الاتفاقيات الدولية والمسؤولية الجنائية الفردية
متابعات | كتابات | مطهر يحيى شرف الدين
ثمة معاهدات واتفاقيات دولية عديدة شاركت فيها اليمن في التوقيع والمصادقة على العديد منها وذلك إيمانا بدور الأمم المتحدة في تحقيق الأمن والسلام العالمي وخصوصا ما يتعلق بحقوق الإنسان ، كما أن مشاركة بلادنا في الاتفاقيات الدولية تأتي تحقيقا للهدف السادس من أهداف الثورة اليمنية الذي ينص على ” احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم ”
تم إبرام الاتفاقيات الدولية منذ العام 1928م أي بعد الحرب العالمية الأولى تطبيقا لمبدأ حماية الإنسان وحقوقه المنتهكة من ويلات الحروب التي لا ترحم و إحلال علاقات السلم والصداقة بين دول العالم وشعوبها واعتماد التسوية السلمية كوسيلة لحل النزاعات والحروب وتجريم استعمال القوة في العلاقات الدولية وإلغاء حق الدول في شن الحروب كوسيلة لفض المنازعات ، بل حرمت بعض الاتفاقيات مجرد التلويح باستخدام القوة أو التهديد بها من قبل الدول الأطراف ، كما جاءت الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية نتيجة للإرادة الدولية الجماعية الهادفة إلى الدفاع عن المدنيين وحمايتهم من الدول المعتدية التي تعشق فرض الهيمنة والقوة والتدخل في شؤون دول أخرى فكان من أهم ما نصت عليه مضامين وبنود العهود والاتفاقيات هو التأكيد على مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية على الأشخاص الطبيعيين ممثلي الدول مقترفي الجرائم الدولية ومنتهكي حقوق الإنسان المخالفين للاتفاقيات والعهود أيا كانت جنسيتهم سواء كانوا رؤساء أو قادة عسكريين وذلك بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء أو مساهمين في ارتكاب الجرائم التي تستهدف الأعيان المدنية وتقتل المدنيين باعتبارها من أخطر الجرائم في القانون الدولي التي تهدد بل وتهدم السلم والأمن بين مجتمعات العالم ، وليس خافيا ما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة من مبادئ للتعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم الأشخاص مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتي اعتبرت هذه الجرائم أيا كان المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة موضع التحقيق ومرتكبها محل تعقب وتوقيف ومساءلة ، وجدير بالذكر في هذا المقام الإشارة إلى المبدأين الثالث والرابع من المبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي والتي تمثل دليلا إجرائيا وضعه شراح القانون لضمان السير السليم للإجراءات الجزائية وهما شخصية المسؤولية الجنائية الفردية وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية للمتهمين ، والغرض من ذكر هذين المبدأين هو توفر ركن الإسناد حيال الجرائم المنسوبة للمتهمين ولذلك متى ما توفرت المسؤولية الجزائية تجاه المتهم كفرد وبقدر تعدد الجناة فإن معايير المساءلة تكون فردية كل بحسب مشاركته المباشرة أو غير المباشرة في ارتكاب الجريمة سواء كان فاعلا أصليا أو مشاركا أو مساهما في الإعداد والتحضير للجريمة مع العلم المسبق بتنفيذ الجريمة ، وانطلاقا من مبدأ شخصية المساءلة الجنائية الفردية فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد أقر بعدم أي اعتبار للحصانة المتصلة بالصفة الرسمية للأشخاص المتهمين موضوع التتبع والمقاضاة ، وهذا من شأنه أن يكرس مبدأ عدم الإفلات من المساءلة والمحاكمة ، وما أود طرحه والتطرق إليه في هذا البحث الموجز هي المسؤولية الجزائية لمسؤولي وممثلي تحالف دول العدوان ضد بلادنا وما يترتب على ذلك من مسؤولية فردية تقع على عاتق الأشخاص الطبيعيين بحكم أفعالهم دون الالتفات إلى صفاتهم فمهما بلغت درجة الحصانة التي يتمتعون بها فإن ذلك لا يحول دون ملاحقتهم ومساءلتهم عن أفعالهم غير المشروعة والإجرامية من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ومخالفات للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي ارتكبوها في حق شعب بأكمله ، وكون أولئك المتهمين على رأس النظامين السعودي والإماراتي وهم الآمرون والمحرضون والمحضرون والمنفذون هم أصحاب النفوذ والقرار والمال الذي اشتروا به ذمم وولاءات ممثلي المنظمات الدولية الإنسانية والناشطين الدوليين وزعامات أخرى مرتهنة فإن المسؤولية الجنائية تنطبق عليهم وهم من سيتحمل ذلك آجلا أم عاجلا ، كما أنه لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن الرؤساء أو كبار القادة كمبرر لشن الحروب دون المحاسبة سواء كان الفاعلون رؤساء أو مرؤوسين ، وبالتالي فإن من أوجب الواجبات في هذه المرحلة هو ضرورة قيام الجهات ذات العلاقة بالتوثيق الرسمي لضحايا العدوان القيام بمهامها وواجباتها وأهمها الأدلة الجنائية ومرافق الصحة والنيابة العامة والمحاكم كمنظومة متكاملة في اتخاذ القواعد القانونية من جمع استدلالات كافية على ثبوت الجرائم وحفظ وتحريز أدلة وأدوات الجرائم وتحرير محاضر المعاينة وسماع أقوال الشهود والضحايا وذويهم وتحرير شهادات الوفاة وإعداد التقارير الطبية والفنية المعتمدة وإثبات حالة الأماكن والوقائع جنائيا ومدنيا ، وبتلك الإجراءات المتبعة والقواعد ستكون الجرائم مثبتة وموثقة توثيقا قانونيا وبها تقام الحجة أمام المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والمحكمة الجنائية الدولية لتقوم بدورها المكمل للقضاء الوطني في نظر الجرائم ومحاكمة مرتكبيها وعدم إفلاتهم من العقاب.