هكذا تسعى السعودية لشرعنة الحصار!
وفي هذا السياق، وعقب حملة دولية مناهضة للحصار، أعلن المندوب السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، الاثنين الماضي، عن رفع الحصار عن اليمن خلال 24 ساعة، في محاولة لامتصاص الغضب الدولي العارم الذي ارتفعت حدته ضد نظام بلاده .
ومع أنه حصر الإعلان بالمطارات والموانئ الخاضعة لسلطات هادي، بما فيها عدن والمكلا وسيئون وسقطرى، مستثنياً ميناء الحديدة، إلا أنه مع ذلك لم يكن صادقاً حتى في هذه، بعد أن أكد بيان صادر عن نقابة العمّال بميناء عدن للحاويات، يوم الخميس، أن حصار «التحالف» لميناء عدن لايزال قائماً، وأن ما نشر من تصريحات عن إدارة الميناء بهذا الخصوص غير صحيح ومخالف لما يحدث على أرض الواقع.
وتثبت من كل هذه الأكاذيب أن الهدف من توسيع الحصار الذي وصف بالمؤقت، كان في الأساس جعل المجتمع الدولي يقبل بتعطيل ميناء الحديدة، الذي يجهد تحالف الرياض وأبو ظبي للسيطرة عليه منذ أكثر من عام، حين يعيد افتتاح المنافذ الأخرى، وهو ما أكده المعلمي، حين قال ببقاء الميناء تحت الحصار، موضحاً أنه لن يُفتح في حال عدم زيادة تدابير الرقابة، متهماً آلية الرقابة التابعة للأمم المتحدة بكونها تراقب فقط السفن الكبيرة، من دون السفن متوسطة الحجم، مردداً الاتهام بأن الأسلحة تصل إلى «الحوثيين» عبر هذا الميناء، وهو مضمون ما قاله المستشار بالديوان الملكي السعودي المشرف على مركز الملك سلمان للإغاثة، الدكتور الربيعة، في كلمته أثناء ندوة في العاصمة الإيطالية روما، الجمعة، حيث أشار إلى أن المعابر اليمنية البحرية والجوية التي تخضع لمعايير الرقابة والتدقيق من قِبل «الحكومة الشرعية»، ستكون مفتوحة لدخول المساعدات الإنسانية.
ولم تتوقف حكومة المملكة عند هذا الحد من المراوغة والكيد، بل قامت بتوجيه حكومة هادي، التي تدعمها، بإعادة معركة ميناء الحديدة، بغرض حرف الرأي العام عن جريمة الحصار الذي تقوم به لإيجاد مبرر لشرعنة هذا الحصار بتكليفها بالقيام به، وإنْ صورياً، ولهذا أعاد أحمد بن مبارك، سفير هادي لدى الولايات المتحدة، فتح ملف تسليم الحديدة، الذي يعد وسيلة التواصل الوحيد المتبقي مع العالم الخارجي، مذكراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، برفض سلطة صنعاء لخطة تشرف بموجبها الأمم المتحدة على الميناء، مردداً اتهامات المملكة ذاتها، باستخدام الميناء للتهريب، قافزاً فوق حقيقة أن كل السفن الداخلة إليه تخضع للتفتيش من قبل الأمم المتحدة وقوات «التحالف».
وفي ذات سياق محاولة استخدام التجويع لليمنيين كإحدى أدوات الحرب، دعا وزير الإدارة المحلية عبد الرقيب فتح، أثناء اجتماعه مع نائب الرئيس التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، إلى اقتصار المنظمات الأممية على استخدام المنافذ البرية والبحرية والجوية في المحافظات المحررة لإيصال المساعدات الإغاثية والإنسانية، مع أن هذه المنافذ، وأيضاً المدن الرئيسية مثل عدن والمكلا، لا تخضع لسلطات هادي، وإنما لسلطات الإمارات والسعودية وفصائل مسلحة متناحرة.
لقد حاولت الأمم المتحدة إسقاط ذرائع الرياض حين قبلت ما نقله المعلمي عن اشتراط «التحالف» إرسال فريق إلى مركز الرقابة في الرياض لمراقبة الشحنات لمنع إيصال المال والسلاح، عندما أعلن الأمين العام غوتيريش، استعداده لإرسال فريق فني إلى الرياض لبحث آلية التفتيش التابعة لمنظمته من أجل شحن المساعدات إلى اليمن، مع ما صار معلوماً من أن الغرض ليس أكثر من محاولات لكسب الوقت لإيجاد مخارج بديلة لاستمرار الحصار. وهو ما دفع كثير من المنظمات الدولية وعدد من الدول الحليفة للسعودية، ومنها بريطانيا وفرنسا وأمريكا، لتشديد لهجتها الرافضة لمماطلتها، وخاصة بعد أن تبيّن إصرار مسؤوليها على الكذب واستغباء العالم حين تؤكد ما أعلنته عن إنهاء الحصار.
وبهذا الخصوص، فقد أوضحت بيانات رسمية لمنظمات دولية، فداحة ما وصلت إليه أحوال اليمنيين من سوء جرّاء استمرار الحصار، حيث عبّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن غضب المجتمع الإنساني في اليمن من استمرار الحصار الذي تفرضه قوات «التحالف» بقيادة السعودية لليوم الحادي عشر على التوالي، كما أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان، على أن ما يقرب من مليون شخص في تعز، والحديدة وصعدة، محرومون الآن من المياه النظيفة والصرف الصحي نتيجة الحصار، وحذّر رئيس اللجنة الدولية في اليمن، من أن مدن أخرى، من بينها العاصمة صنعاء، ستكون في الوضع نفسه خلال أسبوعين.
واعتبرت الأمم المتحدة و14 منظمة دولية عاملة في اليمن، في بيان مشترك، أن إغلاق منافذ اليمن أمام إيصال المساعدات الإنسانية، إجراء «قد يرقى إلى عقاب جماعي للملايين». فيما حذر مسؤولون من ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة، هي منظمة الصحة العالمية والـ(يونيسف) وبرنامج الغذاء العالمي، في بيان مشترك، أن «آلاف الضحايا الأبرياء وبينهم العدد الكبير من الأطفال سيموتون» في حال لم تصلهم مساعدة إنسانية. ووجهوا نداءً جديداً من أجل السماح بإدخال لوازم الإسعافات الأولية إلى اليمن لمواجهة ما أصبح اليوم «أسوأ أزمة إنسانية في العالم».