الحرب الناعمة الإسرائيلية: الإعلام في خدمة التطبيع.. فهل من مقاوم؟!
متابعات| الوقت التحليلي:
استخدام اسلوب الحرب الناعمة ليس بالجديد على كيان الاحتلال، فقد تعمدت دولة الاحتلال منذ نشأتها اتباع هذا الإسلوب كوسيلة ردع وسلاح لمواجهة كل من يعارض مشروعها الصهيوني، وكان “تيودور هرتزل” السباق لإدراك أهمية الإعلام ومدى تأثيره على شعوب العالم أجمع.
ولتحقيق أهداف الحركة الصهيونية أنشأ هرتزل جريدة “العالم”، واستخدم من خلالها أساليب عديدة لاستعطاف دول العالم وإظهار الكيان الإسرائيلي على أنه بريء ومسالم ولا يريد سوى العيش بسلام إلى جوار الشعب الفلسطيني، وبهذا الإسلوب ومن خلال استخدام بروباغندا ذكية استطاع الإعلام الاسرائيلي كسب مودة الدول الأوروبية لصالح دولته وأقام مع هذه الدول روابط متينة وقوية على جميع المستويات، وتمكن فيما بعد من جعل الدول الأوربية صاحبة الثقل الكبير في المنطقة والعالم الداعم الرئيسي لهذا الكيان في الاستيلاء على أراضي الشعب الفلسطيني وعدة دول عربية أخرى.
ولم يتوقف الكيان الاسرائيلي مع مرور الزمن عن استخدام وسائل الإعلام لخدمة أهدافه وطموحاته بل طور أدواته وأساليبه بالتزامن مع ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي أحدثت طفرة نوعية في سلوكيات الدول التي أفرزت تفاعلات جديدة ومؤثرة على مسار الأحداث على المستوى الداخلي والخارجي.
وسائل التواصل الاجتماعي
استغل الكيان الإسرائيلي كعادته وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة مخططاته التوسعية الصهيونية، واستخدمها لاختراق المجتمعات العربية من خلال تعريب العديد من صفحات التواصل الاجتماعي، توتير، انستغرام، فيسبوك، لخلق قنوات حوار فيما بينهم وبين الشعوب العربية خارج سياق الحكومات، وتعمل على استهداف العقول العربية لتنفيذ مخططاتهم الصهيونية التي تسعى إلى تفتيت المنطقة العربية بأدواتها الناعمة دون قوة عسكرية.
فيس بوك
لا يمكن إحصاء عدد الصفحات التي أنشاءها الكيان الاسرائيلي على موقع فيس بوك، والتي تهدف جميعها لتغيير وجهة نظر الشارع العربي تجاه “اسرائيل” من جهة، ولزيادة التفرقة وخلق الفتن بين الشعوب العربية وطوائفها المتعددة من جهة أخرى، وكان لهذه الصفحات دور كبير في إشعال ما يسمى “الربيع العربي” وخلق حالة من الفوضى وزعزعة الامن والاستقرار داخل الدول العربية لإبعاد خطر هذه الدول عن الكيان الإسرائيلي وجعلها تنشغل بمشاكلها الداخلية وعدم توجيه فوهة أي بارودة تجاه كيان الاحتلال.
ولتحقيق ما ذكرناه سابقا تم انشاء صفحات مزورة تحمل أسماء عربية، بعضها يحمل أسماء دينية ويكتب بطريقة طائفية لخلق نوع من التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، فضلا عن ذلك يملك الكيان الاسرائيلي صفحات رسمية علنية يخاطب من خلالها الشعوب العربية، نذكر منها صفحة “إسرائيل تتكلم العربية” التابعة لوزارة الخارجية التي تحظى بمئات المتابعين والأعضاء وتعد هذه الصفحة أكثر الصفحات الرسمية احترافية في نشر الأخبار التي تُجمل صورة “اسرائيل” بشكل كبير، وتشير إحصائيات الصفحة إلی أن عدد أعضائها يبلغ حوالي 1.2 مليون عضواً، ودشنتها وزارة الخارجية الإسرائيلية كمصدر للمعلومات عن “دولة إسرائيل” باللغة العربية في أغسطس 2011.
بالإضافة إلى صفحة “اسرائيل تتكلم العربية” هناك صفحة خاصة بالناطق باسم الجيش الاسرائيلي “الرائد أفيخاي أدرعي” والتي يديرها أدرعي بنفسه مخاطبا الشعب العربي محاولا اختراقه بأخبث الأساليب وأذكاها، واستطاع أدرعي النجاح إلى حد كبير في هذا المجال وتلقى صفحته انتشارا ونشاطًا وتفاعلًا مقارنتها بباقي الصفحات، حيث حصلت الصفحة على إعجاب 1194621 شخصا، ويتابعه 1181940 شخصا، وهي أرقام بحسب مواقع إخبارية تجاوز بكثير أرقام صفحات ساسة “إسرائيليين” كبار.
الوحدة 8200
من أخطر الوحدات لدى كيان الاحتلال والتي تعمل تحت مظلة جهاز المخابرات الداخلية ” الشاباك”، وتعد الوحدة 8200 هي المسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونية وجمع المعلومات الاستخبارية في الجيش الإسرائيلي وتتبع لسلاح الاستخبارات الإسرائيلية ويشار إليها باسم الوحدة الوطنية SIGINT الإسرائيلي.
ومن وقت ليس بالبعيد قام أفيخاي أدرعي بتكريم مجموعة من الوحدة 8200 للكيان الإسرائيلي التابعة لثاني أكبر جهاز للتنصت والتشويش والتجسس والتكنولوجيا، وتشير التقارير إلى أن هذه الوحدة قامت بتجنيد آلاف الشباب من طلاب الثانوية ليشكلوا أكبر جيش الكتروني لنشر الفكر الصهيوني والتوغل في أعماق العالم الإسلامي وتسميم ثقافة وفكر المسلمين وضرب قيمهم الأخلاقية والإنسانية والعقائدية، وهم يعملون بهدوء على بث الفتن وترويج الإشاعات واستهداف الناشطين والمثقفين وتأجيج فتن مذهبية دينية.
الدعاية المضادة
أكثر ما تعاني منه الشعوب العربية في إطار الحرب الناعمة هو غياب استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا النوع من الحروب الذي لا يقل خطورة أبدا عن الحروب العسكرية، فمثلا في فلسطين لا تتبنى الرئاسة الفلسطينية ورئاسة الوزراء هكذا نوع من الحروب، وبالتالي نحن نعاني من فقدان الدعاية المضادة للدعاية الإسرائيلية عبر الصفحات الرسمية وغير الرسمية يتم إدارتها من قبل مؤسسات الدولة مختصة في فهم العقلية اليهودية، كما تدرك كيفية مخاطباتهم بلغاتهم وثقافتهم.
ختاماً، أصبح الجميع على يقين تام بأهمية الحرب الناعمة وقدرتها على كسب الكثير من القضايا، وفلسطين حققت بعض الخطوات في هذا المجال، وجميعنا يذكر جيدا كيف نجحت في نزع الاعتراف الرسمي الأوروبي بدولة فلسطين، والوصول إلى مقاطعة العديد من الشخصيات وهيئات المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا للمنتجات والجامعات الإسرائيلية ومنتجات المستوطنات، إذاً نحن نستطيع أن نخطو خطوات جادة وفاعلة في هذا المجال فلماذا هذا التراخي ؟!.