر، فمن جهتها، تحاول إيران إنشاء علاقات اقتصادية مع الجزائر، فيما تسعى روسيا إلى تحقيق أهداف سياسية استراتيجية».

ولذلك يعتبر هذا التقارب مثيرًا للقلق والغضب السعودي من الجزائر، حيث ترى السعودية في مواقف الجزائر المناهضة لها وأهمها رفض الموقف السعودي من النظام السوري ورفض الانضمام إلى التحالف العسكري في اليمن، والاعتراض على توصيف «حزب الله» منظمةً إرهابية كما أسلفنا، ترى فيه استجابة للحسابات الجزائرية الخاصة مع إيران على وجه التحديد.

 

 

وتعتقد السعودية أن تغريد الجزائر خارج السربين العربي والإسلامي في التحالفات العسكرية الأخيرة تحت ذريعة الحياد وعدم التدخل في شئون الآخرين، هو رغبة من الجزائر بعدم خسران الحليف الإيراني، أو على الأقل رغبة من الجزائر في تحقيق توازن للعب دور الوساطة والبحث عن الحلول السياسية في الأزمة اليمنية وغيرها، فالجزائر قامت بأداء وساطات هامة في عدة نزاعات في سنوات السبعينيات والثمانينيات، كان أشهرها حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ويمكن اعتبار أمر الوساطة ليس من أولويات السعودية الآن على الأقل.

 

نكاية في الجزائر.. السعودية تصطف مع المغرب في «الصحراء المغربية»

لعبت السعودية دورًا مناوئًا للجزائر في قضية الصحراء الغربية خلال السنوات الأخيرة، وذلك عبر الدعم الدبلوماسي والمالي الكبير للمغرب في مسألة النزاع حول تلك الصحراء، والذي جاء نكاية في الجزائر التي كانت تقترب أكثر وأكثر من إيران.

 

المغرب الحريص على الدعم السعودي يشارك في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، ويشارك في التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنته الرياض أواخر 2015، لمحاربة الإرهاب، وهو ما خلق موقفًا سعوديًا داعمًا للمغرب في ملف الصحراء الغربية، ظهر بتأييد ضم الصحراء الغربية إلى المغرب من قبل السعودية في مارس (آذار) 2016، حين قال السفير السعودي بالمغرب، عبد العزيز خوجة إن: «المملكة السعودية تدعم الوحدة الترابية للمغرب بكل ما تملك، وإن زيارة مرتقبة لرجال أعمال سعوديين للأقاليم الجنوبية تعدّ رسالة قوية تؤكد السعودية من خلالها دعمها للوحدة الترابية للمغرب».

 

وكذلك شكل إقامة القمة الخليجية المغربية الأولى بالسعودية بحضور الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز ونظيره المغربي، محمد السادس، محطة مهمة في هذا الدعم، حيث خرج البيان الختامي للقمة ينص على أن: «قادة دول الخليج يؤكدون أن قضية الصحراء هي قضية دول مجلس التعاون ويدعمون الرباط في ذلك»، وهي القمة التي استفزت الجزائر، فخرجت الصحف الجزائرية بعناوين غاضبة، مثل «طعنة سعودية ضد الجزائر»، وجاء في عنوان آخر «السعودية ودول الخليج تعلن دعم المغرب في قضية الصحراء»، فيما تمثل الرد الرسمي الجزائري بإرسال وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية الجزائري عبد القادر مساهل، إلى العاصمة السورية دمشق، لإظهار دعم الجزائر للنظام السوري بشكل واضح.

 

 

 

لكن طبيعة العلاقات المغربية السعودية شابها بعض الغضب من جهة السعودية بعد الأزمة الخليجية مع قطر، وذلك بسبب موقف المغرب المتمثل في إعلان العاهل المغربي الحياد الإيجابي في تلك الأزمة، بل وإرساله مساعدات غذائية لقطر، فسرعان ما تغير الخطاب الخليجي تجاه قضية الصحراء الغربية، فتناقلت المواقع والصحف وصف قناة «الحدث» الإخبارية في سابقة هي الأولى من نوعها «الصحراء المغربية» بـ«الصحراء الغربية»، كما سمت جبهة «البوليساريو» الانفصالية بـ«الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية».

You might also like