الحشيش «يغزو» عدن!.. تفاصيل انتشار الظاهرة
تسرد أماني، في حديث إلى «العربي»، بداية تجربتها مع الحشيش، قائلة: «لم تدر في خلدنا يومها مسائل الإدمان. لقد بدت تجربة مثيرة وجديدة، وكان طعم الحشيش الفاخر رائعاً، ومفعوله شيء لا يصدق». وتتابع: «تشعرين بأن الدنيا جميعها ملك يمينك، وكل المشكلات والمنغصات في الحياة ذهبت دون رجعة، فالحشيش يعطيك باور، قوة وشجاعة لمواجهة أي شيء. هذا الشعور كان كافياً ودافعاً لإعادة التجربة لمرات عديدة».
«لست نادمة»، تؤكد أماني، وتضيف أن «الكمية التي كنا نشربها قليلة، وليست مكلفة مادياً»، نافية تعاطيها الحبوب المخدرة. وتوضح أن «المال كنا نجمعه كفريق، ويصل إجمالي المبلغ من 10 إلى 12 ألف ريال (40$) نشتري بنصفه قات، والباقي حشيش يوفره النادي، لا نسأل ولا نريد أن نعرف مصدره، لأن ذلك ليس مهماً بالنسبة لنا».
تبدي أماني استغرابها من رافضي فكرة الحشيش، مدافعة عن الفكرة بصوت عالٍ بتساؤلها: «من قال إن تعاطينا حرام». تشرح ذلك يقولها: «يختلف الأمر؛ فيكون التعاطي حراماً لو أخرجك عن صوابك وطورك، وبدأت بأذية الآخرين، أو تصرفت بشكل غير لائق مع الآخرين، نحن بنات ناس ونشرب الكيف، مثله مثل الشيشة والمعسّل ولا نبالغ بالكمية». وتلفت إلى أن«الصنف الذي نفضله الحشيش الأسود اللزج، فرائحته طيبة جداً، وأجود أنواعه الأفغاني والمستورد من أذربيجان».
وتعيد التأكيد: «لا أفكر بالإقلاع كما قلت لك». تسألني: «أنت تشرب سيجارة، هل شربك للسيجارة يخرجك عن المألوف؟ إذاً هو نفس الشي». أماني، التي تتعاطى الحشيش المخدر بصحبة زميلات لها منذ أن كانت في سنة أولى بكلية التربية، تفسر الظاهرة بأن «ظروف فترة الحرب وما بعدها، وظهور الجماعات المتطرفة، دفعتها وزميلاتها إلى تغيير أماكن الجلسات من النوادي إلى المنازل؛ فكل خميس تلتقي المجموعة (الشلة) في منزل إحداهن كجلسة قات عادية، ويتم تدخين الشيشة بالمعسل المعروف، المخلوط بقطعة صغيرة من الحشيش يصل ثمنها إلى 5$ تقريباً بحسب المورد»، مؤكدة أن «الأهل لا علم لهم بما تفعل وزميلاتها». وتسخر أماني من مبالغة الأفلام السينمائية في تصويرها متعاطي الحشيش «وقد تغير شكله، وفقد عقله، وتغير لونه وكأنه يتناول السم».
ويرجع الناشط، محمد النقيب، من جهته، الظاهرة إلى أن «نشاط عصابات بيع وترويج المخدرات بدأ في التوسع حتى تحول إلى ظاهرة مع بداية العام 2010م، وبمساعدة الأجهزة الأمنية حينها أو تغاضيها وعدم اتخاذها أي إجراءات بحق العديد من تجار الحشيش، حيث كان يباع جهاراً نهاراً في نوادٍ معروفة بعدن وبعلم أجهزة الشرطة والأمن»، في حين يبيّن الناشط الحقوقي، لطفي باسنيد، أن «المخدرات التي تدخل عبر المنافذ البرية، غالباً عبر حضرموت والمهرة قادمة من دول المنشأ كأفغانستان وإيران وأذربيجان، تدخل بكميات قليلة، فيسهل إخفاؤها تحت أو وسط مقاعد السيارات، وبطرق أخرى عديدة يتم جمعها في اليمن، ومن ثم تهريبها إلى دول الجوار، السعودية وعمان تحديداً». ويضيف باسنيد أن «الإستهلاك المحلي قليل جداً مقارنة بالكميات التجارية التي يتم تهريباً إلى السعودية، فحرس الحدود السعودي قبل الحرب كان يضبط أطناناً من المخدرات بأنواعها على الحدود مع اليمن التي تعتبر ترانزيت لعمليات تهريب تقودها عصابات منظمة».
وتسجل الظاهرة اتساعاً ملحوظاً في مدينة عدن، على الرغم من إعلان الأجهزة الأمنية، بين الحين والآخر، القبض على مروجي مخدرات. ومؤخراً، أعلن مدير شعبة مكافحة المخدرات، التابعة لإدارة أمن عدن، ضبط كميات كبيرة من مادة الحشيش عالي الجودة، وعشرات الآلاف من حبوب الكبتاجون المخدرة، خلال النصف الأول من العام الحالي، وإحالة عشرات المتهمين بقضايا بيع وترويج المخدرات إلى النيابة العامة». ولفت إلى أن «الجهود التي تبذلها الشعب، بالتعاون مع المواطنين، أسهمت إلى حد بعيد في انحسار ظاهرة تعاطي المخدرات بين أوساط الشباب في عدن»، منبهاً إلى أن «هذه الجهود لا تعني انتهاء الحرب مع عصابات بيع وترويج المخدرات، بل هي حرب مستمرة؛ فالعائد المادي من تجارة المخدرات كبير، وغياب القيم والوازع الديني انحسر لدى كثير من الأشخاص الذين استغلوا فترة ما بعد الحرب لممارسة أنشطتهم الهدامة والمدمرة للمجتمع».
الدكتورة سعاد علوي، رئيسة «مركز عدن للتوعية من خطر المخدرات»، والقيادية في الحراك الجنوبي، تمكنت خلال 4 أعوام من تأهيل عشرات الشبان والشابات من مدمني المخدرات، وقادت العديد من حملات التوعية بأضرار المخدرات وتعاطي القات في المدارس، وأقامت العديد من الندوات في هذا الإطار. تشيد علوي، خلال ندوة أقامها المركز مؤخراً ضمن نشاطه التوعوي في عدن، بـ«الجهود التي تبذلها إدارة مكافحة المخدرات بإدارة أمن عدن»، معتبرة أنه «رغم الظروف الراهنة، فإن دور الأجهزة الأمنية قد شهد تطوراً كبيراً في مكافحة التهريب والتجارة بالمخدرات بالعاصمة عدن خلال العامين الماضيين»، داعية اللواء شلال علي شايع، الذي وصفته بـ«صاحب الشعبية الساحقة بالجنوب»، إلى «مزيد من الإجراءات الأمنية في مكافحة المخدرات، والضرب بيد من حديد لكل من ثبتت عليه تهم الإتجار بالسموم القاتلة لأجيالنا».