بين علمانية المملكة والإسلام المعتدل.. قتل الأبرياء في اليمن يتواصل.. “تقرير”
متابعات | تقارير | صحيفة البديل المصرية:
مجزرة مروعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ارتكبتها المملكة السعودية وحلفاؤها ضد المدنيين في اليمن، حيث قامت طائرات الموت السعودية التابعة لما يسمى بالتحالف العربي بغارات غادرة على سوقٍ شعبي بمدينة صعدة شمالي اليمن، وأدت المجزرة إلى استشهاد وإصابة العشرات معظمهم من الأطفال، وجاءت العملية العسكرية البشعة بعد أيام على إنكار السعودية مسؤوليتها عن المجازر المروعة بحق الشعب اليمني.
وأفادت مصادر إعلامية يمنية بسقوط 26 شهيدًا و9 جرحى كحصيلة أولية لمجزرة العدوان، والتي وقعت بالأمس في سوق علاف بمديرية سحار بالمحافظة، غارات العدوان على سوق علاف استهدفت أيضًا فندقًا شعبيًّا “لوكندة” ومحلات تجارية، وإلى الآن لا تزال عمليات البحث والإنقاذ جارية.
وما من تفسير لهذه التصرفات اللاأخلاقية للسعودية والتي أصبحت بموجبها الروح اليمنية بلا قيمة وبلا ثمن، غير أن المملكة لا تطبق الحد الأدنى من المبادئ الإسلامية السّمحة، ويبدو أن المملكة وولي عهدها، محمد بن سلمان، ما زالت عالقة عند نقطة الفكر المتطرف، فرغم تصريح بن سلمان بأن بلاده تسعى للعودة إلى “الإسلام الوسطي المعتدل”، إلا أن الواقع يؤكد أن النّظم المتطرفة ما زالت واقعًا قائمًا في المملكة، إلا أن تعود للدين الوسطي.
وهنا يجب التنويه بأن الفكر المتطرف والذي لا يمت بصلة للدين الإسلامي ما كان لينتشر في أرجاء المملكة، إلا عندما وجد له حاضنة سياسية ترعاه وتشرعن تحركاته داخل المملكة وخارجها، فمصطلح شيوخ الفتنة الذي ترافق مع تأجيج الأزمات في الدول العربية والإسلامية كان مدعومًا من قبل نظام الحكم السعودي، ويرى مراقبون أن حصر بن سلمان للفكر المتطرف في بعض الجماعات والتيارات الوهابية فيه الكثير من المغالطة، فالتطرف الذي تمارسه آلة القتل السعودية ضد أطفال ونساء ورجالات اليمن نابع في المقام الأول من القرار السياسي، بل ويتم تدعيم قرار الحرب هذا بغلاف ديني عبر علماء دين يأتمرون بأمر البلاط الملكي، حتى تتمكن المملكة من حشد المقاتلين على أسس طائفية ومذهبية، الأمر الذي يجعل المرتزقة وبعض الجنسيات العربية كالسودانية يقاتلون لصالح آل سعود، وهنا نجد أنه من غير الإنصاف الحديث عما يسمى بالتطرف الديني دون الحديث عن النظم السياسية التي ترعاه، وتوفر له مناخ الانتشار والتمدد، وما الأزمة الخليجية الدائرة الآن إلا وجه من وجوه دعم النظم الخليجية في السعودية وقطر للإرهاب والتطرف في سوريا وغيرها، وهو الأمر الذي دعمته تصريحات مهندس السياسة الخارجية لقطر، حمد بن جاسم، حينما قال إن بلاده قدمت الدعم للجماعات المسلحة في سوريا، عبر تركيا، بالتنسيق مع القوات الأمريكية وأطراف أخرى، لافتًا إلى أن “الصيدة” أفلتت، ولم ينفِ بن جاسم دعمه لجبهة النصرة الإرهابية.
وفي حال إرادة المملكة تبني الإسلام الحقيقي كما تقول، فعليها تطبيق معايير الإسلام على أرض الواقع، فالإسلام جعل الإصلاح أولًا في حال اقتتال طائفتين من المسلمين، كما أنه حرّم سفك الدم دون وجه حق، وهو الأمر الذي تتغاضى عنه المملكة، ففي الشهر الماضي فقط استشهد أربعة مدنيين وجرح خامس في جريمة لطيران العدوان ارتكبها الجمعة الماضية، بحق مسافرين في منطقة آل عمار بمديرية الصفراء محافظة صعدة الحدودية، وسقط 11مدنيًّا بين شهيد وجريح في الـ 20 من شهر أكتوبر الجاري، إثر غارات لطيران العدوان السعودي الأمريكي، استهدفت منطقة الغور بمديرية غمر الحدودية، كما ارتكب طيران العدوان مجزرة بحق المدنيين الثلاثاء 17 أكتوبر، استشهد فيها ثلاثة عمال وأصيب ثمانية آخرون إثر غارة استهدفت ثلاجة زراعية لهم في مديرية مجز بمحافظة صعدة، ناهيك عن المجازر المروعة بحق المدنيين في صنعاء. فقبل عام قامت طائرات العدوان السعودي باستهداف صالة القاعة الكبرى في صنعاء، راح ضحيتها أكثر من 135 شخصًا غالبيتهم من المدنيين، ويأتي ذلك في سياق الجرائم اليومية التي يرتكبها طيران العدوان السعودي الأمريكي بحق المدنيين في مختلف المحافظات اليمنية، وخصوصًا محافظة صعدة، حيث استشهد وجرح أكثر من 35 ألف مدني منذ بداية العدوان على اليمن في 26 مارس 2015.
والمفارقة هنا أن السعودية وحتى اللحظة لم تستطع تبني الإسلام المعتدل، ولا هي في طريقها للعلمانية، فالمملكة تحاول أن تسوق نفسها في الآونة الأخيرة كمملكة علمانية منفتحة، وهو مطلب أمريكي بامتياز، توجه المملكة الجديد القديم أكده سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، بالقول “إن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر”، حسب تعبيره، وهنا بدأت الرياض ببعض التغييرات الشكلية، كالسماح للمرأة بقيادة السيارة والسماح للعائلة بحضور المباريات على المدرجات، ولكن يبدو أن السعودية لم تقنع الدول العلمانية بعلمانية المملكة، ففي الشهر الماضي أدرجت الأمم المتحدة التحالف بقيادة السعودية في اليمن الشهر الماضي على قائمة سوداء؛ بسبب دوره في قتل وإصابة المئات من الأطفال وهجماته على مستشفيات ومدارس خلال العام الماضي.
ويبدو أن بن سلمان بات يتلاعب بالمصطلحات كما يشاء، فهو من جهة يحاول تبني العلمانية كشرط للتقارب مع واشنطن والكيان الصهيوني، لتمهيد لما يسمى بصفقة القرن، وفي الوقت نفسه لا يستطيع التخلي بالمطلق عن الصبغة الدينية؛ نظرًا لأهميتها السياسية، فكثير من التحالفات العسكرية التي تخدم مصالحه باتت تندرج تحت مسميات دينية، كالتحالف الإسلامي، والناتو الإسلامي، الأمر الذي يسمح باستمرار الحشد لها.