لا زالت تداعيات نكبة «حرب الخليج» عام 1990م عالقة في أذهان اليمنيين، الذين تم تسريح حوالي مليون شخص من مغتربيهم في دول الخليج بسبب تلك النكبة، ما اضطرهم للعودة إلى اليمن على خلفية الموقف السياسي اليمني من غزو العراق للكويت. وبالرغم من كون ذلك الموقف الرسمي لم ينسحب على الموقف الشعبي اليمني من الحرب، إلا أن القرار اتخذ بطرد اليمنيين إضافة إلى عشرات الآلاف من الفلسطينيين والأردنيين.
اليوم، وبعد ربع قرن من نكبة التسعينيات، ها هو التاريخ يعيد نفسه، ليتجرع اليمنيون مرة أخرى مرارة النكبات السياسية المتتالية بشكل آخر في عهد «عاصفة الحزم» والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، منذ 3 سنوات، دون تحقيق حسم ولا حزم. عاصفة كان من المفترض أن تعيد الأمل لليمنيين، لكنها، للأسف، أوصدت في وجوهم جميع أبواب العيش الكريم، بسبب فرض «الشقيقة الكبرى» رسوماً إضافية على المقيمين على أراضيها، الأمر الذي جعل الكثيرين من هؤلاء يعودون أدراجهم إلى بلادهم التي تعاني من ظروف الحرب وتداعيات الأزمات السياسية المتعاقبة.
مدن الملح
نكبة اليمنيين، هذه المرة، والذين ظلوا على أمل الحصول على استثناءات من تلك القرارات التعسفية القاسية، هي أسوأ بكثير من نكبة التسعينات، خاصة لدى الجيل الثاني من المقيمين في بلاد الحرمين، الذي لا يعرف غالبيتهم عن اليمن غير ما يتردد في روايات الجيل الأول الذي شد عصا الترحال مهاجراً أوائل خمسينيات القرن الماضي، والذي لم يدر بخلده يوماً أن تكون «الهجرة مرتين»: هجرة من الوطن وهجرة إليه، كما جاء في رواية الأديب العدني، سعيد عولقي. القادمون من «مدن الملح» هم ضحايا النسخة الثانية من مأساة عهد الملك «خربيط»، الذي أطلق العنان لابنه «خزعل» في التحكم في شؤون البلاد والعباد، في رائعة الروائي السعودي، عبد الرحمن منيف.
رسوم
وتُعدّ القرارات الأخيرة سارية المفعول اعتباراً من 1 يوليو الجاري؛ إذ يتوجّب على المقيمين من جميع الجنسيات دفع 100 ريال سعودي شهرياً عن كل مرافق، في حين سيتضاعف المبلغ (200 ريال سعودي) ابتداءً من شهر يوليو 2018. فضلاً عن ذلك، فإن الوضع القانوني لأصحاب هوية «زائر» لم يتضح بعد، حيث لا يزال هؤلاء مهددين بالترحيل عقب انتهاء الفترة الممنوحة لهم، والتي تصل إلى 6 أشهر وتُجدَّد بين فترة وأخرى.
ومن المقرر أن تتضاعف هذه الرسوم في يوليو من العام المقبل 2018، إلى أن تصل في منتصف عام 2020 إلى 800 ريال في الشهر، بمجموع 9600 ريال سعودي في السنة. وبحسب تصريحات وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، فإن على كل عامل وافد ومرافق في المملكة دفع مائة ريال سعودي شهرياً، بدءاً من يوليو وحتى نهاية العام الجاري.
إحصائية 
تشير أحدث الإحصائيات الواردة من منفذ الوديعة الحدودي الرابط بين اليمن والسعودية في مديرية العبر بحضرموت، إلى أن عدد النازحين من المغتربين اليمنيين بلغ، خلال الأسبوعين الماضيين، أكثر 17 ألف شخص. وأفادت مصادر خاصة، لـ«العربي»، بأن أعداد النازحين مرشحة للارتفاع خلال الأيام القادمة. وأشارت المصادر إلى أن المنفذ يشهد ازدحاماً شديداً بالمسافرين العائدين، ما تسبب في تأخير بعض المعاملات نظراً لضغط العمل، لاسيما مع تزامن عودة النازحين مع موسم تفويج الحجاج اليمنيين البالغ عددهم هذا العام، بحسب الإحصاءات الرسمية، 24 ألف حاج.
الاقتصاد
ومن المتوقع أن يتأثر الإقتصاد اليمني المتدهور بشكل كبير نتيجة نزوح المغتربين من المملكة، والذين يرفدون السوق المالي بحوالي 1.420 مليار دولار سنوياً، ما سينعكس سلباً على اقتصاد البلاد التي تشهد، منذ اندلاع الحرب، حصاراً جائراً على الموانئ البحرية والمطارات والمنافذ البرية، لاسيما بعد نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن، وعجز حكومة «الشرعية» عن دفع رواتب الموظفين، ومواجهة حزمة من القضايا الملحة، أبرزها دمج «المقاومة» في «الجيش»، وملفات جرحى الحرب، والتعويضات وإعادة الإعمار، وإدارة الوضع العسكري والسياسي في البلاد.
وتمثّل السعودية سوقاً رئيساً للعمالة اليمنية، ويخاطر العديد من الشباب اليمنيين بحياتهم في محاولات حثيثة للدخول إلى المملكة عبر التهريب، بسبب صعوبة تأمين قيمة تأشيرة العمل، التي قد تصل إلى 20 ألف ريال سعودي (6 آلاف دولار). وبحسب تقديرات غير رسمية، يبلغ عدد المقيمين اليمنيين في المملكة حوالي 3 ملايين مغترب.