أحمد الصبيحي: الجنوب تحت احتلال إماراتي كامل (حوار)
دعوتم، قبل أيام، أبناء لحج والمحافظات الجنوبية إلى القيام بثورة شعبية لـ«تحرير الجنوب من الوجود الإماراتي»… ما المبرر؟
المبرر واضح، ويدركه كل جنوبي حرّ وشريف، فما يحدث في محافظة لحج أو في المحافظات الجنوبية بشكل عام من قبل الإمارات هو عبارة عن احتلال تحت غطاء إعادة ما يسمونه «الشرعية»، بينما الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، لم يستطع العودة إلى الجنوب. الإمارات هي المتحكم الفعلي في الجنوب، وما يؤكد ذلك سيطرة مليشيات أبوظبي على مطارات الجنوب وموانئه وإيراداته. كذلك، أمن واستقرار الجنوب بات تحت رحمة الإمارات، التي استحدثت سجوناً سرية خاصة تمارس فيها التعذيب النفسي والجسدي، وتمارس الإخفاء القسري بحق أبناء الجنوب وخصوصاً في عدن وحضرموت.
لكن الإمارات لا تزال تحشد المزيد من الجنوبيين للقتال في صفوفها؟
«التحالف العربي» استغل أوضاع الجنوبيين المعيشية، ودفع بالعديد من القيادات الجنوبية لاستقطاب الشباب الجنوبي تحت مبرر الدفاع عن الجنوب وتحت شعار القضية الجنوبية، وحق أبناء الجنوب في استعادة دولتهم المستقلة، بالإضافة إلى أن الفكر الوهابي الذي تغلغل في الجنوب خلال السنوات العشرين الماضية من خلال المعاهد العلمية وغيرها، ساهم في تهيئة الشباب للمشاركة في العنف تحت مختلف المسميات. ولذلك استقطبت الإمارات الكثير من الشباب الجنوبي، وزجت بهم في معارك خاسرة لا علاقة للقضية الجنوبية بها، والمشاركة فيها ليست من أجل الجنوب وقضيته، وإنما من أجل مصالح ومطامع الإمارات.
هناك من يتهم الإمارات بتصفية الجنوبيين في جبهات غير جنوبية، ما تعليقك؟
أولاً، تبنت الإمارات المحتلة في عدد من محافظات الجنوب سياسة «من ليس معنا فهو ضدنا»، ولذلك مارست سياسة الترهيب ضد الشباب الذين يرفضون القتال في صفوف الجماعات الموالية لها من خلال اتهامهم بالتعامل مع «الحوثيين»، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من القيادات العسكرية الجنوبية التي قاتلت إلى جانب الإمارات في عدد من الجبهات، ورفضت تنفيذ بعض الأجندة الإماراتية فاقتيدت إلى السجون السرية، ومن تلك القيادات من أبناء عدن من شارك في القتال ضد «أنصار الله» منتصف العام 2015، وبعد انسحاب «أنصار الله» في عدن، رفض التعاطي مع الجانب الإماراتي فتعرض للتصفية الجسدية، أو زُجّ به في السجون.
هل هناك سجون سرية تابعة للإمارات في لحج؟
نعم، توجد سجون سرية للمحتل الإماراتي في إطار محافظة لحج، وأحد السجون يتواجد في منطقة صبر، ويتم تجميع المعتقلين والأسرى من مختلف مناطق المحافظة وسجنهم فيه، كما يتم تسليم الأسرى من «أنصار الله» للإمارات والقوات الموالية لها في صبر، باعتبارها المسؤول عن ذلك.
بما أن هناك سجوناً سرية إماراتية في عدد من القواعد العسكرية في عدن والمكلا، فهل يوجد منها في قاعدة العند أيضاً؟
تتواجد في قاعدة العند قاعدة عسكرية جوية أمريكية منذ فترة، وتتحرك منها الطائرات الأمريكية لاستهداف تنظيم «القاعدة»، وتتم حراستها من قبل قوات سودانية، ولكن الإمارات تولت مهمة تغطية الوجود الأمريكي في العند، من خلال إدارتها لمعسكرات تدريبية في القاعدة العسكرية الجنوبية.
تلعب الإمارات اليوم أكثر من دور عسكري وسياسي في الجنوب… برأيك ما هو المشروع الذي تحمله أبوظبي للجنوبيين؟
مشروع الإمارات مشروع احتلال وسيطرة وتحكم، وليس مشروع تحرير للجنوب وتمكين للجنوبيين من استعادة دولتهم. أبوظبي انكشف دورها ولم يعد خفيّاً، ويدرك ذلك كل أبناء الجنوب الأحرار، فمشروعها يتشابه مع مشروع الإحتلال البريطاني الذي نفد قبل ثورة 14 أكتوبر 1963. فأولاد زايد يسعون إلى تكريس حالة الإنقسام في أوساط الشعب الجنوبي، وإشعال الصراعات البينية على مستوى كل قبيلة وكل محافظة، حتى تضمن استمرار سيطرتها على الجنوب، ولذلك الإمارات لم تقدم أي خدمات للجنوبيين على مدى العامين الماضيين، باستثناء تقديم السلاح وتصديرهم إلى جبهات القتال. لذلك، بعد عامين من انسحاب «أنصار الله» من الجنوب، شعر الجنوبيون أن الإمارات جاءت لتأخذ منهم الكثير، وليس لتمنحهم الكثير مما وعدت.
إذاً، أنت تشبّه الوجود الإماراتي في الجنوب بالإحتلال البريطاني؟
رغم إيماني المطلق بأن المحتل لا يعطي، بل يستلب ثروات البلد، ويمارس الإستبداد بحق الشعوب، إلا أن المحتل العربي أكثر سوءاً من المحتل البريطاني؛ ففي عهد بريطانيا كانت هناك تنمية، كانت هناك مدارس ومستشفيات وجامعات ومطارات وموانئ بحرية، أما المحتل العربي فلم يقدم سوى الدمار والخراب، وأصبح اليوم يستهدف النسيج الإجتماعي للمجتمع الجنوبي، ويعمل على إعادة إحياء الصراعات الماضية التي جرت بين ما كان يسمى بالزمرة والطعمة لاستمرار بقائه.
ولكن الإمارات قد تبرر أعمالها بأنها دخلت اليمن بطلب من الرئيس هادي؟
يصور المحتل نفسه دائماً كمنقذ للآخرين، صحيح أن الرئيس السابق، هادي، هو من طلب «التحالف»، وشرعن دخول الإمارات والسعودية والجنجويد وغيرها إلى اليمن، ولكن المنقذ الذي قدم إلى عدن لإعادة «شرعية» هادي سيطر على كل شيء في عدن، ومنع طائرة الرئيس الذي جاء بطلب منه من الهبوط في مطار عدن، وعمل على دعم مجلس مناهض لما يسمونه «شرعيته».
يُلاحظ نشاط للتنظيمات الإرهابية في عدد من مناطق محافظة لحج، كيف تنظرون إلى ذلك؟
«القاعدة» و«داعش» لا يقتصر وجودهما على لحج أو عدن، وإنما حيثما تواجدت القوات الموالية لـ«التحالف» وهادي تتواجد التنظيمات الإرهابية؛ فـ«االتحالف» سمح لتلك الجماعات بالمشاركة في القتال ضد قوات «أنصار الله» في عدن ولحج وأبين تحت غطاء «المقاومة الجنوبية»، وبعد انسحاب «أنصار الله» تعرض الكثير من رجالات الدولة في الجنوب للتصفيات الجسدية من قبل «القاعدة» و«داعش»، كون تلك التنظيمات تعيش في ظل غياب الدولة. والحديث عن تواجد «القاعدة» لم يعد مقتصراً على مناطق معينة أو عناصر معدودة سرية، بل أصبح عناصر التنظيم يتقلدون مناصب عليا في الدولة، ويصدر بهم هادي، بضوء أخضر من «التحالف»، قررات جمهورية، ويمنحهم الكثير من الإمتيازات في مختلف مؤسسات الدولة.
ذكرتم أن عدداً كبيراً من القيادات الجنوبية تعرض للتصفية خلال الفترة الماضية. ما الأسباب والدوافع؟
الكثير من القيادات الجنوبية الشريفة والحرة والمؤهلة لقيادة البلد وإنقاذها تعرضت للتصفيات بمسدسات كاتم الصوت أو انفجارات أو عبوات ناسفة، ومن لم يطله تنظيم «القاعدة»، باعتباره أداة من أدوات «التحالف»، تتم تصفيته في الجبهات العسكرية بغارات من قبل طيران «التحالف»، وخصوصاً القيادات التي تعارض توجهات وأجندة الإمارات.
كيف ترى الحراك الجنوبي اليوم بعد أن فقد سلميته؟
القضية الجنوبية، رغم عدالتها، بدأت تتلاشى، والقيادات التي كانت تطالب باستعادة دولة الجنوب أصبحت تقاتل في المخا وخارج نطاق الجنوب. وبالنظر إلى واقع الحراك الجنوبي الذي بدأ بحركة المتقاعدين العسكريين عام 2007 أصبح اليوم شكلياً، ولم يعد هناك تكتل جنوبي حامل للقضية. فبعد قيام ثورة 2011، أصبح الحراك الجنوبي مقسماً إلى تيارات متصارعة، كل تيار يمثل توجهاً آخر غير التوجه السابق ويحمل أجندة خارجية، وتبيّن ذلك بجلاء ولم يعد خفيّاً على الكثير من الجنوبيين؛ فتيار حراكي أصبح موالياً للسعودية ويمثل أجندتها، وتيار آخر لا يزال يوالي الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، وتيار ولاؤه للجنرال علي محسن الأحمر، وتيار موال لإيران، وتيار موال لأبوظبي، ولم تعد هنالك قيادات حاملة للقضية الجنوبية ومعبرة عن مطالب الشعب الجنوبي.
ولكن لا تزال عدن تشهد مليونيات شعبية؟
نعم، كل الجماهير الجنوبية التي تشارك في تلك المليونيات ليس من أجل عيدروس أو شلال، وإنما من أجل الجنوب، وكلما تكشفت مشاريعهم، كلما تبدد التأييد.
لمحافظة لحج محافظ في صنعاء وآخر في عدن، بينما أبناء المحافظة يواجهون أوجاعهم وحيدين؟
بالنسبة للمحافظ المعين من قبل هادي، نؤكد أن محافظة لحج ومحافظات الجنوب بشكل كامل ليست تحت سيطرة هادي حتى الآن، وإنما خارج سيطرة حكومة هادي. أما نحن نتحرك في إطار المديريات التابعة لمحافظ لحج، والواقعة تحت سيطرة «أنصار الله»، ولا زلنا من هنا من صنعاء على تواصل تام مع الكثير من قيادات وأعضاء السلطة المحلية ومشائخ وأعيان لحج، ونحاول قدر الإمكان تخفيف معاناة أبناء المحافظة، وعلى مدى الفترة الماضية تم استكمال مشروع كهرباء مدينة الحبيلين بردفان ومشروع المياه، ويتم تعزيز المستشفيات والمراكز الطبية باللقاحات والأدوية والكتاب المدرسي الذي يصرف من صنعاء.
بما أنك أحد مشائخ قبيلة الصبيحة، نريد من خلالك معرفة وضع اللواء محمود الصبيحي؟
اللوء محمود الصبيحي، وزير الدفاع السابق، موجود في صنعاء ومتخفظ عليه من قبل «أنصار الله» خوفاً من استهدافه من قبل «التحالف»، وليس سجيناً لديهم، بل حسب تواصلي مع مقربين منه يتلقى رعاية شاملة بما يليق بمكانته.
هل تلقيتم، كمحافظ للحج محسوب على «أنصار الله»، استعدادات للإفراج عنه؟
«أنصار الله» لديها استعداد لإنهاء ملف الأسرى الجنوبيين بشكل عام، وفق صفقة شاملة لتبادل الأسرى، ومنهم اللواء الصبيحي وبقية الجنوبيين، ولكن الامارات تعاقب أبناء الجنوب بشكل جماعي، وترفض التعاطي مع تلك المبادرات، وتستخدم الأسرى الجنوبيين كورقة ضغط ضد الجنوبيين قبل «أنصار الله».
هل يمكن لليمنيين أن يحلوا مشاكلهم؟
نعم، في حال توقفت الحرب سيتمكن اليمنيون من حل مشاكلهم، ولكن ليس من مصلحة «التحالف» الذي أنفق مليارات الدولارات أن تتوقف هذه الحرب، فالإمارت لها أجندتها في الجنوب، ولها مصالحها في بلد يمتلك موقعاً استراتيجياً هاماً ومغرياً. على اليمنيين أن يقدموا المزيد من التنازلات، ويعودوا إلى الحوار لوقف الحرب وحقن الدماء ورفع الحصار، والتفرغ لإعادة الإعمار وبناء اليمن الواحد.