صحيفة «هآرتس» الصهيونية تعترف: اليمن لا يعاني بل يموت.. والسعودية تواجه فشلًا كبيرًا
متابعات| شفقنا:
قال محلل الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، تسفي برئيل، إن الحرب اليمنية أظهرت بوضوح مدى محدودية قدرة الدول العربية على حل الصراعات بوسائل دبلوماسية أو عسكرية، وسلطت الضوء على حاجة اليمن إلى تدخل الدول الغربية أو روسيا.واستعرض الكاتب في تقرير نشرته «هآرتس» الأوضاع الصعبة التي يشهدها اليمن منذ عدة سنوات.
وقال الكاتب: «تحول اليمن– ذلك البلد المتفكك– على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى كومة من الأنقاض، ووصفته صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخرًا بأنه بات يمثل «أسوأ أزمة إنسانية في العالم».
ورصد الكاتب عددًا من الإحصاءات المروعة التي خلفتها الحرب في اليمن. قُتل أكثر من 10 آلاف شخص وجُرح عشرات الآلاف؛ وبات 7 ملايين شخص بلا مأوى، وأصيب نصف مليون شخص بالكوليرا، لقي منهم ألفي شخص حتفهم. لم تصل إلى البلاد سوى أقل من نصف المساعدات الإنسانية المطلوبة لإبقاء الناس على قيد الحياة، ويبدو أنه لا أحد يهتم بإنهاء الحرب.
وأضاف الكاتب أنه بعيدًا عن الخسائر البشرية الفظيعة، لا يوجد في اليمن حكومة أو قيادة قادرة على تحمل مسؤولية الدولة أو البدء في أي مفاوضات لإنهاء القتال. تنأى الولايات المتحدة بنفسها بعيدًا عن المشهد اليمني، تاركة السعودية تواجه فشلًا كبيرًا في التعامل مع الأوضاع بالبلاد، فيما تكتفي روسيا والدول الأوروبية بإطلاق التصريحات الرنانة ومنح الأموال التي لا يعلم أحد إلى أين تذهب.
بحسب الكاتب، قدمت الثورة التي اندلعت في اليمن في عام 2011، وأطاحت بالرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، فرصة لإقامة دولة منظمة أكثر ديمقراطية وأقل فسادًا. لكن الخلافات السياسية النموذجية في المجتمع القبلي خلّفت زوبعة من الصراعات الداخلية في البلاد. وقد شعرت القبائل التي دعمت الرئيس المخلوع صالح بالتهديد من قبل الحكومة الجديدة، وثارت ضدها.
رأى الحوثيون، وهم مجموعة من القبائل المنتمية إلى الطائفة الشيعية، في الثورة فرصة لتحسين موقفهم، وشنّوا حملة عسكرية جديدة، بعد عقد تقريبًا من نضالهم السابق ضد صالح. في عام 2014، تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء ومن هناك، واصلوا توسيع سيطرتهم على الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد، وفق ما أورده الكاتب.
وبعد ذلك بعام، شنّت السعودية، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، حملة عسكرية ضد الحوثيين، آملًا في مواجهة النفوذ الإيراني باليمن. في البداية، كانت إيران هي التي اقترحت على الحوثيين عدم شن حرب ضد النظام، ولكن الحوثيين، بعد أن شعروا بخيبة الأمل والتمييز، ضموا قوات الرئيس المخلوع صالح إلى صفوفهم.
وقال الكاتب: «بالنسبة للسعودية لم تكن هذه معركة لحماية حدودها من توغل الحرب اليمنية إلى أراضيها، وإنما كانت معركة للحفاظ على هيبتها. كانت الرياض تسعى من حربها في اليمن إلى إبراز القدرات العسكرية السعودية، وإلى قدرتها على الوقوف في وجه إيران. ولكن بعد عامين ونصف العام من الحرب، يبدو أن الأسلحة المتطورة لا تضمن النصر العسكري. لقد أصبحت الحرب مهزلة تُظهر السعودية كدولة عسكرية محدودة، على الرغم من التحالف السني الذي تمكنت من حشده لمساعدتها في الحرب».
ولكن بالمقارنة مع سوريا، حيث تتقاطع مصالح روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا والأردن وحتى إسرائيل، فقد ذكر الكاتب أن اليمن لا يمثل ذات الأهمية. تبدي الولايات المتحدة اهتمامها فقط بقصف قواعد تنظيم القاعدة، وروسيا ليست حاضرة، بل إن إيران لا تشارك إلا عن بعد بالأسلحة والتمويل.
يأتي ذلك في الوقت الذي يمثل فيه اليمن–بحسب الكاتب– ساحة أكثر أهمية من سوريا، خاصة بسبب موقعه الجغرافي وسيطرته على مدخل البحر الأحمر. لكن السيطرة على سوريا تمنح سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على الشرق الأوسط بأسره. لا تمثل أي من البلدين قوة عظمى نفطية، ولا يمتلكان موارد طبيعية ثمينة، باستثناء نبات القات المخدر في اليمن، وما يمتلكه من أجود أنواع العسل في العالم، وهو ما دأب اليمن على انتاجه حتى بداية الحرب، فيما لا تملك سوريا حتى هذه الموارد.
ومع ذلك، تمكنت سوريا من الحفاظ على صورة الدولة المغرية من الناحية الاستراتيجية، في حين اُعتبر اليمن بلدًا هامشيًا، في حاجة فقط إلى أسطول صغير للحفاظ على مياه البحر الأحمر مفتوحة. هذا هو السبب الذي يجعل من اليمن بلدًا يستحق إعادة التأهيل والمساعدة.
وفي المقابل، فإن المساعدات الإنسانية لمواطني سوريا هي جزء لا يتجزأ من المناقشات السياسية، في حين يتم النظر إلى اليمن بصورة مغايرة. هذه هي مأساة مواطنيه البالغ عددهم 27 مليون نسمة، والذين ليس لديهم أي نفوذ دبلوماسي تقريبًا مع المجتمع الدولي.
أشار الكاتب إلى أنه كانت هناك عدة محاولات للتوصل إلى حل توافقي أو على الأقل وقف لإطلاق النار، ولكن هذه المحاولات فشلت، لأن السعودية لم تتخل عن فكرة «الفوز» والقدرة على تحديد مستقبل اليمن. ولكن حتى من هذا المنظور، سيتعين على اليمن الانتظار في الطابور. بعد أن فقدت السعودية لبنان لصالح حزب الله وإيران، كان عليها أن توافق على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه، وحتى هذا العام، كانت قد قاطعت العراق لما يحظى به من رعاية إيرانية، واليمن هو جائزة ترضية غير مؤكدة. وإلى أن يتم منحها، سيظل شعبه يخشى من كل قنبلة أسقطتها عليها قوات التحالف