كل ما يجري من حولك

المخدّرات.. عدوانٌ من نوع آخر يهدّد تعز

820
متابعات| العربي:
فرضت الحرب الدائرة في الحالمة تعز، منذ عامين، واقعاً معقداً في شتّى المجالات، آخر نتائجه تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات. تنامٍ يُسجّل خصوصاً في أوساط شريحة الشباب، والمراهقين منهم على وجه الخصوص، الذين باتت مشاهد ترنّحهم رائجة بشكل كبير، في شوارع المدينة، جرّاء إسرافهم في تعاطي المخدرات.
وعلى الرغم من أن ظاهرة الإدمان على المخدرات ليست جديدة على تعز، لكنها تفشّت مؤخرًا بشكل كبير، خصوصًا في ظل الوضع الحالي القاتم الذي تتعرّض فيه المدينة للتمزّق وويلات الحرب وصراع الفصائل المسلحة.
أسباب ودوافع
ويشير أخصائيون إلى أن السبب الرئيسي في تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات، هو التمزّق الاجتماعي الناتج عن الحرب، كما يؤكّدون أن الظروف النفسية الصعبة التي يعيشها الشباب اليوم زادت من حالات الاكتئاب لديهم، لذا يندفع الكثير منهم إلى تعاطي المخدرات.
الدكتور عز الدين الحالمي، أحد منسقي فريق مكافحة المخدرات بالمدينة، أكد في حديث إلى «العربي» أن «ما ينشر ويقال عن وجود متعاطين لأنواع من الحبوب المخدّرة في تعز هذه الأيام، شيء مخيف وأثره السيء لا يقل عن سوء ظهور تسميات عجيبة وغريبة كالمحببين والمقرمطين».

وأرجع الحالمي «سبب تنامي الظاهرة في المجتمع التعزي لجملة عوامل، بينها المشاكل الأسرية وظواهر الهجرة والنزوح والاغتراب، والتجريب ومحاولة إثبات الشخصية، لكنها تتفاقم اليوم بسبب الحرب، التي قضت على الأخلاق والتعليم، وولدت حالة نفسية صعبة للغاية أوصلت الكثير من الشباب إلى مرحلة الإكتئاب، وهنا يلجئ الكثير منهم لتناول المخدرات».
وأشار الحالمي، إلى أن «الشباب وخاصة المراهقين منهم، وفي ظل ظروف الحرب والبطالة وإنعدام الرقابة على السوق الدوائية، وسهولة الحصول على المواد المسبّبة للإدمان، أدّت أيضاً ألى تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات في المدينة بشكل مفزع، بل انتقل الكثير منهم من مرحلة التعاطي إلى مرحلة الإدمان، حيث أصبحوا يبحثون عن المخدرات مهما كلفهم الثمن، وإذا لم يجدوا المال فيلجأون إلى ارتكاب جرائم السلب والنهب».

الأمن الاجتماعي في خطر
اليوم تشكل المخدّرات تهديداً حقيقياً للجيل القادم، وخطراً كبيراً على المجتمع، بل تقوده نحو كارثة محتملة، حيث أصبحت المخدراتمتوفرة في السوق الدوائية، على اختلاف كمياتها وأنواعها، وصار تجار المخدرات يتحرّكون بحرية داخل المدينة، خصوصًا في ظل الانفلات الأمني.
مصدر أمني، في إدارة الأمن، أوضح لـ«العربي» أن «غياب اجهزة الدولة بسبب الحرب أدّت إلى زيادة متعاطي المخدرات في المدينة، كما أن النزاعات المسلّحة داخل صفوف المقاومة الشعبية، التي غرست الخوف وولّدت حالة نفسية سيئة لدى الحاضنة الشعبية، وضعف الرقابة على مداخل المدينة من قبل الجهات المختصة، تعد السبب الأبرز في تنامي هذه الظاهرة».
وأكد المصدر، أن «تسعين في المائة من الجرائم يرتكبها مدمنون في العادة، وهذا الأمر سيجعل السلطة المحلية في تعز، أمام معركة حقيقة قادمة، بعد الحرب، لن تكون مع الفصائل المسلحة التي تقاتل في صف الحكومة الشرعية فحسب، وإنما مع الإدمان».
وكشف المصدر أن «هناك شبكة مافيا كبيرة تعمل على تهريب وبيع الحشيش والمخدرات داخل المدينة، وتحت حماية وتسهيل قيادات في المقاومة الشعبية».
وأشار المصدر إلى أن «المخدرات بدأت تنتشر بين أفراد بعض فصائل المقاومة الشعبية، بشكل مخيف، خصوصاً وأن هناك الكثير من المقرمطين انضموا إلى صفوف تلك الفصائل، وأصبحت ظاهرة تعاطي المخدرات أمراً مألوفًا في بعض الجبهات، ووسط المتارس الأمامية في الغالب».
الصيدليات مصدر المخدّرات!
الصيدليات واحدة من الأماكن التي تباع فيها الأقراص المهدئة، حيث أكد العديد من العاملين في بعض الصيدليات عن تردد المدمنين عليها، وللأسف صارت الصيدليات تقدم تسهيلات لهؤلاء لأشخاص وتقوم ببيع الأقراص لهم، وذلك بهدف الربح تارة، وتحت تهديد السلاح تارة أخرى، ويتم ذلك خصوصاً في ظل غياب الرقابة التي يفترض أن تتابع الصيدليات.

الطبيب الصيدلاني، عبد الله المحيا، قال في حديث إلى «العربي» إن «المواد المستخدمة والتي تؤدي إلى الإدمان لا نستطيع أن نحصرها على مادة واحدة من الديزبام ومشتقاته أو ما يسمى بالمهدئات ومشتقاتها فهي كثيرة، وتسمى باللهجة التعزية الدارجة القرمطة، كما أن هناك مادة تسمى البنزيكسول وتستخدم مع القات، بالإضافة إلى الكوكائين والهروين والحشيش بمعنى لا توجد مادة في الكتب العلمية إلا وتستخدم عندنا في تعز».
ويضيف المحيا، أن «هناك مواد كثيرة جداً تسبب الإدمان، جزء منها يصرف من الصيدليات ومخازن الأدوية بشكل عادي ولكن المشكلة تبدأ نتيجة سوء استخدام تلك المادة».
ويؤكد أن «مواد منشطة كثيرة تباع أثناء التخزين دون رقابة منذ وقت طويل ولكن مؤخراً وبسبب الحرب وانعدام الرقابة بشكل تام ازدهرت تجارة المخدرات».
إذاً، تظل ظاهرة الإدمان على المخدرات مصدر خطورة على الصحة العامة، والشباب والتعليم، كما أن هذه الخطورة على المدى البعيد تتصل بإمكانية توسع الجريمة والسلوكيات الإجرامية، التي سيظل المجتمع يتجرع مرارتها ردهة من الزمن، بل ستكون هي معركة تعز الحقيقية المقبلة بعد الحرب.

You might also like