«لا تخافوا العرب منشغلون بإيران الآن».. كيف قرأت الصحافة الإسرائيلية قرار ترامب؟
متابعات| شفقنا:
اعترف الرئيس الأمريكي الحالي «دونالد ترامب» أول أمس في قرارٍ صادمٍ، بالقدس «عاصمة إسرائيلية»، في خطوة أدانتها معظم دول العالم، بحسب تقرير أعدته صحيفة «الجارديان» عن الواقعة، وأشار التقرير إلى أن المجتمع الدولي – باستثناء الولايات المتحدة – يرى أن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل هو قرار كارثي؛ وأن تلك الخطوة قد تعطل عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها ستحبط عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين وضعوا آمالهم على حل القضية بطريقة دبلوماسية، عن طريق إعلان القدس الشرقية عاصمة فلسطين المستقلة في المستقبل، بحسب التقرير، وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية تشعر بالانتصار إذ يستعد أكثر من 200 ألف إسرائيلي، ممن يعيشون في مستوطنات القدس الشرقية للاحتفال، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حدة الخلافات في المنطقة، وزعزعة الاستقرار.
توالت ردود الأفعال من المجتمع الدولي منذ أمس الأول؛ إذ أدانت كل من مصر وسوريا ولبنان والأردن هذا القرار، كما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الولايات المتحدة تغرق المنطقة والعالم في حريق لا نهاية له، أما المملكة العربية السعودية؛ والتي تعتبر حليفًا قويًا للولايات المتحدة في المنطقة، فتعتقد أن هذا القرار سيضر بالجهود المبذولة لإقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط، وأيدتهم في ذلك العديد من دول أوروبا الغربية، إذ عبرت عن انزعاجها من القرار.
وقوبل الأمر بردود أفعالٍ غاضبة في المجتمع الفلسطيني، إذ أُعلن اليوم الجمعة الثامن من ديسمبر (كانون الأول) «جمعة غضب» تنطلق فيها المسيرات في كل المحافظات الفلسطينية، وفي السطور التالية نتعرف على ردود الفعل الإسرائيلية بشأن هذا القرار.
«لا تخافوا مصر والسعودية منشغلتان بإيران».. كيف رأى اليمين الإسرائيلي قرار ترامب؟
الصراع بين اليمين واليسار الإسرائيلي، صراع متأصل منذ بداية تأسيس دولة إسرائيل، إذ يقول عنه الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي «حاغاي توفولينسكي» إن الصراعات الدائرة بين معسكرات اليمين واليسار في إسرائيل تعد التهديد الأكثر خطورة على الدولة. ويُعد اليمين هو الجناح الأكثر عداءً للعرب وتشددًا تجاههم، لكن كيف يرى اليمين السياسي خطوة ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل؟
في تقريرٍ عن التعارض بين وجهتي النظر اليمينية واليسارية حول قرار ترامب تم نشره في موقع «Inside The Nation»، أشار اليميني الإسرائيلي «آموس يادلين» إلى أن التحذيرات بشأن ردود الفعل العنيفة، تجاه القرار من الدول الإسلامية هو أمر مفرط في الحيطة؛ إذ يقول إن الشعوب العربية لن تخرج إلى الشوارع من أجل تلك الخطوة، لأن لديها ما يشغلها، ويضيف: «لن أتفاجأ إن جاءت ردود الأفعال أقل بكثير من التحذيرات الأكثر خطورة».
واختتم آموس التقرير بأن هناك بعض اليسار غير المحافظين مثل «آرييل دايفيدسون» ممن يوافقون اليمين وجهة النظر ذاتها؛ إذ ترى «دايفيدسون» أن الشكوى من قرار الرئيس الأمريكي ترامب هو بمثابة اعتذار للإرهاب الإسلامي المتطرف، بحسبها.
أما رد فعل صحيفة «يسرائيل هيوم» يمينية التوجه والموالية لرئيس الحكومة الإسرائيلية «بنيامين نتنياهو» فجاء في شكلٍ احتفالي؛ إذ تصدّر القرار عناوين الأخبار، مُشيرين إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يخف من التصدي للجموع بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وأن القدس لن تصبح مجالًا للمفاوضات والمناقشات مرةً ثانية، وفي خبرٍ آخر أفصح «نتنياهو»عن أمله بانضمام العديد من الدول لقرار الولايات المتحدة الأمريكية، متوقعًا أن تقوم بعض الدول بنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، إلا أن تلك الخطوة قد تتخذ بضع سنوات.
وأعلن «نتنياهو» في بيانٍ أصدره عقب إعلان ترامب يوم الأربعاء الماضي، إن: «هذا يوم تاريخي، فقد كانت القدس عاصمة لإسرائيل منذ ما يقرب من 70 عامًا، ومحور آمالنا وصلواتنا منذ أكثر من 3 آلاف سنة».
أما «نير بركات» عمدة مدينة القدس؛ فأشار عند عودته من واشنطن بعد عقد مجموعة من المؤتمرات والفعاليات بهدفِ تعزيز القدس، إلى أن هذه الخطوة التاريخية ستبعث برسالة إلى العالم، خاصةً بعد وقوف الولايات المتحدة بجانب الشعب اليهودي وإسرائيل في القدس بحسبه، مُضيفًا: «نيابةً عن مدينة القدس، قلب الشعب اليهودي وروحه، أشكركم من أعماق قلبي على التزامكم ونواياكم تجاه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل»، وفي نهاية حديثه أشار «بركات» إلى أن الحكومة الإسرائيلية لن تدع التهديدات العنيفة تمنعها عن فعل ما هو صحيح، واصفًا تصرف الرئيس الأمريكي «ترامب» بالشجاع.
«رد الفعل الفلسطيني هو رفض لحق إسرائيل في الوجود، تمامًا كما فعل العرب قبل 70 عامًا» *كاتس وزير المخابرات الإسرائيلية
هكذا عبر وزير المخابرات الإسرائيلية «يسرائيل كاتس» عن سعادته بقرار «ترامب»، مُشيرًا إلى أن المجتمع الدولي يجب أن يتكاتف من أجل تأييد قرار ترامب، مُضيفًا أن إعلان ترامب يعزز دفع عملية السلام في المنطقة، وأن إسرائيل ستتخذ خطوات اقتصادية لمساعدة الفلسطينيين، محذرًا إياهم من أي رد فعل عنيف.
أما عن تصريحات بعض المنتمين لليمين الإسرائيلي بشأن القلق من العنف، وأن تلك الخطوة قد تشعل المنطقة؛ فقد صرح محرر شؤون الشرق الأوسط في القناة العاشرة العبرية، بأن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل قد جاء بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية مسبقًا، مُشيرًا إلى أن قرارًا كهذا لم يكن سيُتخذ دون إجراء كافة الاحتياطات اللازمة، وأن منطقة الشرق الأوسط تشهد الآن تغييرات جذرية سيدفع ثمنها الفلسطينيون؛ إذ يعد التصدي لدولة إيران العدوانية، بحسبه، هو الأهم في تلك الفترة لحلف الدول السنية المعتدلة، ولم تعد القضية الفلسطينية مطروحة على الساحة.
هكذا عبر اليسار الإسرائيلي عن قرار ترامب
يُعد فكر اليسار الإسرائيلي هو الأكثر اعتدالًا، إلا أنه وبإمعان النظر في أفكار الأحزاب الإسرائيلية اليسارية، لن نجد اختلافًا كبيرًا فيما بينها وبين اليمين الإسرائيلي، فكلاهما لا يؤمنان بوجوب السلام مع العرب والفلسطينيين باستثناء عدد قليل من المُعادين للصهيونية؛ وعلى الرغم من وجود بعض الأحزاب التي تصنف نفسها «عربية – يهودية» مثل تحالف الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام، لكن يصعب فهم طبيعة هذا التيار، إذ يصف نفسه وكأنه «إسرائيلي – فلسطيني» جزء من النظام السياسي الإسرائيلي، وهو ما يفسر التباين في وجهات نظر اليسار حول قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
ويمكن تفسير معارضة أغلب اليسار الإسرائيلي للإعلان الأمريكي، بأنه نتيجة الخوف من العنف وشن الهجمات المسلحة، لكنهم على الرغم من ذلك يعترفون صراحةً بأن القدس هي العاصمة المُقدرة لإسرائيل منذ أكثر من 2000 عام، ففي تقرير لصحيفة «هآرتس الإسرائيلية» عن قرار «ترامب» – والتي تُعد من صحف اليسار المحافظ – أُشير إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقوم بخدعة سياسية ستدفع إسرائيل ثمنها، إذ ترى الكاتبة «إيميلي مواتي» أن السفارة الأمريكية لن يتم نقلها في حقيقة الأمر إلى القدس، مُشيرة إلى أن ترامب سيطلب ثمنًا استراتيجيًا مقابل قراره، وأن هذا القرار الغرض منه تشتيت الرأي العام، مُضيفةً أن القيادة الإسرائيلية اليمينية لا تأخذ في الاعتبار أن التكلفة قد تكون إخلاء المستوطنات من أجل تنفيذ خطة ترامب للسلام، والتي تهدف إلى حلَّ الدولتين.
وقالت «مواتي»: «نحن شعب رفع رأسه لمدة 2000 عام في المنفى، عاصمته القدس، ولا يحتاج من الرئيس الأكثر عنصرية في العالم تصريحًا بذلك»، وفي تقرير آخر لصحيفة هآرتس، تمت الإشارة إلى أن هناك أكثر من 300 ألف مواطن فلسطيني يعيشون الآن في مدينة القدس، دون حق المواطنة، وهو الأمر الذي قد يفجر الوضع في الشرق الأوسط وستدفع إسرائيل ثمنه؛ إذ ستضطر للتصدي لكل هؤلاء.
أما تقرير موقع «Inside the nation» فيشير إلى انقسام وجهات النظر اليسارية حول قرار ترامب؛ إذ قد تزيد احتمالات أن يرى بعض اليسار الشعب الفلسطيني مضطهدًا، وأن تحالف الحكومة الأمريكية الإسرائيلية هي الطرف الظالم في تلك المعادلة، إلا أن هناك بعض اليسار قد يرون أن الأمر ليس بهذا السوء، أو قد يشككون في نوايا الحكومة الأمريكية بشأن نقل سفارتها حقيقةً إلى القدس، ويقول عن ذلك «أوري فريدمان»: «على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي يقف ترامب ويعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلا أنه في نفس الوقت لم يتخذ أية خطوات على أرض الواقع بشأن نقل السفارة الأمريكية».
كما حاولت جريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية والتي تتباين آراؤها بين اليمين واليسار، أن تتخذ شقًا معتدلًا في الحديث، إلا أنها اقتبست بعض تصريحات القيادة الإسرائيلية حول تهنئة «بنيامين نتنياهو» للرئيس الأمريكي واصفًا إياه بأنه على وشك تغيير التاريخ، واتهمت المتظاهرين الفلسطينيين الذين خرجوا في مظاهراتٍ حاشدة تعرضت لها الشرطة الإسرائيلية بأنهم عناصر شغب.
وعلى الجانب الآخر شهد وسم «#trump decision»، تفاعلًا ملحوظًا على موقع التواصل الاجتماعي تويتر؛ إذ عبر الكثيرون عن استيائهم من القرار، فيما قال الناشط الإسرائيلي «ستيف رايموند» عبر حسابه الرسمي على تويتر، أن قرار ترامب بشأن القدس هو دليل على التهور والتجاهل للحياة الإنسانية، وأنه يستحيل ألا يسبب عنفًا.
لا اختلاف بين اليسار واليمين، فكلاهما يرى أن اليهودي وحده يملك حق المواطنة، وما يحرك وجهات النظر المختلفة في حقيقة الأمر هو الخوف من ردة فعلٍ عنيفة؛ فيقول مازن المصري في تقريره بموقع «العربي الجديد» أن الفلسطيني تحول إلى جزء لا يتجزأ من هيكلة الاستعمار الاستيطاني، وأن الهدف الأسمى للسياسة الإسرائيلية يسارية كانت أم يمينية هو تشويه مفهوم المواطنة لدى الفلسطيني، من أجل أن تجبره على الاندماج في المجتمع الإسرائيلي. مُشيرًا أن كلا الحزبين يرى في المواطن الفلسطيني تهديدًا له، وأن إسرائيل دولة يهودية، أما الاختلافات فتقع في بعض التفاصيل الصغيرة.
وما يثير الدهشة من وجهة نظر التقرير أن هناك الكثير من الفلسطينيين الذين قاموا بتعليق آمالهم حول اليسار، دون أن يدركوا أن اليسار الإسرائيلي تحديدًا هو من عمل على تنفيذ أبشع الجرائم في الفلسطينيين بدايةً من النكبة، وينهي «المصري» تقريره مُصرحًا بأن الصهيونية هي ما يحكم الحزبين، وليست المبادئ اليسارية أو اليمينية.
أما تقرير «الجزيرة» حول أسطورة اليسار الإسرائيلي، فأشار إلى أن اليمين واليسار لا يختلفان في تعاطيهما مع مسألة السلام؛ إذ أنهما وجهان لعملةٍ واحدة، فيصف التقرير حزب «ماباي»، الحزب الحاكم المؤسس لإسرائيل والمصنف ضمن الأحزاب السياسية، أنه كان مسؤولًا عن بعض عمليات التهجير البشعة التي تعرض لها الفلسطينيون، مُضيفًا أن اليمين وحده هو القادر على عقد السلام، بدليل اتفاقية كامب ديفيد، والتي أبرمها «مناحم بيجن» اليميني المتطرف، مُشيرا إلى أن تخلي «بيجن» عن حلم «إسرائيل الكبرى» بعد تنازله عن سيناء، هو أمر اعتبره اليسار خيانةً في ذلك الوقت، أما اليسار حقيقةً؛ فلا يملك سوى أن يبيع أوهامًا عن المواطنة والسلام، دون أن يؤمن بهما.