أسبوع حافل بالأحداث عاشته مدينة عدن؛ حيث استأنف «مجهولون» تنفيذ موجة اغتيالات جديدة طالت أئمة مساجد في مناطق واقعة شمال المدينة.
رئيس الوزراء في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، أحمد عبيد بن دغر، ومحافظ عدن عبد العزيز المفلحي، يتبادلان اتهامات بشأن التصرف بإيرادات المحافظة البالغة مليارات الريالات.
هبوط متسارع لقيمة الريال مقابل الدولار وإجراءات الحكومة لم تتمكن من الحفاظ على تعافي الريال المؤقت لأقل من أيام.
تلك الأحداث المتسارعة التي تشهدها المدينة تتزامن واستمرار أزمة مشتقات نفطية خانقة، دخلت أسبوعها الثاني متسببة في انقطاع متواصل لخدمات الكهرباء وتدهور مطرد في قطاعات الصحة والمواصلات والاتصلات.
صراع أم عجز؟
لم يعد الكثير من أهالي مدينة عدن والمناطق المحيطة يعون خلفية الأحداث التي تشهدها مدينتهم، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
أكاديميون في جامعة عدن قالوا لـ«العربي» إن تراجع الخدمات في عدن مرده عجز حكومة بن دغر عن القيام بواجباتها، خاصة في الجانب الاقتصادي، وانهيار سعر الريال مقابل العملات الأخرى.
أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة «عدن»، الدكتور عبد الواحد محمد، يرى أن «خلفية الصراع السياسي بين الشرعية والانتقالي تلقي بظلالها على مجمل الأحداث التي تشهدها المناطق المحررة»، فتحركات المجلس الانتقالي الأخيرة «أزعجت الشرعية كثيراً، كما أن الفساد الذي أشار إليه المبعوث الأممي في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي لدى الشرعية سبب آخر ومهم يجلي حقيقة ما يدور في عدن». ويتابع محمد: «ما قاله المحافظ المفلحي اليوم يكشف جزءاً يسيراً من حجم الفساد الذي تغرق فيه الشرعية»، يستطرد: «هناك مبلغ 18 مليار ريال أخرى مفقودة من إجمالي المبالغ التي تمت طباعتها في روسيا لا زال التحالف يحقق في مصيرها».
فصل جديد من مسلسل صراع مستمر بين الشرعية وحلفائها، والإمارات وحلفائها، مسرحه عدن ومحافظات الجنوب. ويجري توظيف الخدمات كسلاح في تلك المواجهات، هذا رأي مطابق لأستاذ علم الاجتماع في جامعة «عدن»، فهد ردمان، الذي يعتقد بأن «قوى محسوبة على الشرعية تسعى إلى إرباك المشهد في عدن وخلط الأوراق كلما تمكن الانتقالي من تحقيق إنجازات على الأرض».
وفيما أشار القيادي في «المقاومة الجنوبية»، عبد الكريم قاسم، إلى أن «العجز في توفير المشتقات النفطية ملف متشعب وشائك ولا حل له على المدى القريب والمنظور»، أكد أن خلفيته مالية بحتة وليست سياسية ولها ارتباط وثيق بارتفاع الدولار، حيث أن الشركة المستوردة للمشتقات النفطية تلجأ إلى السوق لسد احتياجاتها من العملة الصعبة بعد تسلمها قيمة ما تقدمه من شحنات نفطية بالعملة المحلية الريال، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق.
وكيل في وزارة الإعلام، وشخصية مقربة من رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، قال لـ«العربي» إن ما يجري في عدن «أمور اعتيادية في بلد لا زال يشهد حرباً منذ 3 سنوات وباقتصاد مدمر»، ولفت الوكيل إلى أن «محاولة القوى السياسية المتنافسة في الجنوب تحميل مناوئيها ــ بما فيهم أطراف حكومية ــ مسؤولية تدني مستوى الخدمات وتضخيم ملف الاغتيالات لحسابات سياسية هو ما يجعلها تبدو أكبر من حجمها». وأضاف: «ما فيش لدى الحكومة سيولة ولا موارد، هذه الحقيقة، وبالتالي فإن هذا الأمر سينعكس سلباً على كل شيء، وفيما يتعلق بالاغتيالات فإن الفئة المستهدفة (وهم أئمة المساجد) تقول بأن الجهة التي تقف وراء تلك العمليات تأتيها الأوامر من صنعاء، فهي المستفيد الأبرز من وراء تدهور الوضع الأمني في عدن والمدن الواقعة تحت سيطرة الشرعية».
أيام نحسات
لعب على المكشوف بين الأطراف السياسية المتحالفة مع «التحالف» ستشهدها الأيام، ورّبما الأسابيع، القليلة المقبلة، حال صحت رواية حصل عليها «العربي» من مصادر موثوقة.
تؤكد تلك المصادر أن قرار إقالة مدير أمن عدن، اللواء شلال علي شائع، كان «محور نقاش حاد ومستفيض استمر لأيام في أروقة مركز القرار والدوائر المحيط بالرئيس هادي». وبحسب المصادر، فإن قرار إقالة شائع «كان سيصدر الجمعة الماضية بعد ضغوط كبيرة» مارستها شخصيات محسوبة على «حزب التجمع اليمني للإصلاح» على خلفية احتجاز شائع لعدد من أعضاء الحزب في عدن قبل أن يقوم بإطلاق سراحهم مجدداً.
وأكد المصدر أن مستشاراً جنوبياً لهادي نصح المطالبين بإقالة شائع بالتأني ودراسة النتائج المترتبة على القرار الذي قال بأنه «سيضيف مشكلة كبيرة للحكومة الشرعية شبيهة بمشكلة تشكيل المجلس الانتقالي الذي أعقب إقالة الزبيدي».
وأوضح المصدر أن «المستشار الجنوبي فنّد في جلسة عاصفة حضرها هادي أن من شأن إقالة شلال تحميل الحكومة الشرعية عبئاً جديداً وكبيراً، هو حفظ الأمن في عدن وتبعاته المالية والبشرية غير المتاحة حالياً لدى الحكومة»، وتابع: «لو أن الحكومة والرئيس عينا شخصاً بديلاً لشائع وفشل في تحقيق الأمن والاستقرار فما هي النتيجة برأيكم؟».
ولفت المستشار إلى أن «الإمارات ستتلقف شائع ــ الرجل القوي ــ وستستفيد منه ومن شعبيته وحجم القوات الموالية له شخصياً، وهي ليست بالهينة».
واختتم المستشار حديثه الذي كان موجهاً الى الفريق المطالب بإقالة شائع بقوله: «أنتم ستطلقون أسداً حرصنا طوال العامين السابقين على أن يظل طوقه بيدنا وتحركاته تحت أعيننا». وبحسب المصدر، فقد قاطع المستشارَ شخصية إعلامية معروفة بالقول «أسد عندك. أما نحنا نعتبره مجرم ويجب أن يحاسب ويحال للتحقيق في العديد من جرائم الإخفاء القسري وعمليات القتل والتصفية بحق العشرات من أبناء عدن».
وعلم «العربي» أن قرار إقالة شائع لا زال مطروحاً بقوّة، وربما سيعلن خلال الأيام القليلة المقبلة؛ حيث يصر مسؤولون من «حزب الإصلاح» على تنفيذه معتبرين أن مستشار هادي قد بالغ كثيراً في وصفه لتبعات القرار، باعتبار أن بديل شائع سيكون من أبناء يافع وشخصية تحظى بقبول في الشارع الجنوبي.
وكانت الإمارات قد كلفت شائع مؤخراً، بشكل غير رسمي، بإدارة ألوية «الحزام الأمني»، بالإضافة إلى مهامه الأخرى كمدير لأمن عدن وألوية الدعم والإسناد وقوات مكافحة الإرهاب.