ماذا يُخفي الغربُ وراء انقلاب مواقفه في سوريا؟
متابعات| العالم| أمين حطيط:
يتوقف المتابع لمجريات العدوان على سوريا عند مواقف وسلوكيات دولية تشكل انقلاباً على مسار المواقف السابقة الصادرة عن الجهات ذاتها خلال السنوات السبع الماضية من عمر الحريق العربي المسمى زوراً ربيعاً.
ففي موقف أول، وخلافا لاستراتيجية «إطالة امد النزاع» التي طرحتها وعملت بها أميركا قبل سنتين، خرجت أميركا بموقف مناقض مضمونه البدء الفعلي والميداني بالسعي إلى وقف إطلاق النار بشكل تدريجي يبدأ الآن في الجنوب الغربي السوري مع «سعي معلن» للوصول إلى وقف النار في كامل الأرض السورية.
اما الموقف الثاني فقد سجل في فرنسا ودعوة رئيسها وبعد لقائه بالرئيس الأميركي، دعوته الى حل سلمي للازمة في سوريا عن طريق الحوار والمفاوضات دون شورط مسبقة، في موقف يشكل انقلابا جذريا على موقف فرنسا الاولي والذي تشبثت به طيلة الفترة السابقة متمسكة بشرط او مقولة “لا محل للرئيس الأسد في مستقبل سوريا” و صحيح ان سوريا لم تكن تقيم وزنا لمثل هذه الشروط، الا ان اطلاقها والتمسك بها مع هيمنة أصحابها الغربيين وبعض العرب والإقليميين بقيادة أميركية، هيمنتهم على الأدوات السورية المناهضة للدولة كان من شأنه ان يفشل أي سعي او بحث او تحرك على المسار السياسي ومن اجل ذلك فشلت كل جولات الحوار والاجتماعات التي عقدت في جنيف او على هامشها حتى الان.
ونصل الى الموقف الثالث الذي سجل في جنيف 7 وكشفه رئيس الوفد السوري الى الاجتماع حيث اظهر تقدم الحديث عن الإرهاب وضرورة البحث والتعمق في أساليب مكافحته ضمن البحث في السلات الأربع المتفق عليها في جنيف، بحث يكاد يكون متقدما عما عداه حتى ولو كان الموقف الظاهر هو التوازي في البحث بين السلات الأربع المتفق عليها مواضيع أساسية متوازية. وهنا نتوقف عند تطور مهم للوسيط الدولي، فبعد ان كان البحث في الإرهاب مستبعدا بالطرح الدولي والبحث يقتصر على سلات ثلاث ليس هو منها، ادخل الإرهاب كسلة رابعة بناء على الموقف السوري، والان يتم التركيز عليه متقدما عن السلات الثلاث، ولهذا طلب رئيس الوفد السوري ان يقال في الاعلام والخارج ما يقال في الداخل حول الإرهاب و ضرورة التركيز على مكافحته، في دلالة على تطور الموقف الدولي واقترابه من الموقف السوري الداعي منذ العام 2012 الى مكافحة الإرهاب والتركيز عليه فبل أي شأن اخرـ او اقله بالموازاة مع البحث السياسي ولكن منفصلا عنه حتى لا يكون العمل السياسي المشروع تحت وطأة الضغط الإرهابي غير المشروع.
اننا نرى أهمية هذه المواقف ونقراها على ضوء مناسبة وتوقيت اطلاقها حيث جاءت بعد تطورات ميدانية بالغة الأهمية في كل من العراق وسوريا كانت اولها الإنجازات العسكرية و الميدانية التي سجلت في الميدان السوري خلال الأشهر الماضية التي تلت تحرير حلب ، و التي اقل ما يقال فيها انها حفلت بانتصارات متتالية للجيش العربي السوري وحلفائه في شتى الجبهة التي عملوا عليها ، وثانيها ما حصل في العراق من تحرير الموصل وانهيار “داعش” فيه وتقطع اوصالها التي تشتت على 6 مناطق غير مترابطة حيث تشكل جزرا محاصرة لن يكون الاجهاز عليها من قبل الجيش العراقي والحشد الشعبي الا مسألة وقت والنتيجة محسومة لصالح الدولة العراقية في مواجهة دولة الخرافة المنهارة والمتلاشية في العراق.
فإذا قرأنا هذه المواقف على ضوء ظروف اطلاقها نستطيع ان نصل الى رسم صورة حاضرة للمشهد في سوريا والعراق يقوم على الخطوط التالية:
– بداية قبول معسكر العدوان على المنطقة بفكرة فشل الإرهاب الذي اعتمده أداة لإخضاع سوريا والعراق، وتكون الاتجاه لديه للحد من الاعتماد عليه حاضرا بعد ثبوت عجزه عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي من اجلها انطلق العدوان.
– اتجاه معسكر العدوان على المنطقة للعمل بسياسة الحد من الخسائر وحفظ ماء الوجه عن طريق التفاوض مع الجهات التي صمدت دفاعيا وافشلت العدوان، لمنعها بالسياسة من استثمار انتصارها بالحجم الذي يقتضيه الحال.
– اتجاه معسكر العدوان على سورية الى اجراء نوع من المقايضة بين اقرارهم بالفشل من جهة، وإقرار معسكر الدفاع عن المنطقة بمصالحهم والقبول بالمحافظة عليها في الحد الذي لا يفرغ تلك المصالح من مضمونها الاستراتيجي.
– اتجاه لدى معسكر العدوان زرع حصان طروادة أو أكثر في معسكر الدفاع ، من أجل اشراكه في إيجابيات النصر أو على الأقل حفظه بعيداً عن مرارات الخسارة. ولتقرأ جيدا الوضع القطري و التركي.
هذه الصورة تذكرنا بالقواعد المعتمدة في العلوم العسكرية لتحديد الدفاع الناجح و الذي هو «العمل الذي بمقتضاه نحمل العدو المهاجم على الاقتناع بأن هجومه فشل و بأن عليه ان يوقفه» وعليه نستطيع ان تقول الان ووفقا لتلك القواعد العسكرية بأن دفاع سوريا والعراق نجح في تكوين قناعة لدى معسكر العدوان عليهما بأن هجومه الإرهابي العدواني عليهما فشل ، وبالتالي عليه ان يوقف العدوان و بالفعل نرى ان الحديث الأميركي عن وقف شامل لإطلاق النار في سوريا، والحديث الفرنسي عن مفاوضات بلا شروط مسبقة، والقبول الاممي بإعطاء أولية علنية للبحث في الإرهاب كلها مؤشرات واضحة تؤكد حصول هذه القناعة و لكن..؟
ان الأخطر في الموضوع الان هو البعد الثالث من صورة المشهد، البعد الذي يتضمن سعيا للمقايضة لتحقيق مصالح الغرب بالسياسة بعد فشل تحقيقها عبر الإرهاب في الميدان، وهنا و رغم علمنا بما يريد الغرب الان في سوريا و العراق من مصالح امنية و عسكرية ومالية واقتصادية ذات طبيعة استراتيجية تتصل بسياسة الغرب الاصلية ضد المنطقة والتي تقوم على رفض تمكين المنطقة من ممارسة سيادتها على نفسها وامتلاك القرار المستقل واستثمار ثرواتها لصالح شعوبها، فاننا لا نرى موجبا الان في الخوض بتفاصيل تلك الأهداف و المصالح، لكننا نرى بأن المنتصر ليس مضطرا لإعطاء المهزوم جوائز ترضية بالحجم الذي يفرغ الانتصار من مضمونه، و يصيح المهزوم مساويا للمنتصر في الاستفادة من حصاد نتائج الصراع. وهنا نرى ان الذي واجه حربا كونية على بلاده وانتصر رغم كل ما رافقها من مآسٍ، سيكون قادرا وبشكل مريح على مواجهة الضغوط السياسية مهما عظمت وهو محترف في ذلك حيث ان تجاربه الناجحة خلال العقدين الماضيين اهم وأكثر من ان تحصى.