أجرت مجلة «فورين بوليسي» مقارنة بين سياسة الولايات المتحدة إزاء الصراع السعودي، الإيراني في الشرق الأوسط خلال عهد إدارتي باراك أوباما، ودونالد ترامب، مشيرة إلى أن سياسة الأول ركزت على ضرورة تقاسم النفوذ بين الغريمين الإقليميين، فيما بدت سياسة الثاني منحازة إلى جانب الرياض.
ولفتت «فورين بوليسي» إلى أن سياسة الرئيس دونالد ترامب، وعوضاً عن محاولة التأثير إيجاباً في السلوك السعودي، بادرت إلى إعطاء المملكة السعودية في عهد الملك سلمان «شيكاً على بياض»، وتفويضاً باتباع السياسة التي تريدها في الشرق الأوسط. وشددت المجلة على أن سياسات إدارتي أوباما، وترامب أسهمتا في تعزيز النزعة العدوانية لدى الجانبين الإيراني والسعودي، موضحة أن السعوديين يشعرون في عهد الإدارة الحالية بالثقة الزائدة، أكثر من إحساسهم بانعدام الأمن، فيما ينظر الإيرانيون إلى المواجهة مع الولايات المتحدة، والمملكة السعودية كـ «خيار وحيد».
وفي سياق الإشارة إلى مواقف ترامب المنحازة للمملكة العربية السعودية، أوضحت «فورين بوليسي» أن حملة المقاطعة ضد قطر، أطلقتها الرياض عقب زيارة ترامب، فيما جاءت واقعة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، بعد أيام من زيارة صهر الرئيس ترامب، جارد كوشنر، مشيرة إلى أن تدخلات وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين لتلافي الأضرار الناجمة عن سياسة ترامب الداعمة للرياض، لم تفلح بالشكل المطلوب.
وزادت «فورين بوليسي» أنه لم يفت الأوان، حتى تتحول إدارة ترامب نحو تبني استراتيجية، تكون قادرة على إدارة الصراع الإقليمي المتصاعد، بشكل أكثر فاعلية. وبحسب المجلة، فإنه يتعين على إدارة ترامب أن تقلع عن سياسة «المواجهة الشاملة» مع إيران، وأن تتبنى استراتيجية تمزج ما بين إشراك إيران (في قضايا الإقليم)، وممارسة الضغوط عليها، بما يساعد على إعادة تشكيل سلوك طهران. وعلى نحو أكثر توضيحاً، أكدت «فورين بوليسي» أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، تتطلب اتخاذ خطوات تتعارض مع مصالح طهران في الشرق الأوسط، بالتوازي مع إرسال إشارات عبر القنوات العامة والخاصة، تقدم تبريرات لتلك الخطوات والتدابير، من بينها وقف شحنات لأسلحة إلى اليمن، والنظر في تدميرها، والعمل مع الروس، من أجل إبعاد إيران عن الحدود السورية مع «إسرائيل».
وأضافت «فورين بوليسي» أنه، وبدلاً من الاكتفاء بالصمت حيال تهريب الأسلحة إلى اليمن، كما كان يجري في السابق، يتوجب القيام بجهود واسعة من أجل كشف ممارسات إيران، وإحراج موقفها، مشددة على أن ذلك لا يرمي إلى «التصعيد» مع إيران، بل إيجاد «ردع فعال» إزاءها، بالنظر إلى وجود سوابق مشابهة في هذا الخصوص، سواءً في العراق أو اليمن، حين فعلت «رسائل شديدة اللهجة» فعلها في التحذير من سلوك طهران «العدواني» في مضيق باب المندب، وتجاه القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية.
من جانب آخر، أكدت «فورين بوليسي» ضرورة أن يقترن النهج الحازم المشار إليه، مع إبداء الاستعداد للتفاوض مع الجانب الإيراني، لافتةً إلى الحاجة لفتح قناة التواصل الثنائية، المباشرة بين واشنطن، وطهران، والتي تم تدشينها بين وزيري الخارجية الأمريكي والإيراني في عهد إدارة أوباما، لا سيما وأنها أسهمت في التوصل إلى اتفاق بين الجانبين للإفراج عن عدد من البحارة الأمريكيين في العام 2016، مع التأكيد على أهميتها كـ «قناة تواصل حاسمة» إزاء ملفات العراق، وسوريا، حيث يعد قبول إيران بأي تسوية سياسية نهائية مرتقبة هناك، ضرورياً.
أما على الجانب السعودي، فقد دعت «فورين بوليسي» إدارة ترامب إلى الحفاظ على العلاقات الشخصية مع القوية التي تتمتع بها داخل الرياض، وأن تستخدم «الخطوات المتشددة» المتخذة ضد طهران، لطمأنة السعوديين، مع التشديد على الحاجة إلى نهج «محاسبي» إزاء سلوك الرياض في المنطقة، يقوم على رفض منحها «شيكاً على بياض» حيال أزمات الشرق الأوسط. ولفتت المجلة إلى أنه يمكن للولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية أن يعملا معاً ضد طهران، ومن أجل الدفع بالأجندة الإصلاحية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مشيرة إلى أهمية أن يقوم السعوديون باتخاذ «خطوات من أجل تفادي أزمة إنسانية» في اليمن، وأن يبدوا مرونة أكبر تجاه الدخول في مفاوضات سياسية لترتيب الوضع هناك، إلى جانب أهمية التشاور مع واشنطن قبل الإقدام على «خطوات متهورة»، كما شهدنا في قطر، ولبنان.